الآن وقد انتهت الحملات الانتخابية الكويتية، وخفت ضجيجها، وأعلنت النتائج، واتضحت الصورة، فإن الوقت اصبح مناسبا للتأمل فيما جرى وفيما تعنيه هذه المجريات بالنسبة إلى واقع وتطور الديمقراطية الكويتية.
أول تأملات هذه الانتخابات هو ان الديمقراطية الكويتية - التي وصفها الكثيرون من المحللين بأنها عريقة - لم تكن كذلك، او انها لم تصل إلى مستوى العراقة على رغم بلوغها سن الاربعين، وهي فترة كافية لصقل التجربة وتحويلها من كونها تجربة إلى كونها ديمقراطية مكتملة المبادئ، وراسخة الجذور، وذات تأثير ايجابي في تغيير وتطوير مؤسسات الدولة.
غير ان الواقع يقول ان هذه الديمقراطية مازالت تعاني من الاخفاقات العميقة التي تشوه مسيرتها وانجازاتها، وتجعل منها ديمقراطية منقوصة، بل وأقل تقدما من الديمقراطيات الوليدة، ولعل أبرز هذه الاخفاقات ان الذين تمثلهم وشاركوا في انتخاباتها الاخيرة لا يتعدون 15 في المئة من مجمل الشعب الكويتي، وهي نسبة متدنية، ولا يمكن ان نصف المجلس المنتخب من هذه النسبة بأنه يمثل الشعب ويعبر عنه.
ويعود هذا التمثيل المحدود جدا إلى اصرار المجالس السابقة على حرمان المرأة من التمتع بحقوقها السياسية والمشاركة بالترشيح والانتخابات، وهو ما يعني حرمان نصف الشعب من التمثيل في مجلس الامة، كما انه يعني انتقاصا كبيرا للديمقراطية الحقيقية، والتي يفترض انها تكتمل وتتجذر وتصبح اكثر شمولية بمرور السنوات، إلا أن نتائج الانتخابات الاخيرة تدل على ان المرأة ستحظى بهذا الحرمان في السنوات الأربع المقبلة أيضا... ومن هذه الاخفاقات ايضا البروز القوي لظاهرة شراء الاصوات، وارتفاع سعر الصوت إلى مستوى لم يبلغه من قبل وهو خمسة آلاف دينار، ما يعطينا مؤشرا اننا لانزال نعيش ديمقراطية منفعة شخصية، وليست ديمقراطية المصلحة العامة، وان هدف الذين شاركوا في الانتخابات ببيع اصواتهم هو خدمة أنفسهم، وكذلك الحال مع المترشحين الذين وصلوا إلى المجلس من خلال شراء الاصوات. والإخفاق الثالث هو بقاء تحكم القبلية في التأثير على الانتخابات، سواء من خلال الانتخابات الفرعية للقبائل، أو من خلال انصياع أبناء القبيلة لقرار واختيار زعمائها لمن يمثل القبيلة من أبناء القبيلة، وهو اختيار مناقض للكفاءة وللعمل من أجل مصلحة شعب الكويت بأكمله.
فإذا أضفنا إلى ذلك وجود نواب الخدمات، ونواب الطائفة، فإننا سنجد ان الديمقراطية الكويتية اما انها لاتزال ناقصة كثيرا، او انها شاخت وأصيبت بالترهل، الأمر الذي أصبحت بحاجة إلى التطوير الجذري، وهو ما لا يؤمل إن أتى به المجلس الجديد
العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ