أعلنت ايران رسميا نجاح تجربتها النهائية على صاروخ ارض - ارض من جيل «شهاب - 3» الذي يبلغ مداه 1300 كلم.
جاء إعلان التجربة في وقت وصل فيه ممثل الوكالة الدولية للطاقة محمد البرادعي الى العاصمة الايرانية وفي جو دولي ضاغط على طهران. فالولايات المتحدة اطلقت سلسلة تصريحات من مسئولين في البيت الابيض و«البنتاغون» تطالب الجمهورية الاسلامية بوقف برنامجها النووي أو فتح مؤسساتها امام فرق التفتيش الدولية. وأوروبا أيدت الى حد كبير الموقف الاميركي وهددت ايران بوقف توقيع البروتوكول التجاري اذا لم تتجاوب طهران مع الضغوط وتوقع بدورها البروتوكول الاضافي الذي يسمح لهيئة الطاقة الذرية بالتفتيش من دون اذن مسبق.
ايران ترددت واعتبرت التهديدات الاميركية، والضغوط الاوروبية، وطلبات «هيئة الطاقة الذرية» عمليات تدخل في شئونها الخاصة وانتقاصا من حريتها وسيادتها.
المفاجأة كانت من الجانب الروسي اذ اظهر المزيد من الانحياز للموقف الاوروبي وتمنى على طهران عدم اعطاء ذريعة للولايات المتحدة بممارسة ضغوطها الرامية إلى ضرب البرنامج النووي ومنع ايران من انتاج «الطاقة البديلة» التي هي بحاجة اليها في العقود المقبلة.
ايران الآن في وضع صعب. فالقوات الاميركية تطوقها شرقا من افغانستان وباكستان، وغربا من العراق وتركيا، وشمالا من اذربيجان، وجنوبا من مياه الخليج (الاسطول الخامس).
إلى ذلك هناك العامل الاسرائيلي وهو طرف ضاغط على ايران يدفع ويحرض الادارة الاميركية على المزيد من التطرف مستخدما «اللوبيات» في واشنطن وعلاقاته الخاصة والمميزة مع الولايات المتحدة.
«اسرائيل» هي الجانب الخطر في معادلة «الشرق الاوسط» وبحكم موقعها تلعب دائما دور المحرض على كل الدول العربية والاسلامية التي تملك عناصر القوة (البشرية) أو الثروة (الطاقة) وتخالف اتجاهات الهيمنة الاسرائيلية (الصهيونية) على المنطقة.
فالدولة العبرية، بالباطل ومن طريق استخدام صداقاتها ونفوذها، تريد تمرير اهدافها الخاصة بواسطة قوى خارجية (دولية) مستفيدة من حال «الهياج الايديولوجي» التي تعصف بإدارة جورج بوش وتدفعها نحو التطرف والاستمرار في المعارك تحت مظلة استراتيجية «الحروب الدائمة». وبسبب التحريض الاسرائيلي الثابت تلجأ تل ابيب إلى اثارة الانتباه إلى ما تراه يشكل تهديدا لأمنها أو لنفوذها الكبير ونمو سيطرتها الاحادية العسكرية في دائرة لا يسمح لأحد غيرها باحتلال السلاح النووي والصواريخ.
العامل الاسرائيلي مسألة مهمة في سياسات الولايات المتحدة في دائرة «الشرق الاوسط». والدولة العبرية تعتبر في هذا المجال الطرف المباشر في عملية التحريض الدائم ضد خصومها وتحديدا منظمة التحرير الفلسطينية وسورية وحزب الله في لبنان والعراق (قبل الحرب عليه) والآن جاء دور ايران. حتى باكستان لعبت «اسرائيل» دور المحرض المباشر عليها وعلى برنامجها الصاروخي والنووي مع ان أولويات مشكلات اسلام آباد هي مع نيودلهي وليست ضد تل ابيب.
ايران من الناحية القانونية والشرعية الدولية تملك كل الحق في امتلاك برنامج «الطاقة البديلة» وبناء مشروعها الصاروخي المستقل. كذلك تملك طهران كل الحق في الدفاع عن مصالحها وسيادتها ضد الخطر الاسرائيلي وخصوصا أن تل ابيب «العاصمة» الوحيدة في «الشرق الاوسط» تخزن الصواريخ البعيدة المدى والقنابل النووية ولا تسمح لفرق التفتيش بزيارة مؤسساتها وترفض توقيع معاهدات الحد من انتشار «اسلحة الدمار الشامل».
ايران في هذا المعنى القانوني لها الحق الكامل في مطالبة «المجتمع الدولي» بالمعاملة بالمثل. فهي من وجهة نظر الشرعية الدولية تريد من «هيئة الطاقة» واوروبا والولايات المتحدة ان تعامل «اسرائيل» كما تتعامل مع كل الدول في دائرتي «الشرق الاوسط» والخليج من دون تمييز عنصري أو سياسي بين دولة واخرى.
المعاملة بالمثل حق شرعي ومشروع دوليا وهذا بالضبط ما طالبت به سورية حين اقترحت على الأمم المتحدة توقيع اتفاق مشترك يشمل كل دول المنطقة من دون تفرقة عنصرية وسياسية. والآن تطالب ايران بالحق نفسه وهو عدم التمييز العنصري والتفرقة العرقية والدينية بين دول المنطقة وعدم التعاطي مع «اسرائيل» بصفتها دولة غير عادية ولا يجوز المساس بها خوفا من تهمة «اللاسامية» أو لحسابات خاصة لها صلة باللوبيات الصهيونية وتأثيرها على الناخب الاميركي.
هذه الانتهازية السياسية التي تلعب «اسرائيل» على اوتارها ونغماتها باتت تثير الكثير من الشكوك في «عدالة» المواقف الاميركية. كذلك تبدو واشنطن غير مهتمة كثيرا بميزان عدالتها وخصوصا حين قررت اعتبار تل ابيب حليفها ضد «الارهاب» والدول العربية مجرد ملاجئ أو مصانع تفرخ العناصر الارهابية.
هذا التمييز السياسي يعكس في جوهره سلسلة حلقات تقوم على فكرة التفرقة العنصرية - الدينية، وهي كما يبدو، مجموعة اجتهادات بلورتها «كتلة الشر» الحاكمة الآن في «البنتاغون» وتدفع باتجاه المزيد من الضغط على الدول العربية وكسر إرادة مختلف القوى الاقليمية وتغيير النظام العربي ومحيطه الجغرافي - السياسي لمصلحة استراتيجية تستفيد منها «اسرائيل» بطريقة غير مباشرة.
«اسرائيل» عامل ضاغط وخطير لأنها تلعب دور المحرض على الدول العربية والاسلامية حتى تبقى الطرف الوحيد القوي والقادر على فعل ما يريد من دون رقابة دولية. وبسبب هذا العامل الاسرائيلي المراوغ والمخادع على طهران ان تنتبه إلى خطورة الضغوط الاميركية والالحاح الاوروبي والمخاوف الروسية من استمرار ايران في بناء برنامجها النووي من دون تفاهم مع «هيئة الطاقة الدولية».
اعلان ايران تجربة الصاروخ «شهاب - 3» زاد من تعقيدات المشكلة وأعطى «اسرائيل» المزيد من الاوراق لاعادة التذكير بدورها التحريضي على طهران بذرائع شتى لا صلة لها بالكلام الذي تقوله عن مخاوفها الامنية بقدر ما له صلة بمشروعها الخاص الذي ينمو ويستقل بقدر ما تضطهد اميركا الدول العربية والاسلامية.
الحل الوحيد (الشرعي والقانوني) للخروج من سياسة التفرقة الدينية - العنصرية التي باتت تسيطر على الادارة الاميركية ومنها على الاتحاد الاوروبي والمؤسسات الدولية هو اعادة فتح موضوع «اسلحة الدمار الشامل» في اطار الامم المتحدة ودعوة الجمعية العامة إلى الانعقاد لاثارة مسألة اجبار «اسرائيل»، على توقيع المعاهدات المتعلقة بهذا الشأن والتفاعل معها كدولة عادية وكما يُتعامل مع الدول الاخرى في دائرتي «الشرق الاوسط» والخليج
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 306 - الثلثاء 08 يوليو 2003م الموافق 08 جمادى الأولى 1424هـ