العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ

هل يعيد جلالة الملك صرخة الرئيس بومبيدو؟

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

عندما سألني أحد الصحافيين في المحكمة التي انعقدت لمحاكمة «الوسط» لماذا تجشمت عناء الحضور على رغم أن إعاقتك لا تسمح لك بالمشي أكثر من 30 قدما من غير الكرسي المتحرك؟

قلت: أيهما أهم في نظرك إبقاء ساقي من دون بترها أم إبقاء الحرية؟ أيهما أهم إبقاء ساق المواطن أم حريته؟

أنا لم أتجشم عناء المشي كل هذه المسافة مخالفا طبيبي في ضرورة عدم السير من غير الجلوس على الكرسي المتحرك وكان الأجدر أن تقول لي هل نمت ليلة أمس؟ فالأهم من هذا وذاك أنني لم أنم جيدا ليلتها إذ حضرت قرابة السابعة والنصف صباحا لكن ما أخرني أكثر من نصف ساعة أنني لم أحصل مكانا لسيارتي وخصوصا أنني كنت أبحث عن أقرب موقف يمكن الدخول منه إلى قاعة المحكمة لأنني لم أكن اتخيل الصحافة في قفص الاتهام، كنت أتخيل العشرات واقفين معي في قفص الاتهام لأن الحرية هي التي كانت تحاكَم في ذلك اليوم، وحين تحاكم الحرية، وحين توضع القيود في يدها فذلك يعني أن القيود توضع في يد شعب بأكمله، وتغلق أفواه شعب بأكمله.

عندما تولى جلالة الملك سدة الحكم أعلن عن مشروعاته الإصلاحية فالتقت الإرادتان الإرادة الشعبية والرسمية للقيادة الجديدة برئاسة جلالة الملك بأن الجميع يجب أن يشارك في بناء هذا الوطن من خلال علاقة الود والمحبة، ووضع يد المواطن بيد الحاكم ومن منطق اللُطف لا من منطق العُنف، وكأن عربون هذا الاتفاق هو إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين والسماح بعودة المنفيين، ثم تلت لبنة بدء بناء الثقة لبنات أخرى وكأن أثمانها كلها عودة حرية الحوار والنقد والشفافية فهذه هي التي أصبحت الواجهة الجميلة لهذا الوطن.

وتمكن جلالته خلال فترة وجيزة من تحويل كل علاقات العداء والترقب والشك إلى علاقة محبة حميمية وغزل متبادل وثقة بين الطرفين.

وسارت الدولة على أفضل ما يرام وأصبحت آليات الديمقراطية على رغم عدم استكمالها بالشكل المطلوب تنبت وتخضر يوما بعد يوم، وبدأت تستكمل شروطها من ظهور جمعيات المجتمع المدني ذات الوجهة السياسية وحرية النقابات والاعتصامات والاحتجاجات من دون خوف، وكان الكثيرون في دول المنطقة ينظرون إلينا بشيء من الغبطة، وجاءت شهادات السياسيين والمثقفين من دول المنطقة من أمثال النائب العريق السابق بمجلس الأمة الكويتي أحمد الخطيب وكذلك النائب عبدالله النيباري وزملائهما الذين زاروا البلاد والتقوا جلالته تؤكد أن البحرين حقيقة تسير في الاتجاه الصحيح، وأن جلالة الملك كان طبيبا ماهرا حين شخّص الداء بشكل دقيق وعرف الدواء المناسب.

وجاءت شهادة كل الشرفاء في العالم من أنصار حقوق الإنسان تصب في الاتجاه نفسه، وليس أدل على ذلك شهادة اللورد إيفبري الذي زار البحرين بعد أن منعه قانون أمن الدولة والسلطات الأمنية من السماح له بدخول البلاد فجاءنا هذه المره معززا مكرما جماهيريا ورسميا. وأعرب اللورد عن إعجابه الشديد بدخول البحرين على يد جلالته نادي بالديمقراطية وتناسى اللورد الإساءة الأولى التي جاءت بمنعه من زيارة البحرين بعد أن كان قد حدد موعد حضوره.

كل هذا وذاك جعل الأميركان ينظرون إلى القيادة البحرينية الجديدة برئاسة (أبوسلمان) على أنها سبقت ما كان مطلوبا منها ومن غيرها فجاءت على رأي المثل العربي القائل «بيدي لا بيد عمرو» كما يحدث هذه الأيام ومع عدد من البلدان العربية والإسلامية التي أصبحت لقمة سائغة للإعلام الأميركي اذ وُضعت على قائمة الآوية للإرهاب إن لم تتهم بالخالقة والداعمة له والمطالَبة بالحذو حذو البحرين وحذو إصلاحات ملكها الواعي بأهمية تحقيق المطالب العادلة لمواطنيه بفتح أبواب الديمقراطية وبإقامة دستور وبرلمان وانتخابات حرة ونزيهة وتوزيع أفضل للدخل والمال العام على المواطنين ووضع حد للهدر الذي يسبب الفقر والمجاعة والبطالة التي تشجع على بروز عناصر عنيفة تفضل الاستشهاد والموت على حياة من دون معنى ومن دون احترام ومن دون الحصول على حق المواطن في حياة حرة كريمة.

وكنت قد تحديت صحافيا يراهن على عودة الأوضاع السابقة كما كانت وأكثر، وكان يشير بذلك إلى قانون أمن الدولة واحتمالات عودته ولكن في ثوب جديد وتسميات ألطف عن اسمه السابق.

ولم أقتنع بكلامه وظننت أن مثل هذا التحدي ليس موجها لي ولأمثالي من بسطاء المعارضة بل للقيادة الجديدة كلها ما جعلني أختلف معه، وتسببت على نفسي فرفض قبولي في صحيفته التي كان قد توسط لي يومها أحد مستشاري جلالة الملك بعد أن رثى لحالي لبقائي عاطلا لأكثر من عشرين عاما.

لم أكن أتوقع أن يكون لكلامه هذه الصدقية لأنني كنت أعرف نوعيته وعلاقاته التي لا أود وصفها بالمشبوهة، فهذه التهمة صارت سهلة وجاهزة بعد صدور قانون المطبوعات الجديد الابن غير الشرعي للقانون السابق غير الشرعي الذي يصارع اليوم كل المثقفين والكتاب والعاملين في sالصحافة لإبطال مفعوله الذي يصبح وجوده كارثة على دماغ الجميع، وأرجو ألا يكون هذا قذفا أيضا، فإنني أنقل حقائق تقام من أجلها الندوات والمحاضرات ولا أقول كلاما باطلا من عندي.

ترى هل كان هذا المسئول في الصحافة على حق فعلا حين دخل التحدي وغامر بالرهان؟ وهل كان يعرف ما لا نعرفه نحن؟ وهل ما حدث منذ بدايات المسيرة الإصلاحية كان وهما مؤقتا؟ وهل كان المتشائمون على حق؟ وهل خسرنا الرهان نحن الكتاب المتفائلين؟

وما يحيرني أكثر أن يصدر قانون للصحافة بهذا الشكل في زمن القيادة الإصلاحية الجديدة وتحت سمعها وبصرها؟ وما يجعلني (أتفلق) على حد تعبير الاخوة المصريين أن يظهر قانون للمطبوعات بهذه الصورة في مرحلة المسيرة الإصلاحية حتى يجعلنا نستعيد المثل الشعبي المصري المعروف (يا فرحه ما تمت) بكسر الميم وشدها، وعدت لأجيب الصحافي الذي جاء يسألني في المحكمة: لماذا تجشمت عناء الحضور وأنت معوق في هذه الحالة؟ لهذه الأسباب كلها حضرت مبكرا، حضرت لأرى قفص الاتهام الذي سبق أن رأيته والذي يقف فيه رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري اليوم، لأرى هل هو القفص القديم لم يتحرك من مكانه؟ وهل هو كئيب كما كان؟ وهل يشم منه دم الحرية وهو تُسفك داخله وهل تم طلاؤه فقط لكن القفص هو... هو؟

سؤال كبير طرحته على نفسي وأنا أقرأ تقديم الكثير من العناصر النسائية الموقعة على العريضة واللواتي طالبن بحقوقهن بعد أن حضرت المحاكمة المؤجلة لرئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري ترى هل يعجب ما يحدث القيادة الجديدة؟

وهل لو سمع أحمد الخطيب وزملاؤه واللورد ايفبري وأمثاله ستواصل لجان وجمعيات حقوق الإنسان في العالم مباركتها للمسيرة، ويعتبرون ديمقراطيتنا حقيقية من دون أن يرفعوا حواجبهم دهشة لما يجري؟ وهل يوافق الأميركان على نظرية أن المرأة لا يحق لها أن تطالب بقانون الأحوال الشخصية لتنظيم أحوال الأسرة الذي بلغت ضحايا عدم وجوده آلاف النساء المطلقات وأطفالهن؟

لقد تركني الزميل الصحافي من دون أن يطرح سؤالا آخر خوفا من أن يأتي الجواب طويلا مثل جوابي على سؤاله الأول فيحتاج إلى إصدار كتاب بدل نشره في صفحة من الصحيفة.

ومازلت متفائلا على رغم كل ما يحدث ومازلت على ثقة بأن جلالة الملك يقول ما قاله الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو حين وُضعَ الكاتب الكبير جان بول سارتر في قفص الاتهام وتوقف الشعب الفرنسي عن التنفس ليرى ما يصدر من حكم عليه في محكمة بلاد الحريات، لقد حكمت المحكمة عليه بالسجن وحين عُرض الحكم على رئيس الجمهورية الفرنسية صرخ من قمة رأسه قائلا: «وهل من حق أحد أن يسجن الثقافة والحرية؟» هذه المرة سأراهن بكل ما معي وأنا على ثقة بأنني سأكسب الرهان بأن جلالة الملك سيطلق صرخة الرئيس الفرنسي آنذاك نفسها، بل ويضيف «إرموا بقانون المطبوعات الجديد في البحر مثلما رميت بقانون أمن الدولة من قبل»

العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً