العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ

طردت من المدرسة وفقدت أسرتي مواطنتها وهو ما دعاني إلى التعمق في مسائل القانون

في حوار مع الفيلسوف جاك دريدا:

اجرى الحوار - ميشيل روسنفيلد 

تحديث: 12 مايو 2017

يعد جاك دريدا، استاذ القانون والعلوم الاجتماعية، فيلسوفا وناقدا مشهورا. زار دريدا كاردوزو بانتظام خلال السنوات العشر الماضية. يحمل درجة عالم كاردوزو المتميز وغالبا يحاضر في مدرسة القانون كجزء من سلسلة المتحدثين عن القانون والإنسانية التي ترعاها بالاشتراك جامعة المدرسة الجديدة. وعندما زار دريدا كاردوزو أخيرا اجرى معه استاذ حقوق الإنسان، ميشيل روسنفيلد حوارا عن علاقته بالقانون وآرائه بشأن الحوادث السياسية الدولية:

أود ان اسألك عن علاقتك بالقانون. متى بدأ اهتمامك بالقانون كموضوع تحقيق؟

- بدأ اهتمامي بالقانون كفرع من المعرفة الاكاديمية مبكرا جدا، على رغم انني لم ادرس القانون ابدا بمعناه الدقيق. أصبحت أولا مهتما بمسألة القانون وعلاقته بالادب... القيود القانونية المتعلقة باسم المؤلف، حقوق الطبع... الخ.

ذات مرة، منذ فترة طويلة ماضية، عقد سمنار في «ييل» عن حقوق النشر(حقوق المؤلف)، وعن تاريخ حقوق النشر. بالطبع هناك وجه شبه ظاهر. في ذلك الوقت، درست كلا من تاريخ حقوق النشر الفرنسية والانجليزية.

كنت مهتما بالذات بالعلاقة بين الملك، المكتبي، ومالك حقوق النشر في القرن السابع عشر والتغييرات التي حدثت آنذاك مع الثورة الفرنسية. ثم أصبحت مهتما ايضا بالصلة بين العمل الادبي والانتاج القانوني للقانون. وعندما أثرت عددا من المسائل الاخلاقية والقضائية شعرت انني مستدعى للرد على مثل هذه المسائل كما فعلت في مؤتمر «امكان العدل»، الذي يعد بالنسبة إلي مناسبة تذكارية جوهرية لمخاطبة علماء القانون عن العلاقة بين القانون البناء والعدل، وذلك كانت لدي رغبة مستمرة في دراسة القانون، ومع ذلك لم أعمل ابدا لتحقيق حلمي في دراسة القانون.

اعتقد اننا في كاردوزو متفردون من بين كليات القانون في ان لدينا دائما مقدارا كبيرا من الرغبات متعددة الموضوعات في التدرب في الفلسفة، الادب، النظرية السياسية. «كثير» منا يتطلع إلى النقد لكي يرى إلى أي مدى يمكن ان يساعدنا في تحليلنا القانوني وفي النظرية القانونية، ولذلك انها مناسبة مهمة بوجه خاص عند حضورك هنا والتحدث لنا عن ذلك.

- تعد الضيافة في كاردوزو عزيزة بالنسبة إلي. خلال السنوات العشر الماضية، منحتني جميع السمنارات علاقة وطيدة بالزملاء القانونيين وقد تعاملت مع مسألة المسئولية العامة، والسرية والشهادة، والكرم والآن عن التسامح، وجميعها متعلقة بقضية المسئولية من شخص تجاه آخر.

هل يمكنني القول ان اهتمامك الخاص بمسائل واضحة في القانون والقضاء مستمدة ربما من نظريتك النقدية؟ يبدو لي ان هناك رغبة متنامية في القانون، القضايا القانونية والعدل القانوني من قبل الفلاسفة في الخمسة العشرة أو العشرين سنة الأخيرة. هل تتفق مع ذلك، وان كنت كذلك، إلى أي سبب تعزو هذه الرغبة؟

- اتذكر أولا انني تطرقت إلى مسألة القانون في محاضرة عن كافكا «قبل القانون» لقد قمت بالتمييز بين القانون عموما والقانون بالمعنى الدقيق أو العدل القانوني. وفي الفرنسية عندما تتحدث عن القانون، فليس بالضرورة انك تشير إلى القضايا القانونية. الآن أعود إلى سؤالك، ما نراه اليوم في الديمقراطية الغربية هو أهمية متزايدة بالسلطة القانونية في السياسة - احيانا باسلوب سيئ - كما في حالي ايطاليا وفرنسا، لدينا شعور بأن استقلال القضاء اليوم يعد تجربة حاسمة للديمقراطية، لذلك فالفيلسوف المهتم بالاخلاق و/أو السياسة يجب ان يرجع إلى مسألة القانون. وبعد ان أصبحت الديمقراطية في الواقع عالمية، يجب ان يبحث الفلاسفة، بحق، في القانون والقضاء.

تؤرخ علاقتك مع كاردوزو إلى عقد من الزمان. فهل تستطيع ان تصف لنا هذه العلاقة التي تجعلنا محظوظين برؤيتك في كل عام؟ وهل لديك علاقات مع مدارس قانون أخرى؟

- انا المحظوظ بهذا. وقبل كل شيء علاقتي بكاردوزو فريدة. ربما لست بحاجة إلى ذكر انه في كاردوزو وجدت زملاء يعدون علماء القانون مشهورين ومهتمين ايضا بالادب والثقافة التوراتية، الفلسفة وما إلى ذلك. بالنسبة إلي، هذه مناسبات غنية للغاية للنقاش. لقد عملت بشكل غير منتظم مع مدارس قانون أخرى. حينما حاضرت في «ييل»، لمدة 12 عاما، إذ دعيت من قبل كلية القانون لمناقشة ورقة مقدمة في كانت ثفَُّ. ثم دعيت أخيرا من قبل لاري كرامر في كلية القانون بجامعة نيويورك لتنظيم ورشة عمل. كما حاضرت في جامعة نيويورك مدة عشر سنوات، وهذه هي المرة الأولى التي تكون لي فيها دعوة من كلية قانون.

في فرنسا حاولنا تنظيم مؤتمرات، حوارات، ومناقشات مع قليل من المهتمين من كلية القانون، ولكن هذه الجهود لم تنجح، لذلك فكاردوزو بالنسبة إلي هي المكان الذي استطيع ان اتعلم فيه، إذ استطيع فيه مناقشة ما يهمني في القانون. عندما اقرأ ما تكتبه انت وما يكتبه ارثور جاكوبسون، هذا مهم لي للغاية. وخلال فترة السنوات العشر، هناك ألفة متنامية ومسلمات مشتركة.

ومن خلال وجهة نظري المتواضعة، تغيرت الأمور في كاردوزو إلى الأفضل.

لا أعلم ان كان معروفا بانك ولدت ونشأت في الجزائر كعضو جالية يهودية. فهل يمكن ان تخبرنا عموما كيف ان تلك التجربة أثرت في تطورك الفكري؟

- ربما كانت إحدى الأمور الكثيرة التي جعلتني مهتما بالقانون هو انني انتمي إلى اقلية في دولة مستعمرة. كانت الجالية اليهودية في الجزائر منذ فترة سابقة للمحتلين الفرنسيين. لذلك من ناحية، فاليهود الجزائريون ينتمون إلى شعب مستعمر، ومن ناحية أخرى هم مستوعبون مع الفرنسيين. واثناء الاحتلال النازي، لم يكن هناك جنود ألمان في الجزائر. كان هناك فقط فرنسيون ونظام فاشي، اصدر وفرض قوانين مستبدة بشدة. فقد طردت من المدرسة وفقدت اسرتي مواطنتها، وهي قضية قانونية. حتى عندما تكون طفلا، تفهم ما يعني فقدان مواطنتك. عندما تكون في وضع غير آمن، مهمش ومهتز تكون فطنا أكثر لمسألة التفويض القانوني. فأنت مادة مهددة هويتها، ومهددة حقوقك.

أعلم انك زرت جنوب افريقيا وتعرفت بنفسك على لجنة الحقيقة والمصالحة والعمل الذي قامت به. فهل يمكن ان تخبرنا كيف أصبحت مهتما بموضوع التسامح والرحمة؟

- شاركت العام الماضي في سمنار عن التسامح والرحمة، وهو موضوع له الكثير من الابعاد القانونية. ثم ذهبت الصيف الماضي إلى جنوب افريقيا، في الوقت الذي بدأت فيه لجنة الحقيقة والمصالحة للتو كتابة تقريرها. كان النقاش بشأن عمل اللجنة في كل مكان. قدمت عددا من المحاضرات عن التسامح والمصالحة وقرأت كثيرا عن الموضوع. وكانت لي فرصة للالتقاء بكثير من الناس في اللجنة، واطلعت على كثير من مظاهر العملية: الطريقة التي تشكلت بها، الطريقة التي أصبحت بها مثيرة للجدل (لا احد في كلا الطرفين يتفق معها)، الطريقة التي يجب ان تحل بها هذه اللجنة المشكلات التي يمكن في أية لحظة أن تدمر العلاقات بين المؤتمر الوطني الافريقي والحكومة البيضاء. وكانت اللجنة في الواقع اتفاقا بين المؤتمر الوطني الافريقي والحكومة البيضاء (أو حكومة البيض) لتسوية الوضع من خلال العفو بدلا من الانتقام. وأصبحت مهتما بالذات بعملية اطلق عليها «الالتئام» وهي شكل من العلاج السياسي.

كما أصبحت مهتما في كيف والى أي مدى مدى يعد مثل هذا العلاج السياسي متوافقا، مع فكرة التسامح المطلق. وكانت لي فرصة للالتقاء والاستماع إلى شهود من كلا الطرفين بالاضافة إلى أعضاء اللجنة. لذلك تعلمت الكثير عن تاريخ جنوب افريقيا. كما تعلم ففي جنوب افريقيا هناك لغة معترف بها رسميا في الدستور. أي شخص متحدث امام لجنة الحقيقة والمصالحة يستطيع ان يختار التحدث بأي من هذه اللغات الرسمية. ومثلت هذه مشكلة ضخمة بما ان الشهادة تترجم بعد ذلك إلى الانجليزية، لغة مسيحية وغربية.

هذا مدهش. لذلك كشخص متحدث بالانجليزية، افهم ان نتائج وشهادة اللجنة قد تكون مختلفة تماما أو قليلا عن الطريقة التي ربما يفهمها احد المتحدثين باللغة المحلية...

- بالضبط. مبدئيا المواطنون السود هم الضحايا في جنوب افريقيا، ولكن المؤتمر الوطني الافريقي ظهر ايضا قبل اللجنة. لقد احبط المواطنون السود باللجنة لانهم كانوا غير راغبين في التسامح، ارادوا العدل أو على الأقل معرفة ماذا حدث لاحبائهم المفقودين. يريدون الاستمرار في عمل التصعيد. وعندما تكون اللجنة في جلسة، تستمر المحاكم القضائية العادية في عملها. على رغم ان الناس قد منحوا عفوا في الآثام السياسية، لم تعف الجرائم الجنائية، ولذلك ظهر الناس امام اللجنة وغالبا يحتجون بأنه طالما كانت تلك حربا سياسية وانهم تلقوا ومن ثم عملوا بناء على اوامر فإنهم بالتالي غير مذنبين.

هل من المقبول القول ان لجنة الحقيقة والمصالحة سمحت لكل إنسان، لاسباب شخصية مختلفة، بالقدرة على اغلاق هذا الجزء من تاريخ جنوب افريقيا؟

- من الواضح ان ذلك هو الهدف، الاغلاق. بوضع حد لما يمكن ان يكون بأية طريقة أخرى عملية. انتقام لا نهاية لها، بوضع حد للندب، والتشبث بالمستقبل. اراد نيلسون مانديلا ورفاقه وحلفاؤه ان تحيا جنوب افريقيا. فهموا انه اذا ارادوا ان يعيشوا سويا سودا وبيضا، فعلى الطرفين تقاسم أعمال الندب من أجل ان يتقاسموا المصير المشترك.

أنت ذكرت نيلسون مانديلا، جندا لو علقت على ما تعتقد انه دوره في كل هذا. كان سجينا، ضحية لنظام عنصري، ثم أصبح رئيس دولة. فهل من خلال القدوة أو من خلال الاقناع استطاع لعب دوره الخاص؟ فهل هو شخصية فريدة؟ فهل عملية الالتئام هذه ربما كانت مستحيلة اذا كان الزعيم شخصية أخرى غير نيسلون مانديلا؟

- هذا سؤال جيد وليس لدي اجابة قصيرة عليه. بالطبع، لعب نيسلون مانديلا دروا اساسيا. ماذا سيحدث من دونه لا أعلم عنه شيئا. ولكن الحقيقة هي ان هذا الرجل الذي لبث في الحبس 27 عاما، غادر السجن من دون استياء مرئي. انه هو الذي قرر ان المصالحة يجب ان تكون هدف اللجنة. قرأت في بعض الآراء انه كان يخالف ويختلف مع مجموعته، الحزب الخاص به، وعندما بدأ التفاوض مع حكومة البيض. لقد فعل هذا من دون موافقة زملائه. وقدم توقيعا قويا للإجراءات.

الآن هل يمكن ان آتي إلى موضوع دنيوي أكثر اثار كثيرا من الاهتمام، التعليق والنقاش في الولايات المتحدة. اشير هنا إلى القضايا المتعلقة بكلنتون، الاتهام، ومسئولية الرئيس عن أعماله. وبصفتك شخصا من دولة مختلفة، ثقافة مختلفة، وتنظر إلى هذا فلسفيا أكثر منه سياسيا فهل لديك رؤى وافكار بشأن هذه الظاهرة الأميركية؟

- قد يتطلب هذا فترة طويلة. ومع ذلك، دعني اعطيك اجابتين. الأول وهو تفاعلي التلقائي، المشترك مع كثير من الناس خارج الولايات المتحدة، خصوصا في فرنسا، كاستياء واستمئزاز لتسييس المسألة، والاهتمام من الصحافة بالجزء الجنسي من القصة. فقد وجدناها ليس فقط مثيرة للغضب فقط، ولكن من الواضح أنها منظمة من قبل المستشار المستقبل ومرتبة من مجموعة كبيرة من السياسيين. في أوروبا، لم نعتقد ابدا ان هذا النوع من الأمور يمكن ان يحدث في الولايات المتحدة.

ثم اشير ايضا إلى قضية معقدة أكثر: مسألة الحنث في قضية بولا جونز. هنا لا تبدو المسألة متعلقة ببساطة بالخصوصية الجنسية ولكن بفكرة المضايقة الجنسية. المضايقة في الواقع متعلقة بكرامة الإنسان. ايضا الحقيقة أن كلنتون سمح لنفسه ليكون محصورا بأقوال فشل في مسئوليته عنها. بالاضافة إلى الحقيقة بان ادلاء الرئيس بشهادته واعترافه ليس امام المواطنين الأميركيين فحسب ولكن امام العالم يعد دليلا على العولمة الجديدة ودخولنا فترة جديدة في القانون الدولي وحقوق الإنسان.

قبل ان نختم، أود ان اسألك عموما عن عملك الحالي المتعلق بالتسامح. هل تخطط لاعداد كتاب في الموضوع؟

- تعلم انني في كل مرة اعقد سمنارا، بطريقة معينة اكتب كل شيء وهناك مادة لكتاب محتمل. ولكن ليس لدي الوقت الكافي للمراجعة أو الكتابة. أحب ذلك اذا كان هناك وقت، ولكن ليست لدي خطط حالية لعمل ذلك





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً