تمكنت الاسبوع الماضي من القيام بجولة داخلية في المغرب قادتني إلى الجهة الشمالية الشرقية للبلاد زرت خلالها الكثير من المناطق الحدودية للمملكة سواء مع الشقيقة الجزائر، أو مع الأراضي التي تحتلها إسبانيا، لأخرج بمجموعة من الانطباعات تخالف تلك التي كانت لدي في السابق.
فالمغاربة ومن مختلف الاتجاهات لديهم ايمان واضح بضرورة استرجاع أراضينا المحتلة من قبل الإسبان سواء في مدينتي سبتة ومليلة أو الجزر الجعفرية الثلاث أو جزيرة النكور، بل إن هذا المطلب - بالإضافة طبعا الى ملف الصحراء - يعرف توافق مختلف التيارات السياسية يسارا ويمينا وإسلاميين.
لكن ما موقف أصحاب المشكلة الحقيقيين في المناطق المحتلة، أو في الأراضي المحاذية لها والتي على رغم استقلالها فإنها تعرف سيادة إسبانية على الصعيدين الاقتصادي وحتى الثقافي - الإعلامي؟
من خلال جولتي في المنطقة خرجت بنتيجة لابد للسياسيين وصناع القرار في العاصمة المغربية (الرباط) ان يضعوها في الحسبان.
فمنذ عشرات السنين وبالضبط منذ استقلالنا المجيد ما انفك المغرب ملكا وشعبا ينادي بمغربية الثغور المحتلة واعتبارها جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي وبضرورة استرجاعها مهما طال الزمن أو قصر.
لكن لنتخيل مثلا أن مدريد أعلنت في الغد عن استعدادها طواعية ومن دون أية شروط إعادة المناطق المغربية المحتلة لأصحابها، كيف سيكون موقف المغرب، بل وموقف سكان سبتة ومليلة والمدن والبلدات المتاخمة لها وعلى رأسها مدينتي تطوان والناضور.
من المؤكد أن الحدث سيقع عليهم كالطامة الكبرى غير المنتظرة.
فسكان المناطق المغربية المحتلة ومهما كان واقعهم المعاشي متدهورا بالمقارنة مع المستوطنين الإسبان، إلا أنهم في أسوأ الأحوال أحسن بكثير من فئات الشعب المغربي سواء بفضل البرامج الحكومية الإسبانية أو مساعدات الاتحاد الأوروبي.
أكثر من ذلك فإن الأمر سيكون بمثابة الصاعقة على سكان المناطق المغربية المحررة والمجاورة لسبتة ومليلة باعتبار أنهم يعتمدون اقتصاديا على الاتجار - سواء الشرعي أو غير الشرعي - على المناطق المحتلة. وبالتالي فإن تحرير المدينتين كفيل بسد طرق استرزاقهم وبالتالي انضمامهم إلى الأفواج الهائلة من العاطلين المغاربة، و بعد أن كانوا يعيشون في مناطق هي الأكثر قربا للأراضي الأوروبية وما يعني الاستفادة غير المباشرة من ذلك، فإنهم وأهل المدينتين سيصنفون بعد ذلك في قائمة مدن وبلدات المغرب غير النافع وأحسن مثال لذلك مدينة الحسيمة المجاورة والمدن والبلدات الحدودية المجاورة للأراضي الجزائرية باعتبار أن التنمية في عقل الرباط تقتصر على المغرب النافع الممتد على الواجهة الأطلسية بين مدينتي القنيطرة والجديدة كرورا بالرباط والمحمدية والرباط.
بل وخلال لقائي بالكثير من الناضوريين - نسبة إلى مدينة الناضور - كان هناك موقف واحد ألا وهو «نعم نحن مع استقلال أراضينا المحتلة، لكن ليس على حسابنا وعلى حساب لقمة عيشنا».
لذلك وقبل أن ترتفع أصوات الحكومة المغربية بضرورة استرجاع الأراضي المغربية المحتلة يجب عليها أن تعمل على تدشين ثورة تنموية في المنطقة على غرار ما تشهده مدينتي الناضور وطنجة - من إقامة للموانئ والمطارات والمناطق الاقتصادية الحرة - تجعل سكان هذه المناطق والمناطق المسترجعة مستقبلا في استقلال تام عما تجود به اسبانيا عليهم من فتات يؤدي إلى حصار الأراضي المحتلة بشكل تلقائي بسبب اعتمادها أيضا على تجارة التهريب نحو المغرب المحرر.
كما يجب رسم خطط تنمية للمدينتين من خلال المخطط السنوي المالي للحكومة المغربية كما لو أن المدينتين سترتجعان من الغد، بدل أن تلاقي بعد التحرير التهميش فيصبح السبتيون والمليليون على سنوات الاحتلال نادمين، كما وقع مع مدينة طنجة التي فور تحريرها تم إقفال مختلف المحطات الإذاعية والتلفزيونية فيها، لتعود القهقرى عقودا إلى الخلف في ظل السيادة المغربية، مخافة أن تنافس مدن الداخل المغربي.
إن الشمال المغربي المجاور لأوروبا ينتظره مستقبل مشرق إذا تم التعامل معه باستراتيجية تنموية من خلال صندوق تنمية أقليم الشمال الذي تنشطه عدد من أقطار الخليج العربي، لتصبح سبتة ومليلة وما جاورهما من المنتجعات السياحية العربية المهمة على غرار المنتجعات الأندلسية ولتصبح التنمية في المغرب تنمية إقليمية تمتد للمناطق الحدودية بدل ااقتصارها على «أراضي الداخل» كما يسميها أهل الشمال المغربي
العدد 306 - الثلثاء 08 يوليو 2003م الموافق 08 جمادى الأولى 1424هـ