العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ

الإعلام الغربي وتنميط صورة المسلمين

لندن - كامبردج بوك ريفيو 

تحديث: 12 مايو 2017

في البداية يجب القول إن ما تحاول أجهزة الإعلام الغربية تأكيده وتنميطه إزاء تقديم نماذج معينة في مجال نقلها لصورة المسلمين، مثل المجاهد الملتحي وحامل الكلاشينكوف والنساء الأميات المغلوبات على أمرهن، هي بعيدة عن الواقع والحقيقة التي هي ان الإسلام عالم واسع جدا لا يمكن حصره بمثل هذه الحدود الضيقة.

في هذا الكتاب، الذي وضعته الشاعرة الاسكتلندية كاثلين جامي بعد لقاءات أجرتها مع السكان المسلمين على حدود باكستان، تقول لقارئها الغربي إنها تريد النظر الى ما وراء اللحى والبراقع في محاولة منها للتعرف إلى الرجال والنساء الذين يختفون وراءها. وهي في محاولتها هذه لا تخضع أولئك الأشخاص لعين العالم الانثروبولوجي المتفحصة، وأحيانا التي تفقد البوصلة الإجمالية بالاستغراق في التعريفات العلمية، بل إنها تقيم علاقات وصداقات مع أشخاص قدموا إليها المأوى والضيافة بدافع من طيبة القلب والإحساس بالواجب الديني.

في ليلة عيد غاي فوكس العام 2001 م، وبينما كانت جامي في طريقها إلى مغادرة منزلها في مدينة فايف باسكتلندا بصحبة أطفالها لشراء الألعاب النارية، وجدت عند عتبة دارها مجموعة من الرجال الباكستانيين قدرت عددهم بحوالي عشرة. تقول جامي في كتابها: «كنت امسك بأطفالي كل واحد بيد. وقد باغتني المشهد فتراجعت إلى الوراء. نهض اثنان من الرجال واقفين. قلت: السلام عليكم، فرد الجميع: وعليكم السلام. وهكذا خرجنا لشراء الألعاب النارية وعدنا إلى البيت بصحبة مجموعة من الرجال بكامل ملابسهم البنجابية».

كانت نشرات الأخبار اليومية تفيض بالتقارير المرسلة من إسلام آباد، وبيشاور، وكويتا تعيد الى ذاكرة جامي تلك الأوقات التي انفقتها قبل عشرة أعوام في المنطقة المعروفة باسم المنطقة الشمالية وهي منطقة جبلية متفجرة تنحصر بين أفغانستان والهند والصين. وكانت ذكريات الضيافة الكريمة التي حظيت بها من لدن سكان تلك المنطقة الملمح الرئيسي الذي يهيمن على كل ما عداه من ذكريات تلك الفترة. وها قد آن الأوان لكي تضطلع جامي بدور المضيفة.

قال لها الرجال إنهم يقومون بمسيرة سلمية ذاتية التمويل لمد الجسور مع البيئة التي يعيشون فيها، بعد شعورهم بضغط الصور السلبية التي يبثها الإعلام عن المسلمين. وقد خططوا للطواف بالمدن الاسكتلندية الصغيرة على مدى أربعة اشهر، وقالوا لها أيضا: «إننا نتواصل مع الناس في كل مدينة ندخلها، ونجري بعض الحوار مع أهاليها. فنحن جميعا أبناء آدم وحواء: مسلمون وغربيون، هل تفهمين ذلك؟ كلما وصلنا مدينة جديدة سعينا إلى الجلوس مع أبنائها والحديث معهم ...».

وجدت جامي صعوبة في توفير المكان المناسب لمبيت الرجال في بيتها. وقد خف الى نجدتها فنان محلي من معارفها عرض على الضيوف المبيت في الطابق الأرضي من بيته الذي كان عبارة عن دكان غير مستعمل، إذ وجد أن من غير المناسب أن يظل الرجال في الخارج في الساعة التي تبدأ فيها الحانات بإغلاق أبوابها.

«قلت لنفسي: إذا كنا قلقين على اثني عشر رجلا قادرين على التعامل مع أحد السكيرين الذين يمكن أن يصادفوهم في الطريق فلا عجب إذن أن يطيش صواب مضيفي في جيلجيت وأنا الفتاة الغربية الوحيدة التي تستحلي الخروج بمفردها بعد هبوط الظلام».

قبل عقد كامل وفي مدينة جيلجيت، وجدت جامي نفسها وقد أصبحت في عهدة«العقيد»، الذي كان من ذلك النوع الأبوي البشوش كثير الصخب، والذي درج على طرح الأسئلة السياسية العويصة من دون انتظار سماع أجوبتها:

هل تبحثين عن نزل في جيلجيت؟ لقد فكرت بالأمر وعثرت على الحل، ستنزلين لدى احد أفراد أسرتي. انه مهندس.

هل لديك أسرة كبيرة؟ أكثر من ألفين. لديه غرف فارغة. ستكونين مرتاحة هناك.

- لا أريد في الواقع أن اسكن مع عائلة.

سيكون لك مدخل خاص، وحمام خاص أيضا.

- ولكن أنا، حقا، لست أدري.

لقد وافق على هذا الأمر لأنني أنا الذي طلبت منه ذلك. ولكن إذا كان ذلك لا يروق له.

لقد طلبت منه ذلك. وسنتجه إلى هناك الآن. انه شيء سهل، لأنك فتاة.

وهكذا تغلبت الضيافة الباكستانية على التحفظ الاسكتلندي.

ومن خلال ما ترويه جامي عن مضيفيها نتعرف على ربة الدار الفتية «سلمى» وأمها وأخواتها وبنات عمها. ويتسنى لجامي أخيرا أن ترى وجوه النساء. فهؤلاء كن نسوة مسلمات يعشن في عزلة مشددة. كانت من بينهن مثلا «رشيدة» ذات الصحبة البهيجة. تتكلم رشيدة سبع لغات محلية بطلاقة فضلا عن الإنجليزية وقد حصلت على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية بالمراسلة من دون أن تغادر البيت إلا لأداء الامتحان. وعندما سألتها جامي عن المكان الذي يسمح لفتاة شابة مثلها أن تخرج إليه، أجابتها رشيدة: «إلى مكان الدراسة أو العمل. جميلة (أخت رشيدة) تعمل مدرسة. بالحجاب طبعا. انظري...» قالت ذلك وهي ترفع يديها «يمكن إظهار اليدين، كذلك القدمين» ثم أزاحت شعرها عن جبينها وهي تقول: «يجب ألا يظهر الشعر» جاءت بالبرقع لكي تريني كيف ينبغي وضعه. وصلنا صوت أبيها هادرا من حيث كان يجلس في الحديقة: «مثل خيمة متحركة، هل تعتقده أمرا طيبا أن تبدو بناتك مثل خيمات متحركة؟» فرد: «إنهن ينعمن بالراحة وهدوء البال» وأضافت رشيدة وهي تهز رأسها موافقة: «نحن راضيات بهذا».

أثناء عبورها نهر شويوك المندفع نحو المحيط، التقت جامي رجلا آخر مصمما على تولي رعايتها. «كان قائد المركب شيخا ملتحيا. لكنه كان بادي القوة، رشيقا مثل كلب سلوقي. «سيدتي» ارتفع صوت الرجل فوق هدير النهر... «لو وجدت أية صعوبة فيما يتعلق بالمواصلات أو السكن، هذه بطاقتي. كان المركب ينحدر بنا مثل ورقة تجرفها الرياح. وكنت أتعرف على هذه العادة الباكستانية الطريفة في تقديم البطاقة الشخصية تحت أسوأ الأحوال».

على رغم كل اعتراضاتها تولى السيد علي كامل المسئولية عن جامي. عهد بها فيما بعد إلى رجل آخر كان سيسلك طريقها نفسه، صعدا من الوادي. تقبل عولام علي شير العهدة بالترحاب على رغم ما تشكله له من عبء. وقد تضمنت مسيرتهما معا قطع جزء من الطريق في سيارة جيب مزدحمة.

«كانت هناك امرأتان تجلسان فوق سطح السيارة. لم تكونا تضعان الحجاب. وكان شعرهما الأسود الفاحم معقودا على شكل كعكة عند مؤخرة الرأس. وكانت كل منهما تضع ضمة من الأزهار البرية خلف إحدى أذنيها. وكانت احداهما تلف ذراعها حول الرجل الذي يجلس بجوارها. كان ذلك الوادي مكانا مختلفا. وكانت للمرأتين ملامح تيبتية جعلتني أتخيلهما بقبعات سوداء وحفنة من بذور عباد الشمس يتسلين بتناولها. كان جو من المرح يسود في السيارة. حتى عولام علي شير استطاع أن يبتسم بعد أن اخبر الجميع عن هذه الغربية التي ألقيت على عاتقه، والتي كانت متوجهة إلى هيوش؟ لأي سبب؟ لا يعلم إلا الله».

كانت رابطة مشرقة من المحبة تربط عولام على شير بزوجته غلام وابنائهما، ولا يملك القارىء إلا أن يشعر لفراقهم بأسف لا يقل عن أسف جامي، التي شعرت بانجذاب خاص إلى ولدهما الذكي النشيط أنور علي البالغ من العمر 11 عاما.

«بالإضافة إلى الحلوى التي اشتريتها من دكان على الطريق إلى هيوش، أعطيت أنور علي مصباحي اليدوي، وعلمته طريقة توسيع حزمة الضوء أو تضييقها، كما شرحت له أين يمكنه أن يجد المصباح الصغير المخبأ وراء العدسات، وكيف يستطيع استبدال البطارية عند نفادها بالبطارية الاحتياط التي كانت مع المصباح. شكرني بكل وقار قبل أن ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة. أويت إلى الفراش، لكن القهقهات والصرخات التي كنت اسمعها في غرفتي دفعتني إلى الخروج لرؤية ما الأمر. كانت الأسرة بأجمعها تجوس في ظلمة الليل المحيط بالمنزل وهي تحاول التعرف على الأشياء على ضوء المصباح اليدوي».

كتاب جامي سهل وحميمي وغير معقد، ويقدم صورة إنسانية قلما تقدمها الكتب والدراسات الغربية في الوقت الراهن. فهي تقدم صورة «من الداخل» لعائلات مسلمة ليست مثالية بالتأكيد وفيها الكثير من المشكلات والمعضلات، لكنها لا تختلف عن مشكلات ومعضلات يواجهها البشر في كل مكان. المهم في الأمر أن هؤلاء المسلمين هم غير المسلمين الذين يقدمهم الإعلام الشعبوي في الغرب، وهذه هي رسالة الكتاب المهمة والجديرة بالتقدير.

الكتاب: بين المسلمين، لقاءات عند حدود باكستان.

تأليف: كاثلين جامي.

الناشر: سورت اوف بوكس، بريطانيا العظمى، 2003.

عدد الصفحات: 256 صفحة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً