العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ

إفريقيا... المسرح الأميركي الرابع!

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

حتى الآن، تمدّدت أميركا عسكريا على مسرحين مهمين لها في حربها على الارهاب. فإلى جانب المسرح الاميركي في الداخل، هناك المسرح الافغاني، إذ يوجد اكثر من 10000 جندي أميركي، وبعض الحلفاء. كذلك الامر، هناك المسرح العراقي المقلق، إذ يوجد حوالي 150000 جندي أميركي. في الوقت نفسه، يوجد أميركا بصورة خجولة في الكثير من الاماكن. لها قوّات في الفلبين، الكويت، الامارات، اليمن، السعودية. هذا عدا القوّات العائمة على حاملات الطائرات.

ما الجديد في السلوك الاميركي؟

الجديد في السلوك الاميركي يتمثل في الاهتمام الاميركي بالقارة السوداء. ويمكننا القول إن القارة الافريقية ستكون المسرح الرابع للاهتمام الاميركي، وذلك انطلاقا من الامور التالية:

- تقوم نظرة الاميركيين، وخصوصا الادارة الحالية للعالم على الامور التالية:

- تصدَّر الأمن بشكل عام سلَّم الاولويات لدى الادارة الحالية، وتراجع المفهوم الاقتصادي والذي ارساه الرئيس كلينتون، والذي كان قائما على «انه الاقتصاد ايها الغبي». وقد يعني هذا الامر، عودة النظرية الواقعية لاخذ مكان النظرية المثالية في العلاقات الدولية. اذا استعادت النظريات الجيوبوليتكية مكانتها المتقدمة.

- على أميركا، وبسبب قدراتها الهائلة، والتي لا يمكن مواجهتها من أحد على الساحة العالمية. وبسبب سيطرة المحافظين الجدد على عملية اتخاذ القرار في الادارة الحالية. ترى الادارة الحالية، أن المناسبة ملائمة لتثبيت الهيمنة على العالم، ومأسستها في نفس الوقت. تعمل الادارة الحالية على هذا الامر وبنفس هجومي على تنفيذ هذا الامر.

- يتمثل الهاجس الاميركي في محاربة الارهاب. وبعدم السماح بوقوع حادث مماثل لـ 11 سبتمبر/ايلول، على الارض الاميركية. ويتمثل الهاجس الاكبر للاميركيين، في مزاوجة الهدف الارهابي، مع أسلحة الدمار الشامل، واستعمال هذه المزاوجة لضرب أميركا في الداخل. انطلاقا من هذا الهاجس، لا يمكن لاميركا أن تنتظر أن يتكوّن هذا الخطر، ليضرب، فترد هي كما تعوّدت. فالامر أصبح يتناول سرّ وجود أميركا، والحرب عليها هي حرب وجود. انطلاقا من هنا، اعتمدت الادارة الحالية استراتيجية الضربات الاستباقية.

- اعتمدت اميركا في استراتيجيتها لضرب الارهاب على ما يلي:

ضرب القيادة والسيطرة لهذا الارهاب، وذلك بالطبع بعد تجميع المعلومات اللازمة. منع التمويل المالي لهذا الارهاب كي لا يستمر. وأخيرا وليس آخرا، منع هذا العدو، وحرمانه من الملاذ الآمن، على غرار ما كان حاصلا في افغانستان. انطلاقا من هذا الامر، يرى الرئيس بوش وادارته، أن الدول الساقطة Failed States تشكل الملاذ الآمن المثالي، للارهاب الذي تقاتله أميركا. وبسبب عدم امكانية الانتظار، كي يتكوّن هذا الخطر ضدها. تتقدم اميركا لاخذ المبادرة وحرمان هذا الارهاب من تحقيق اهدافه.

أين افريقيا من كل ما ورد أعلاه؟

- إذا ما اعتبرنا ان الشرق الاوسط، يشكل المركز الرئيسي للاهتمام الامني الاميركي. وان منطقة الخليج، هي أهم منطقة نفطية في العالم حتى الآن، وهي مهمة جدا للمصالح الاميركية. واذا ما اعتبرنا أن الشرق الاوسط، ضمنا منطقة الخليج، هما منطقتان متهمتان بالارهاب، بتمويله، تصديره وايوائه. وان هاتين المنطقتين، ليستا معزولتين عن محيطهما المباشر والبعيد. وانه يمكن لهذا الارهاب ان يتواصل ويمتد. تبدو افريقيا المجال الاساسي لهذا الارهاب كي يمتد، ويستمر. هذا عدا، ان لاميركا تجربة سوداء مع هذه القارة السوداء فيما يخص الارهاب. فالسودان كان سابقا الملاذ الآمن لبن لادن. والارهاب استهدف ايضا السفارتين الاميركيتين في كل من كينيا، وتنزانيا العام 1998، إذ قتل اكثر من 250 شخصا. هذا عدا علاقة الارهاب، وخاصة القاعدة بالاعتداءات التي حصلت في كل من، المغرب، تونس وغيرهما من دول افريقيا. هذا عدا الاعمال الغير شرعية والتي تدور ضمن وحوالي القارة السوداء. فالقارة اصبحت ممرا لتهريب السلاح والمخدرات، هذا عدا استفحال مرض السيدا والذي يفتك بمستقبلها. وقد قال قائد القيادة الاوروبية EUCOM، الجنرال الاميركي جيمس جونز تعليقا على هذا الوضع: «في حربنا على الارهاب، سنلاحق هذا الارهاب حيثما وجد... إن وجودنا وسيطرتنا على المتوسط، جعلت افريقيا الممر الاجباري لهذه العمليات الغير شرعية... لا نريد أن نرى في افريقيا افغانستان أخرى، سرطان ينمو من لا شيئ...».

أين هي ليبيريا من هذا الامر؟

- ليبيريا صنيعة الولايات المتحدة الاميركية منذ اكثر من 150 عاما. فهي قد أنشئت من قبل العبيد المحررين والذين أرسلوا إلى بلدهم الام. العاصمة مونروفيا، هي على اسم الرئيس مونرو. والمرفأ الاهم، هو كما اسم الرئيس بيوكانون. هي دولة غنية بالحديد، الكاوتشوك والالماس. تدور فيها الحرب الاهلية بشكل دامٍ جدا. يقاتل فيها جيش من الاطفال. فحسب اليونيسيف، ان 10 في المئة من الـ 60000 مقاتل عند كل الفرقاء، هم دون الـ 15 سنة، و20 في المئة هم ما بين الـ 15 - 17 سنة. تخاف اميركا من امتداد هذه الحرب للدول المجاورة. فانكلترا دخلت إلى سيراليون لضبط الوضع، وفرنسا دخلت إلى شاطئ العاج لنفس الغرض. لم تنفع الحلول الاقليمية الافريقية لانهاء الصراع في منروفيا. هناك ضغوط على اميركا للتدخل وضبط الوضع في ليبيريا. فرنسا تطالب، انكلترا والامم المتحدة. في هذا الاطار، ترى أميركا نفسها ملزمة بالتدخل. فالمعارضون لتدخلها في العراق، يطالبونها الآن بالذهاب إلى ليبيريا. وهي غير قادرة على الرفض، لانها ستبدو وكانها فعلا متفردة بقراراتها، في الوقت الذي تسعى فيه لشرعنة وجودها في العراق. أميركا بحاجة ماسة الآن لفرصة لتبييض صفحتها، خاصة وأنها تعاني من عدم استقرار في العراق. وهي تحاول تجاهل ما ورد على لسان الرئيس السابق صدام حسين في خطابه الاذاعي الاخير. فبعد هذا الخطاب، يمكننا القول أن صورة المقاومة العراقية بدأت بالتشكل. فقد عُرف القائد، والتنظيم ناشط حتى الآن. والرئيس العراقي السابق يطلب من الشعب العراقي حماية المقاومة، تأمين الملاذ الآمن لها، وعدم توفير المعلومات للعدو الاميركي عن هذه المقاومة. لكن الامر يبقى في تجاوب الشعب العراقي مع طلب الرئيس صدام، خاصة وان تاريخ حكمه لهذا الشعب لا يجعلنا نتفاءل.

لا يمكن لنا تفسير وتحليل القرار الاميركي بالذهاب إلى ليبيريا، الا من خلال فهم صورة الاستراتيجية الاميركية في كل القارة السوداء. فالرئيس الاميركي هو على قاب قوسين من زيارة خمس دول في القارة دفعة واحدة. وهو كان قد اقر المساعدات الغذائية لاثيوبيا. كما اقر 100مليون دولار للحرب على الارهاب في القارة، خاصة في تحسين مستوى أمن المرافئ فيها. كما يحاول أخذ موافقة الكونغرس الاميركي لتخصيص حوالي 15 مليار دولار اميركي، لمحاربة مرض الايدز في كل من افريقيا ودول البحر الكاريبي. كذلك الامر، لا يمكن لنا تجاهل تزايد التواجد العسكري الاميركي في القارة السوداء. فالقوات الخاصة موجودة في جيبوتي (حتى الآن 1500 جندي)، وهي جاهزة للتدخل في كل من الخليج وفي افريقيا. كذلك الامر، يحاول البنتاغون التفاوض مع العديد من الدول الافريقية للحصول على خدماتها وتسهيلاتها العسكرية. مالي والجزائر هما من الدول المرشحة. كذلك الامر، كان البنتاغون سابقا قد بدا التفاوض مع كل من، غانا، سنيغال، الغابون، ناميبيا، اوغندا وزامبيا للحصول على تسهيلات عسكرية. اذا الموضوع، هو ابعد من ارضاء فرنسا، اتكلترا والامم المتحدة، للذهاب إلى ليبيريا. الموضوع، هو موضوع استراتيجية اكبر من الحرب الاهلية الليبيرية. لذلك ومن خلال نظرة سريعة على خريطة زيارة الرئيس بوش للقارة يمكننا ملاحظة ما يلي:

- ان الدول المقصودة هي دول قريبة في أنظمتها من المفاهيم الديمقراطية.

- هي دول مستقرة نسبيا، ولديها الكثير من الثروات خاصة النفطية.

- هي دول تتواجد جغرافيا في مناطق مهمة استراتيجيا على صعيد القارة. في الوسط، اوغندا، في الغرب، كل من نيجيريا والسينغال، في الجنوب، كل من بوتسوانا، وجنوبي افريقي.

- ان الزيارة ستساعد أميركا حتما على الاستعلام الدقيق عن النشاطات الارهابية، خاصة فيما خص القاعدة، وستساعد هذه الزيارة على حرمان هذا الارهاب من ملاذه الآمن، ومن تمويله والذي يُعتقد أن قسما كبيرا منه، كان يأتي من تجارة الالماس وغيره من الثروات.

أذا في الختام، تزيد أميركا مسرحا جديدا للمسارح التي كنا قد ذكرناها. وهي تحاول ترتيب المسرح الجديد، عبر خلق دول - محاور (زبائن) تكون صديقة ومستعدة للتعاون. وفي حال النجاح مع هذه الدول - الزبائن، تعمد اميركا إلى مد نفوذها في محيط هذه الدول الصديقة، لتتسع الدوائر الآمنة والحليفة لها في القارة السوداء. لذلك يبدو ان ما نشهده الآن تجاه القارة السوداء، هو ليس سوى مؤشر بسيط للمرحلة الاولى من الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الاميركية. لكن النجاح الاميركي يرتبط مباشرة بما يجري في العراق، وبمدى الاستعداد الاميركي لصرف المزيد من الجهود، الاموال والارواح. وبمدى جدية القرار السياسي الداخلي. هذا مع التذكير انه على الامم الكبرى، واذا ما ارادت الاستمرار في المحافظة على القمة، ان تكون مستعدة لتحمل الاعباء. علمنا التاريخ ان المحافظة على القمة، هو من الامور المستحيلة، فهل ستكون اميركا الاستثناء؟ مع الرئيس جورج دبليو بوش، لا يمكن الجزم

العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً