العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ

كيف يجري الترويج لثقافة استهلاكية؟

أيقونات الثقافة الأميركية الجديدة:

دمشق - تركي علي الربيعو 

تحديث: 12 مايو 2017

في كتابه الموسوم بـ «الميديولوجيا» راح ريجيس دوبريه يعزي هزيمة الايديولوجيا الشيوعية إلى انتصار الفيديولوجيا على الايديولوجيا، انتصار الاستهلاك الفوري الذي يروج له التلفزيون (كلمة فيديو تعني بالانجليزية تلفزيوني) على حساب الافكار والقناعات، يقول دوبريه: التلفزيون هو أولا آلة اقتصادية، وليس انبوبا من الافكار وقسطلا من الحواس، بهذه الصفة انه الباعث الأول والقائد الأول للايديولوجيا المسماة اقتصادية، فالآلة تحمل اخلاق صيانتها، منسجمة مع مجتمع الفردية المتعية والاستهلاك الفوري، وليس من طبيعتها اثارة مسارات تجريدية أو استدلالية أو تركيبية، ولا اثارة النقد، بلا انتاج أوانٍ صغيرة بطريقة السلسلة التي تدفع إلى الاستهلاك (الأمر الذي لم يكن معقولا في المدرسة) فهي ليست مصنوعة لنقل الافكار ولا لانتاج قناعة معينة، وانما شيء بين القبول السطحي والاشاعة الاجتماعية (استطلاع، رأي عام) وحسب وجهة نظر دوبريه هذه، فقد أصبحت الايديولوجيا عتيقة وبالية في مقابل الفيديولوجيا، فهزيمة الشيوعية يجب البحث عنها في مكان آخر، في قصورها بالصور أكثر من فقرها بالافكار، في عتق مصانعها بالاحلام التي لم تستطع منافسة هوليوود و«الكليبات» التلفزيونية، فالشباب الدائم لشاربات الكوكاكولا الجميلات ورجولة الكاوبوي المدخن للمارلبورو وموسيقى الروك الحواسية، ربما عملت على قلب الشيوعية أكثر ما عملته مؤلفات سولجنستين أو بيانات الرئيس التشيكي هافيل.

في دراسة له تحت عنوان ثقافة الماك وورلد mc world في مواجهة الديمقراطية، نشرتها «اللوموند ديبلوماتيك» في اغسطس/آب 1998، يرى بنجامين باربر ان ثقافة الـ «مك وورلد» هي الترجمة الحرفية للفيديولوجيا، وان قناة الموسيقى الأميركية (MTV) والماكدونالدز و«ديزني لاند» الذي هزم ماركس وستالين على حد تعبير مؤلف «فخ العولمة»، هي في نهاية المطاف، وقبل كل شيء ايقونات الثقافة، أو هي احصنة طروادة الجديدة التي تتسلل من الولايات المتحدة إلى ثقافة سائر الأمم. ان ايقونات الثقافة الأميركية الجديدة يتم تسريبها إلى الثقافات العالمية التي تبدو عاجزة عن مقاومتها عن طريق اشباه المنتجات الثقافية، كالافلام والدعايات، وتتفرع منها مجموعة من السلع المادية ولوازم الموضة والتسلية، وهكذا لا تبقى أفلام «الملك الاسد» و«جوراسيك بارك» و«تايتانيك» مجرد أفلام، وانما تصبح كما يرى باربر وسائل حقيقية لتسويق الاغذية والموسيقى والالعاب.

هناك اجماع ثقافي على ان ايقونات الثقافة الأميركية تنتج التشابه والتماثل الذي يسهل عملية التحكم والسيطرة، لا بل انها تنتج انماط السلوك نفسها، فمن وجهة نظر دوبريه ان كل دقيقة عنف ينتجها فيلم كفيلم الحديقة الجوراسية، ينحت مستهلكا نموذجيا من الشرق إلى الغرب. فالأسواق تحتاج إلى عملة واحدة هي الدولار، والى لغة واحدة هي الانجليزية، والى سلوك متشابه في كل مكان يجد تعبيره في ابطال الثقافة الجديدة، فمن وجهة نظر باربر ان طياري الخطوط التجارية، ومبرمجي الكمبيوتر، والمخرجين السينمائيين واصحاب المصارف العالمية، ومشاهير السينما والاغنية، ونجوم الرياضة... الخ باتوا يشكلون فئة جديدة من الرجال والنساء يرون في الدين والثقافة والانتماء العرقي عناصر هامشية، فهويتهم هي قبل كل شيء في انتمائهم المهني، وبقدرتهم الفائقة وتحولهم إلى مستهلكين والأكثر من هذا إلى مروجين لثقافة جديدة تضع ايقوناتها على صدورهم.

من وجهة نظر باربر ان الترويج لثقافة الاستهلاك التي يدشنها عصر الفيديولوجيا، يفرض علينا ان نقوم بفك ارتباط مع هويتنا الثقافية، ما عدا صفة المستهلك، والتنكر لمواطنيتنا لنتذوق أكثر هذه المتعة الوحيدة الناتجة عن التسوق. ما يقلق ثقافة «الماك وورلد» التسويقية، هو ان هناك جيوبا لا تزال مقاومة وترفض بعناد ان تخترقها احصنة طروادة الجديدة، فثقافة الشاي الهندية تحول دون انتشار مبيعات الكوكاكولا، وثقافة وجبات الغذاء في الشرق الأوسط التي تتطلب جلوسا إلى المائدة تتعارض مع وجبات ماكدونالدز السريعة. وهنا لابد من إعلان الحرب على تلك الثقافات التي ترجح كفة المواطنية على حساب الاستهلاك، وبذلك تخون ثقافة الهمبرغر والكوكاكولا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً