العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ

قضايا معاصرة في المجتمع البحريني

عن كتاب محمد صالح كمشكي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يعج المجتمع البحريني بحيوية فائقة ولعل ذلك مرجعه جملة من الاعتبارات:

الأول: إنه من أقدم المجتمعات الخليجية في التعليم والانفتاح السياسي والثقافي على العالم الخارجي.

الثاني: إنه يمثل محصلة تفاعل عدة ثقافات من القديمة جدا مثل حضارة دلمون إلى الحضارات الإغريقية والرومانية والفارسية والإسلام ثم حضارات المجتمع الحديث.

الثالث: إن الشعب البحريني عبارة عن موزاميك عرقي وديني ومذهبي. فعلى رغم صغر الدولة مساحة وسكانا فإن المرء يجد بها مختلف المذاهب والأديان والعقائد والاتجاهات السياسية حتى انه يخيل لمن يتابع التطورات أنه في دولة كبرى مساحة وسكانا.

الرابع: إن عملية الإصلاح والانفتاح السياسي والديمقراطي والاقتصادي التي أطلقها عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى ساعدت على مزيد من الانتعاش الفكري والتحاور المستمر بين مختلف الاتجاهات.

الخامس: إنه مع ذلك كله فإن البحرين كدولة وكمجتمع لاتزال تحافظ على تقاليد مرحلة ما قبل الثورة الصناعية حيث سيولة الحراك الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي بين الأفراد من خلال ما يسمى بـ «المجالس» وهي مثل الصالونات الثقافية التي هي مشهورة في مصر أو الصالونات السياسية حيث كان يلتقي الشعب مع القادة السياسيين، أو الديوانيات كما هو سائد في الكويت، أو بعض دول الخليج الأخرى. وفي هذه المجالس يخصص كبار الشخصيات أياما معينة لهم يمكن الالتقاء بهم بسهولة وأحيانا تُدعى بعض الشخصيات الفكرية لإلقاء محاضرة أو التحدث في موضوع ويدور نقاش حر بين الجالسين أو الحاضرين وهذا أقرب إلى تقاليد القرية المصرية.

تلك بعض السمات التي تجعل من مملكة البحرين مجتمعا ودولة من نوع خاص له نكهته المميزة وسماته المتميزة. فعلى سبيل المثال فإنه مع توتر المناخ السياسي في «الشرق الأوسط» اتصالا بقضية فلسطين أو بغزو الولايات المتحدة للعراق لم تشهد أية عاصمة خليجية تظاهرات سياسية حرة مثلما حدث في البحرين. والمثقفون والنشطاء السياسيون والحقوقيون يعملون بدأب يُحسدون عليه في مثل هذا البلد وفي بلاد الخليج عموما.

من هنا كله يأتي كتاب محمد صالح كمشكي «قضايا معاصرة في المجتمع البحريني» نموذجا فريدا من تفاعل المثقف مع هموم مجتمعه وشعبه بل يكاد يكون تفاعلا مع هموم الأمة العربية كلها بلا مبالغة. ولو استعرضنا العناوين الرئيسية للكتاب لاكتشفنا على الفور صدقية هذه المقولة. فالفصل الأول يتحدث عن «البحث العلمي وواقع اتخاذ القرار» فيتناول علاقة مراكز الأبحاث بعملية اتخاذ القرار ويحلل نوعية القرارات. والفصل الثاني يعرض لأخطر قضية اقتصادية واجتماعية وهي «سوق العمل ومشكلة البطالة» ويبرز ضرورة إيجاد حلول جذرية لها ويستعرض سوق العمل في البحرين منذ السبعينات وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين وتأثير العمالة الأجنبية ودورها ويبرز أهمية استخدام معيار «التكلفة/ الفائدة» بالنسبة إلى العمالة في الشركات وإدارة الحكومة بل ضرورة مراعاة ذلك في المجتمع ككل. والفصل الثالث: يعالج قضية الحد الأدنى للأجور وأثر ذلك على الإنتاج وعلى وضع العمالة الوطنية والأجنبية، ويشير إلى ضرورة أخذ موقف عقلاني من هذه القضية وينتقد وضع قطاع خدمات المواصلات العامة ويبرز التناقض بين الأسعار للسلع والخدمات وبين أجور العاملين.

ويتناول الفصل الرابع قضية الشباب في العهد الجديد في اعتبارها إحدى أوجه الاهتمام بالموارد البشرية، وخصوصا أن هذه الموارد محدودة في المجتمع الخليجي، ويدعو إلى مشاركة الشباب في اتخاذ القرار في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، وهذا يستلزم سياسة شبابية ذات بعد تنموي وينتقد موقف بعض قيادات المؤسسات البحرينية لعدم تشجيعهم الشباب البحريني على تولي مناصب قيادية.

وفي الفصل الخامس يطرح أهمية «اليورو» باعتباره عامل توازن واستقرار مالي في دول مجلس التعاون الخليجي التي هي مرتبطة حاليا بالدولار، ويشير المؤلف إلى أن 40 في المئة من واردات مجلس التعاون الخليجي من أوروبا و15 في المئة من صادراتها إليها. وفي الفصل الأخير ينتقل بنا محمد صالح كمشكي من التحليلات الاقتصادية والاجتماعية إلى البعد السياسي في المجتمع البحريني منذ عهد الإصلاح والانفتاح الذي يقوده ملك البحرين الشاب ومن ثم تأكيد أهمية مساندة خطة الإصلاح السياسي والتفاعل معها من خلال ما أسماه «التعبير المتزن كأساس لحرية الرأي» والتلاحم بين القائد والشعب.

ولا شك في أن هذا الكتاب الجديد لصالح كمشكي يمثل مساهمة فكرية في التفاعلات في مجتمع البحرين. والكتاب كان أصلا سلسلة من المقالات والدراسات سبق نشرها ثم تم تجميعها وتحديثها لتلائم إخراجها في كتاب. ومن هنا فإن الإشادة بصاحب الكتاب تعتبر واجبة من الناحية الفكرية، ذلك أنه مهندس حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية العام 1983 من جامعة ستافورد شايير في بريطانيا ثم ماجستير في العلوم الإدارية وبحوث العمليات ثم الدكتوراه في إدارة التسويق من جامعة لفبره في بريطانيا. وعمل باحثا اقتصاديا في مركز البحرين للدراسات والبحوث بعد أن عمل فترة في شركة نفط البحرين وترقى في السلم الوظيفي إلى مساعد أمين عام مركز البحرين للدراسات والبحوث.

وختاما، نقول إن كتاب كمشكي يطرح مشكلات مهمة ويقدم حلولا لها ينبغي على أي مخطط سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أن يأخذها في الحسبان، وهكذا يحدث التفاعل الحقيقي بين المفكرين والباحثين وبين أصحاب القرار من أجل الصالح المشترك للمجتمع بأسره

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً