العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ

تأثير التمييز العرقي على الثقافة الأميركية

بنسلفانيا - روبرت كين 

تحديث: 12 مايو 2017

في السنوات الحديثة كانت هناك حملة لتوعية الاميركيين بطبيعة الادمانات الجسدية بالمواد الكيماوية، مثل الكحول. لاولئك الذين عليهم ان يتعاملوا مع عضو اسرة كحولي (سكير)، يتساءل اعلان «يمكنك ان ترى ما تفعل الكحول بالسكير، ولكن هل يمكن ان تشاهد ما تفعله الكحول بك؟». طبعا، كثير من اعضاء الاسرة لا يستطيعون ان يلاحظوا تأثير الكحول عليهم. في الواقع، في احيان كثيرة ينكر اعضاء الاسرة، ان العضو السكير مدمن. ومن المؤلم ان يعترفوا بحقيقة الوضع لانهم يجب عليهم عندها مواجهة الواقع المشين. فبدلا عن مواجهة الحقيقة، احيانا يعد احد الاطفال طفلا فاسدا ويلقى عليه اللوم في كل مشكلات الاسرة.

يساعدنا نموذج الاسرة الكحولية في فهم انكار تأثير التمييز العرقي على الولايات المتحدة. طبعا، لا يمكن مقارنة مجتمع بكامله مباشرة بأسرة مفردة. في المجتمع الكبير، تستخدم مصالح خاصة في تعزيز التمييز سواء مباشرة من خلال معايير اقتصادية وسياسية متعددة او غير مباشرة من خلال ترقية القيم العرقية. ومع ذلك، يمكن اشراك الدولة برمتها في عملية الرفض. فكثير من الناس في الولايات المتحدة ينكرون ان هناك مشكلة عرقية، او اذا اقروا بها يلقون المسئولية على الآخرين، اذ يقولون ان السود انفسهم هم مصدر المشكلة. والاسوأ من ذلك ان كثيرا من الاميركيين البيض يجدون من المستحيل الاعتقاد بان التمييز العرقي له تأثير خطير على اميركا البيضاء نفسها. ويستطيع الفرد رؤية ما يفعله التمييز بضحايا التمييز المباشرين، ولكن من الصعب ملاحظة ما يحدثه التمييز بالمجتمع الاميركي عموما، وهذه المادة تعد موضوعا مهملا نسبيا في العلوم الاجتماعية.

في الواقع، يخدع المجتمع الاميركي نفسه من خلال استمراره في رفض مناقشة العرق، باستثناء كونه مشكلة اجتماعية معزولة او معضلة اميركية. هذا الزعم الاجتماعي موجود في كل مراحل التربية المدنية وفي خطب الرابع من يوليو/تموز. فالتشديد دائما عن كيف ان الدولة عظيمة، بينما تتجاهل عمليا التأثير الفاسد للتمييز العرقي في تاريخ الدولة والمجتمع.

وتساعد نظرية المطابقة السائدة، للمساواة في الفرص، استمرار الخداع بتأكيد ان قواعد اللعبة الاقتصادية تعد عادلة.

وتكمن جاذبية الادعاء ان كثيرا من المواطنين الاميركيين يضفون صفة ذاتية على القضية بان ليس لديهم وعي بأنه من خلال معتقداتهم وافعالهم يساعدون في استمرار النظام العنصري. وفي الواقع، وسط كثيرمن الاميركيين لا يوجد زعم حقيقي لانهم دمجوا كاملا القيم الاجتماعية، ومع ذلك، اولئك المسئولون عن تعزيز النظام العنصري واولئك الذين يشعرون انهم غير آمنين اجتماعيا (يرون انفسهم مهددين بامكان سقوطهم في الطبقة الدنيا) هم اكثر وعيا بالوضع ويستخدمون كل وسيلة متاحة لتعزيز النظام العرقي.

واصبحت ما تسمى بالمعضلات او المفارقات الاميركية جلية للغاية مجرد اننا اسقطنا ذريعة التأثير المحدود للتمييز. نوضح هنا نظام القيم والثقافة التي طوّرها الاميركيون تحت تأثير التمييز العنصري. هذه القيم هي تنتمي فقط للرأسمالية المعدلة قليلا والمدعومة بوساطة التوجيه الاخلاقي والدين المحافظ. اذ ان القانون الاخلاقي الذي وضعه الاميركيون يتلخص احيانا في انه «الطريقة الاميركية» التي طبعا تعني اشياء كثيرة إلى كثير من الناس. ولكننا يمكن ان نعرفه على انه نظام الاعتقاد في ديمقراطية من دون النبالة الموروثة التي تؤمن بمساواة الفرص المؤيدة بوساطة الدين المؤسس على التطهرية المعتدلة، التي هي بمعنى آخر تعبير عن الرأسمالية من ثياب دينية.

القيم المرتبطة بالرأسمالية

مساواة الفرص هي القيمة الاساسية للنظام الاميركي لانها بمثابة النظرية المستخدمة في تفسير توزيع الثروة والدخل في المجتمع. انها تقبل فقط برأسمالية ملطفة كنموذج لها من اجل مجتمع سليم. وهذا نظام محافظ للغاية لانه يعلن أساسا التوزيع العادل الحالي للدخل، على رغم انه ربما تكون هناك بعض المظالم المتبقية. ولكن لان فرضية مساواة الفرص تكرّس المجتمع التمييزي الكبير، فهي بحد ذاتها تعبير عن العرقية.

احتج توكوفايل انه في دولة من دون نبالة، إذ يعد كل مواطن غير آمن، لانه أو لانها غير قادر (قادرة) مثل الاوروبي الذي يستطيع القاء اللوم على وضع غير مرغوب فيه لنظام غير عادل في التوزيع الاقتصادي. ويخشى الشخص الذي ليس في مرتبة عليا ان يكون ذلك نتيجة للضعف الشخصي، اذ يتضاعف مستوى القلق بشأن الوضع الاجتماعي للفرد عندما لا تحدد الفروقات الشرعية في مجتمع بوضوح. ويتزايد عدم الشعور بالامان لانه لا يعرف احد - بالضبط - المنزلة النسبية إلى الآخر. ولاحظ الرجل الفرنسي ايضا ان انعدام الأمن هذا يعزل الاميركيين ويجعلهم انفراديين اكثر بينما يعتمدون على ادواتهم الخاصة بهم لتحديد من يستحق منزلة رفيعة ومن يكون في منزلة دنيا. وينتج هذا عن الاحتيال الدائم من اجل المرتبة والثناء الذاتي المتواصل اذ يخبر الناس بعضهم بعضا انهم يستحقون الاحترام. (في الوقت ذاته، يميل الاميركيون إلى اعتبار التصريحات الممجدة للذات دليلا على العجرفة والغرور. اذ يحب الاميركيون ان يتواضع ابطالهم. وهكذا نجد اهمية الثراء المادي، الذي يجعل الاخرين يعرفون عن انجازات المرء من دون ان يخبر الناس مباشرة).

يتضمن كتاب مقالات بيسين (1976) عن العهد الجاكسوني تعليقات اجتماعية لمراقبين اوروبيين كثر على مجالات الحياة المختلفة في اميركا. ومن ضمن الصفات التي نسبت إلى الاميركيين عدم الامان، التبجح، رقة الاحساس، الوقاحة، المراوغة، الانتهازية وكثير من الصفات السالبة الاخرى، تنشأ كل هذه الصفات من انعدام الامن الاساسي المحدث بوساطة توكيد مساواة الفرص.

فقيمة المادية مرتبطة مع كون المرء رأسماليا. يهتم الاميركيون بالمادية، يقيسون قيمة الناس بلغة ثروتهم او مكانتهم، هذا التاكيد يرتبط بأهمية النقود في المجتمع الاميركي. فاذا كان الوضع الاجتماعي للمرء يعتمد على جهوده الخاصة، عندها يصبح من المهم ان يكون له وضع اقتصادي رفيع. ومع ذلك، الثراء هو الغاية الاولى والمعيار الاكثر وضوحا للنجاح في منافسة تكافؤ الفرص. معيار آخر للنجاح الاقتصادي والخير هو الطريقة التي يظهر بها المرء جسديا. يولي الاميركيون اهتماما عظيما بالجاذبية البدنية.

فالاشخاص البدناء جسمانيا يجبرون للشعور بانهم ادنى مرتبة اجتماعيا وشخصيا. (ويرتبط هذا بالمادية الاميركية. ووفقا لهذه الاطروحة، هناك «شيء خاطئ» لكل من لا يستطيع استخدام قوة ارادته لحل المشكلة).

ولسوء الطالع، يعزز الاهتمام بالفوز بلعبة تكافؤ الفرص المقاس بوساطة لغة النقود والجاذبية البدنية، انعدام الأمن الشخصي. ومع ذلك، فان الثراء والجمال يمكن ان يكونا سريعي الزوال.

وينكر الاميركيون عادة انهم مغريون بوساطة المال والجاذبية الجسدية، ولكن هناك من الواضح فجوة كبيرة بينما يقولونه وما يفعلونه.

ان الاندفاع نحو تكافؤ الفرص والسعي وراء المال يؤدي إلى مستوى عال من الجريمة في الولايات المتحدة. ومن اجل الاعتقاد بان الانسان ثري، يباشر كثير من الناس كل ما بوسعهم سواء قانونيا او غير قانوني، للحصول على الثروة (انظر بيل 1965)، هنا يتضمن النشاط الاجرامي ليس فقط الجريمة التي ترتكب على الشارع ولكن جريمة الياقة البيضاء ايضا. اضافة إلى أنه يتمثل الاثر المثير للاحباط في انعدام الأمن خصوصا في زيادة كمية الفساد السياسي، اذ ان المسئولين الحكوميين، الذين عادة يتلقون دخلا اقل مقارنة بموظفي القطاع الخاص، يقبلون الرشاوى والهبات الاخرى.

القيم المرتبطة بالديمقراطية المزيفة

ان المجتمع تسيطر عليه الطبقة الوسطى للبيض العنصرية، في الواقع ليس ديمقراطيا على الاطلاق في المعنى الجيفرسوني للحكومة المتوازنة. ويظهر انعدام التوازن هذا نفسه في كثير من الحكومات المحلية والولائية التي تقيم انتخابات على حقوق مدنية اساسية. مثلا، مررت ولاية كولورادو قانونا يرفض حماية اساسية للاشخاص الشاذين. صوت نظام مدرسة نيويورك سيتي باحراق مديرها لمحاولته تدريس التسامح مع الشاذين في المدارس. ان مجتمعا يسمح للمواطنين بالتصويت على منح مجموعات أخرى حقوقا اساسية أو عدم منحها يعتبر مجتمعا منتقصا لحقوق أفراده المدنية ما يجعلهم في خطر.

التوجيه الاخلاقي والديانة المدنية

يقول الاميركيون انهم يعتقدون في فصل الكنيسة عن الدولة، ولكن هذا عمليا تفكير فقير للغاية في الواقع. فالاميركيون فخورون بوضع العبارة «نحن نؤمن بالله» على عدد ضخم من ممتلكات الدولة. وهم ايضا فخورون بانشاد الله في الاعمال العامة ويقدمون صلوات عامة.

احتج توكوفايل انه في دولة ديمقراطية من دون نبالة، يصبح الدين مهما للغاية. من دون التشدد الديني، ستتغلب المادية الحرة والانانية على قيم الامة. بالنسبة إلى توكوفايل، هذا هو السبب الذي جعل الاميركيين اكثر تدينا، ومن اجل صد المادية، وخلق وحدة اخلاقية، كون الاميركيون ديانة مدنية تقوم على رأسمالية معدلة قليلا في ثياب دينية (ويجب توكيد ان التطهرية (التزمت) نفسها هي بالاساس اعادة اقرار بالرأسمالية).

وقد اخطأ توكوفايل في فهم السبب الرئيسي للتشدد الاميركي على الدين: التمييز العرقي. فالتمييز قوة اجتماعية مدمرة ومرعبة. وبناء نظام قائم على التمييز يعزز مخاوف البيض من السود وينشئ الحاجة إلى اليقظة دائما لحفظ النظام. فالمجموعات السائدة يجب الا تؤكد ان النظام الاجتماعي مصون فحسب ولكن ان قيم المجتمع متبعة ايضا بشدة. وتكرس الديانة المدنية لاميركا هذا النظام التمييزي وتزوده بالقانون الاخلاقي الصارم الضروري لتقويته.

الثقافة

اذا اخبر انسان الاميركيين بان قانونهم الاخلاقي، مقارنا مع الدول الصناعية المتقدمة الاخرى. يعد صارما وتأديبيا للغاية يردون عادة بالقول ان الاميركيين «اكثر اخلاقا» من الدول الاخرى او اميركا لديها قواعد رفيعة. ولكن، الحقيقة هي ان لديهم في الواقع قواعد متدنية لان قواعدهم عنصرية في طبيعتها.

ثقافة الاميركيين معبر عنها ايضا في نصوصهم التاريخية العالمية.

هذه النصوص في الحقيقة نصوص تاريخية غربية. اذ ان التركيز على مصر باعتبارها مهد الحضارة، وكيف انتلقت عباءة القيادة لهذه الحضارة العظيمة من خلال الشرق الادنى إلى اليونان، ثم روما، وبريطانيا ومنها إلى الولايات المتحدة. في الاصل، في هذه الرؤية الثقافية، تنظر إلى اميركا بوصفها قمة لآلاف السنين من الحضارات المتقدمة. هذه نظرة متحيزة كاملا لانها تشير إلى ان الثقافة الاوروبية هي الاسمى على الثقافات الاخرى. اذ يصر المؤرخون على فصل التاريخ الغربي عن التاريخ العالمي. يجب ان يكون تاريخ العالم في الواقع في جميع انحاء العالم بتركيز متساو لجميع المناطق الرئيسية في العالم. ومع ذلك، تجد هذه الفكرة معارضة من الاخلافيين العنصريين الذين يقاتلون من اجل الابقاء على نظريتهم القاضية بوجود اميركا عنصرية بصفتها أعظم دولة في العالم.

الخصائص المتعلقة بحكومة ضعيفة

نتج عن الشقاق بين اقتصاد الاسترقاق البدائي للجنوب والاقتصاد التجاري للشمال، تركيز على حقوق الولايات التي ارهقت الولايات المتحدة بحكومات ضعيفة للغاية. فكثيرمن مظاهر الثقافة الاميركية ناشئة من انعدام الحكومة الفاعلة. ولاخذ مثال واحد، يندهش كثير من الناس ان لدى الولايات المتحدة تقريبا ثلاثة ارباع محاميي العالم. السبب الجزئي لهذا هو الوضع الاخلاقي لاميركا، الذي يضع عقوبات جنائية كبرى على المساعدين الخاصين، مع التركيز على العقوبة وليس المعالجة سبب آخر انه في مجتمع يولي اهمية مماثلة بالنجاح المادي، هناك احتيال دائم من اجل المرتبة التي تقود إلى النزاع. ولكن مصدر الحاجة الاكثر خطورة إلى المحامين والتقاضي الدائم في الولايات المتحدة هو ان الحكومة ببساطة غير فعالة. مقارنة مع الدول الاخرى، ليس للولايات المتحدة حاليا سياسات فاعلة تحمي المستخدمين او سياسات رعاية كفؤة تساعد الناس عند الحاجة.

اذ على ضحايا الظلم والفقر او الحوادث، ان يلجأوا إلى النظام القانوني من اجل التعويض لان النظام السياسي ببساطة غير كفؤ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً