بتاريخ 22 أبريل/ نيسان 2003م، صدق أمير دولة الكويت على قانون رقم (11) لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (38) لسنة 1964م في شأن العمل في القطاع الأهلي، إذ تضمن هذا التعديل سريان أحكام الباب الثالث عشر من قانون العمل الكويتي الخاص بالمنظمات العمالية وأصحاب الأعمال (النقابات والاتحادات النقابية) على الموظفين والعاملين في القطاعين الحكومي والنفطي.
نحن هنا سنتوسع قليلا في حيثيات هذا التعديل في القانون الكويتي وإعطاء العمال والموظفين في القطاعين الحكومي والنفطي حق إنشاء النقابات العمالية والاتحادات النقابية، وذلك بهدف توضيح العلاقة بين التجربة العمالية النقابية الكويتية والقرارات الحكومية الصادرة فيما بعد صدور قانون العمل الذي نص على حق العمال في التنظيم النقابي، وهي القرارات التي فسرت مواد القانون بعدم احقية الموظفين في وزارات الدولة في إنشاء النقابات العمالية في القطاع الحكومي بالكويت، وبين ما جرى في البحرين بعد صدور مرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002م بشأن النقابات العمالية والبدء بتشكيل النقابات، ومن ثم إقدام حكومة البحرين عبر ديوان الخدمة المدنية على إصدار التعميم رقم (1) لسنة 2003م (الذي ألغى لاحقا بأمر ملكي)، وذلك في ضوء ما أصدره مجلس الوزراء من توجيه إلى ديوان الخدمة المدنية بضرورة التزام المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية بما جاء في قانون النقابات العمالية، إذ ترى الحكومة أن المادة (10) من قانون النقابات العمالية، لا تسمح للعمال المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية بتشكيل نقاباتهم العمالية، وإنما لهم الحق في الانضمام إلى نقابات عمالية مشكلة خارج القطاع الحكومي.
خلفية تاريخية
في العام 1964م صدر في الكويت قانون العمل في القطاع الأهلي (قانون رقم 38) إذ تضمن الباب الثالث عشر منه مواد قانونية خاصة بالتنظيم النقابي للعمال وأصحاب الأعمال، ونصت المادة (69) من هذا الباب على حق تكوين اتحادات لأصحاب الأعمال وحق التنظيم النقابي للعمال، ونصت المادة بشكل واضح لا لبس فيه على أن أحكام هذه المادة والمواد الأخرى من هذا الباب تسري على العمال في القطاع الحكومي، كما نصت المادة (28) من قانون رقم (18) لسنة 1960 الخاصة بالعمل في القطاع الحكومي على ان حق التنظيم النقابي مكفول للعمال (في القطاع الحكومي) وفقا للقرارات التي تصدرها دائرة الشئون الاجتماعية وطبقا لنص المادة (70) من قانون العمل في القطاع الاهلي، إذ نصت المادة (70) المذكورة على ان العمال الذين يشتغلون في مؤسسة واحدة او حرفة واحدة او صناعة واحدة او مهن او صناعات او حرف متماثلة او مرتبط بعضها بعضا ان يكوّنوا فيما بينهم نقابات ترعى مصالحهم وتدافع عن حقوقهم...الخ. وعليه بادرت الحركة العمالية الكويتية إلى البدء في تشكيل نقاباتها العمالية في معظم المؤسسات ومنها القطاع النفطي وبعض الوزارات، علما بأن المنشآت النفطية التي تمثل القطاعات ذات الكثافة العمالية التي توجد فيها قوى عاملة مواطنة هي منشآت مملوكة للدولة. وينطبق على عمالها قانون خاص بالعاملين في القطاع النفطي، وهو القانون الذي لم ينص على اية اشارة إلى الحق النقابي، لا بالموافقة ولا بعدم الاجازة، مع تأكيده ان احكام قانون العمل في القطاع الاهلي تنطبق على العاملين في القطاع النفطي الامر الذي يعني السماح للعمال بتشكيل نقابات لهم.
وبعد أن تشكلت مجموعة من النقابات العمالية في بعض الوزارات والشركات النفطية، أصدرت الحكومة مرسوما بقانون رقم (15) لسنة 1979م في شأن الخدمة المدنية (أي بعد مرور 15 سنة من صدور قانون العمل)، وفي العام 1969 صدر القانون رقم (28) في شأن العمل في قطاع الأعمال النفطية.
وفسرت وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بدولة الكويت نص المادة القانونية الخاصة بحق العمال في تشكيل نقاباتهم العمالية في القطاعين الخاص والعام والمختلط بأن المقصود به العمال فقط، وبالتالي لا يجوز للموظفين في القطاع الحكومي تشكيل نقابات لهم، ولذلك توقف في ضوء هذا القرار تشكيل نقابات جديدة في القطاع الحكومي.
لم أحصل على مستندات لمعرفة قوتها القانونية، هل هي توجيهات أم قرارات أم تعاميم؟، وعليه اعتبرت الفقرة الخاصة بسريان حق التنظيم النقابي على العمال في القطاع الحكومي في قانون العمل الأهلي، مجمدة منذ ذلك التاريخ ولغاية أبريل 2003، تحت تبرير ذلك التفسير التعسفي للمادة القانونية الشبيه بالتفسير التعسفي لادارة الشئون القانونية في البحرين للمادة (10) من قانون النقابات العمالية، وهما التفسيران اللذان لم يأخذا عموم مواد واحكام بل وروح القانون في الاعتبار بل تعاملا مع المادة القانونية الواحدة تعاملا جامدا!!
وكان واضحا أن وزارة الشئون الاجتماعية والعمل في الكويت اتجهت نحو حظر ومنع التشكيل النقابي في القطاع الحكومي على رغم أن القانون لم ينص على ذلك صراحة، وبالتالي - ومثل حكومة البحرين - اتجهت نحو نقيض المبدأ الفقهي والتشريعي في أن الأصل في الأشياء الإباحة، وبما أن قانون العمل الأهلي ينص على سريان حق التشكيل النقابي على العمال في القطاع الحكومي، وأن القانون الخاص بالخدمة المدنية لا يشير إلى ذلك ولا يمنعه، فإن المنطق والمطلوب هو السماح والإباحة وحرية العمال في القطاع الحكومي في تشكيل نقاباتهم ضمن التفسير الايجابي لمعنى العاملين الذي يندرج تحته العمال والموظفون على حد سواء.
ولأنها - أي الحكومة الكويتية - لم تراعي في خطوتها هذه رؤية الحركة العمالية والنقابية الكويتية أو مدى انسجامها مع اتفاقات منظمة العمل الدولية، وخصوصا الاتفاق الدولي رقم (87) لسنة 1948 بشأن حق التنظيم النقابي من دون تمييز بين العمال، فإن الحكومة واجهت شكاوى من قبل المنظمات النقابية العالمية في المؤتمرات الخاصة بمنظمة العمل الدولية من انها مارست التمييز في الحق النقابي بين العمال عموما (الأجانب والمواطنين) والعمال في القطاعين الحكومي والخاص على وجه الخصوص.
واستمرت هذه المشكلة التي شوهت التجربة النقابية العمالية الرائدة في الكويت والتي كانت الوحيدة قياسا بجميع دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الماضية، والمتميزة والنموذج الذي كان يحتدى به من قبل العمال وتنظيماتهم السرية في باقي دول الخليج.
وواضح أن صدور القانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم (38) لسنة 1964م الصادر في أبريل 2003م، لم يكن سوى تراجع إيجابي لصالح الحركة النقابية الكويتية وانتصار لها، واعتراف بخطأ التوجه أو الإجراء أو القرار الصادر في هذا الشأن والذي جمد الفقرة الخاصة بسريان أحكام حق التشكيل النقابي في القطاع الحكومي من قانون العمل في القطاع الأهلي، إذ نص التعديل على أن أحكام الباب الثالث عشر من قانون العمل الخاص بالمنظمات العمالية تسري على الموظفين والعاملين في القطاعين الحكومي والنفطي، وأشارت المذكرة الإيضاحية لهذا التعديل إلى أن الحكومة أقدمت على ذلك لمسايرة التغييرات في شتى الميادين الاجتماعية والثقافية، ولمسايرة أحكام الاتفاقات الدولية المتعلقة بالعمل وخصوصا الاتفاق رقم (87) لسنة 1948م بشأن الحرية النقابية وكفالة الحق النقابي.
هل التاريخ يكرر نفسه؟
هل المطلوب من حكومة مملكة البحرين أن تكرر التجربة الكويتية وتدخلنا في متاهة الشكاوى وعدم انسجام إجراءاتها مع الدستور والميثاق والاتفاقات الدولية الخاصة بحق التنظيم النقابي لجميع العمال من دون تمييز، بل وعدم انسجامها مع توجيهات جلالة ملك البلاد الذي اكد للعمال في لقائه الاتحاد العام لعمال البحرين ان قانون النقابات العمالية لا يميز بين العاملين في القطاعين؟، أم على الحكومة أن تستفيد من تجارب وأخطاء الغير وتحرق هذه المراحل التي ستضطر الحركة النقابية البحرينية إلى تنفيذها والمرور بها، وبدعم المنظمات النقابية العربية والدولية لها، إلى حين تصل المسألة بعد ضغط وإجبار دوليين، فضلا عن التذمر والرفض العمالي المحلي، إلى التراجع والسماح للعمال في القطاع الحكومي بحق تشكيل نقاباتهم.
فالتعميم الصادر عن الخدمة المدنية هو ذاته في مضمونه شبيه بالقرار الصادر عن وزارة العمل في الكويت بتجميد الفقرة الخاصة بسريان أحكام القانون الخاصة بحق التنظيم النقابي على العمال في القطاع الحكومي.
وهو تعميم يتبنى الرأي القانوني المنحاز صوب زيادة حظر الأشياء غير الواردة بشأنها نصوص قانونية مانعة، وهو رأي منحاز أيضا للتعامل الصنمي مع النص القانوني من دون ربط مضمونه بالمبادئ والقيم والحقوق الكبرى التي أقرتها الأديان السماوية والمواثيق والاتفاقات الدولية وميثاق العمل والدستور، وأهمها قيم المساواة وعدم التمييز بين المواطنين في الحقوق ومنها حق التنظيم النقابي الذي أقره الميثاق والدستور مع الإشارة الواضحة إلى عدم التمييز بين المواطنين في هذا الشأن، فالمادة الرابعة من الدستور - وهي من المواد الخاصة بالمقومات الأساسية للمجتمع - تنص على المساواة والحرية والطمأنينة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وحق التشكيل النقابي يندرج ضمن هذه الدعوات التي نصت المادة على أهمية أن تقوم الدولة بكفالتها لا بتدميرها أو ضعضعتها كما ورد في تعميم الخدمة المدنية، والمادة (18) تؤكد سواسية الناس أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، وبالتالي مساواة العاملين في الحق النقابي من دون تمييز بينهم، والمادة (27) أباحت حرية تكوين النقابات من دون أن تحدد حظرها عن أية فئة من العمال، وهو رأي قانوني منحاز كذلك صوب إغفال مضمون باقي المواد القانونية في مرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002م بشأن النقابات العمالية، إذ تعطي هذه المواد حق العمال في القطاع الحكومي في تشكيل نقاباتهم وتساويهم مع اخوتهم العمال في القطاع الخاص في الحقوق والواجبات، منها المادة (2) التي نصت على أن أحكام هذا القانون تسري على العاملين المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية، ومنها حظر الإضراب في بعض القطاعات الحساسة في المجتمع، وكأن لسان حال القانون يقول إن النقابات في هذه القطاعات الحكومية (الأمن، الدفاع المدني، الموانئ، المستشفيات، الكهرباء، الماء) مباحة ولكن حق الإضراب غير مباح فيها. وأخيرا فإن هذا الرأي القانوني أهمل جملة من المواثيق والاتفاقات الدولية التي تؤكد عدم التمييز بين المواطنين، كميثاق حقوق الإنسان أو اتفاقات منظمة العمل الدولية، ومنها الاتفاقيتان (87) (98)، وإعلان منظمة العمل الدولية الذي أكد في مبدئه الأول حق التنظيم النقابي لجميع العمال من دون تمييز، وصوتت مملكة البحرين على هذا الإعلان بجانب أنها عضوة في هذه المنظمة وملزمة بدستورها وبإعلان فيلادلفيا وباحترام مبادئها وإعلاناتها وعلى رأسها مبدأ حق التنظيم النقابي لجميع العمال من دون تمييز في مجتمع يطمح إلى أن تتحقق فيه قيم الحق والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية، ولذلك فإن هذه المقومات كافة التي تتناقض روحها ونصها مع مضمون تعميم الخدمة المدنية، سالف الذكر، ستدفع مؤسسات المجتمع المحلية وكذلك المنظمات الحقوقية والنقابية العالمية والعربية نحو رفضه والإصرار على التراجع عنه والضغط من أجل إسقاطه، وستبذل الجهود وتفقد الطاقات وتضيع الأوقات الثمينة لهذه المؤسسات ولأجهزة الحكومة ذات العلاقة، وتمر السنون قد تكون قصيرة أو طويلة ولكن في المحصلة النهائية ستضطر الحكومة إلى التراجع أمام تراكم الضغط وتبيان الصح والحقيقة، كما تراجعت حكومة الكويت بعد هذه السنوات الطويلة، فلنتعلم من التاريخ ولا نكرر أخطاءه ونضيع هذه الجهود والطاقات والأوقات لنبدأ بعد سنوات من نقطة الصفر، ولنتراجع عن الأخطاء فورا ولنتصالح مجتمعيا من أجل أن يتفرغ الجميع - كما تدعو الحكومة - لبناء المجتمع تنمويا وإنسانيا. فهل تبادر الحكومة إلى اصدار تعميم اداري جديد يلغى بموجبه التعميم الاداري غير القانوني وغير العادل في تفسيراته لحق العمال والموظفين في تشكيل نقاباتهم العمالية من دون تمييز؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 306 - الثلثاء 08 يوليو 2003م الموافق 08 جمادى الأولى 1424هـ