كانت زيارة عمل دون طبل وزمر، قام بها مؤخرا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى برلين إذ أجرى مباحثات سياسية مع المستشار غيرهارد شرودر ووزيرة التعاون الاقتصادي والإنماء هايدي ماري فيتشوريك تسويل. من ضمن الموضوعات التي كانت معرض بحث، مكافحة الإرهاب. هذا الموضوع بالذات، كان الرئيس اليمني يرغب في مناقشته وجاء إلى ألمانيا مستعدا لمناقشة الموضوع المحبب عند السياسيين الغربيين خصوصا بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001. ليس سرا أنه حين يجرى ذكر اسم الإرهاب، يفكر الغربيون على الفور بالعرب والإسلام. الرئيس اليمني لا يرى في هذا حقيقة: فالعرب والمسلمون ضحايا الإرهاب.
وراء أبواب مغلقة في مقر المستشارية ببرلين وكما ذكرت أوساط مطلعة شاركت في الاجتماع، طلب الرئيس اليمني مناقشة قضية الشيخ محمد علي حسن المؤيد وأحد معاونيه إذ تحتجزهما السلطات الألمانية منذ نصف عام ويجلسان وراء القضبان من دون محاكمة حتى اليوم. بعد أن تسرع الضيف بمناقشة بعض القضايا الدولية أتى على فتح ملف هذه القضية وكان واضحا أن الرئيس مهتم على الأكثر بمصير المواطنين اليمنيين وأنه كرئيس لليمن يعير للقضية عناية خاصة.
قبل نصف عام اعتقلت سلطات الأمن بمطار فرانكفورت الشيخ اليمني البالغ 55 عاما من العمر وسكرتيره محمد البالغ 29 عاما من العمر بعد وقت قصير على وصولهما من صنعاء. الشيخ شخصية معروفة في اليمن خصوصا في مجال رعاية المعوزين بحيث يقوم بتوزيع مساعدات إنسانية على المحتاجين ويحصل على تبرعات من مختلف الجهات. منذ اعتقاله تبرق السفارة الألمانية في العاصمة اليمنية تقاريرا تتحدث عن مظاهرات الاحتجاج التي تجري في العاصمة اليمنية والتي تطالب ألمانيا بالإفراج عن الشيخ المؤيد وسكرتيره وأصبحت هذه القضية من أبرز القضايا الملحة التي فرضت نفسها على الملف الألماني/ اليمني. وأمر الرئيس علي عبد الله صالح بصرف مبلغ 50 ألف دولار لقاء أتعاب محامين للدفاع عن المواطنين اليمنيين كما وعد الشعب اليمني قبل سفره إلى ألمانيا أن يعود ومعه الشيخ المؤيد وسكرتيره. ربما تسرع رئيس اليمن في تقديره للأمور بعض الشيء فالقضية واحدة من أغرب القضايا التي عليها أكثر من علامة استفهام. منذ هجوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 يجري العمل في لصق الإرهاب بالإسلام، دون حق، الأمر الذي تؤكده ظروف اعتقال الشيخ المؤيد ومساعده.
بعد نصف عام مضت والشيخ الجليل يجلس مع مساعده وراء القضبان، من دون محاكمة ومن دون ثبوت الاتهامات الموجهة ضدهما، يرى البعض أنها محاولة للاقتصاص من الإسلام، وخدمة لمصالح الصقور والسياسيين المتعصبين في الولايات المتحدة الأميركية الذين يعملون منذ ذلك الوقت في مهمة تبشيرية أشبه بحرب صليبية. في هذا السياق تتهم الولايات المتحدة الشيخ المؤيد ومساعده بالعمل في جمع تبرعات تقدر بملايين الدولارات لصالح تنظيم «القاعدة» الذي يتزعمه أسامة بن لادن وكذلك لصالح حركة «حماس» الفلسطينية. وتم اعتقالهما بناء على رغبة ملحة من قبل الأميركيين. ولأن القانون الألماني أكثر إنسانية من القانون الأميركي، فإنه لا يمكن احتجاز حرية الشيخ ومساعده فترة طويلة من الزمن من دون محاكمة. في الولايات المتحدة يجري العمل بقانون تم تشديده بعد سبتمبر 2001 يسمح باحتجاز حرية المشتبه بهم فترة طويلة من دون حاجة لمحاكمتهم. لهذا يتعين على محكمة فرانكفورت في القريب البت بالاتهامات الأميركية الموجهة للمواطنين اليمنيين وفي حال ثبوت الأدلة، اتخاذ قرار بتسليمهما إلى الولايات المتحدة.
المحاولة الأخيرة التي قام بها الرئيس علي عبد الله صالح، كانت في مقر المستشارية إذ حاول إقناع المستشار شرودر بأن المعلومات الموجهة ضد الشيخ المؤيد ومساعده ملفقة وليست أكثر من لعبة مخابراتية. كرر الضيف اليمني هذا الكلام حين اجتمع في مقر إقامته بفندق بالاس مع وزيرة العدل الألمانية بريجيتي زيبريس ووزير الداخلية أوتو شيلي حيث أكد المسئولان الألمانيان على استقلالية القضاء الألماني أي بمعنى آخر: لا ينبغي على السياسة أن تؤثر على القضاء. الواضح أن قضية الشيخ المؤيد ومساعده تقلق مضجع كبار المسئولين في اليمن وألمانيا ولا يبدو أن هذا يهم الولايات المتحدة. ذلك أن الاتهامات الموجهة للمواطنين اليمنيين التي يصفها الأميركيون بوثائق مهمة، تم جمعها بناء على معلومات قدمها للأميركيين عميل مشكوك بأمره يعمل لحساب المخابرات الأميركية. وقد قام هذا العميل وهو عربي الجنسية، باستدراج الشيخ المؤيد ومساعده إلى مدينة فرانكفورت بحيث تم وضع القيود بأيديهم فور مغادرتهما الطائرة.
في نهاية العام 2001 عرض رجل أعمال يمني عرف نفسه باسم محمد الأنسي على الشرطة الفيدرالية الأميركية بمدينة نيويورك معلومات قال إنها بالغة الأهمية، أورد فيها أن الشيخ المؤيد يعمل منذ سنوات بجمع التبرعات والأسلحة للمحاربين الإسلاميين في أفغانستان والشيشان وكشمير. وأضاف صاحب الوشاية أنه يعرف طبيعة عمل الشيخ المؤيد بسبب معرفته الشخصية به منذ ست سنوات وأنه يقيم على مقربة من مسكنه ويقوم باستمرار بالصلاة في مسجد يشرف عليه الشيخ المؤيد.
بعد شهر واحد، سافر الأنسي على نفقة الشرطة الفيدرالية الأميركية إلى اليمن وزودوه بخطة تتضمن مجموعة من الحيل. منذ ذلك الوقت حصل محمد الأنسي ويعتقد أنه اسم مستعار، على اسم سري كعميل متعاون: 1 واصبح يعرف باسمه الجديد عند الدوائر الأميركية وعهد إليه أن يقوم بدور وسيط لدى المؤيد وإقناعه بوجود شخص موجود في ألمانيا يرغب في تقديم تبرعات مجزية لأسامة بن لادن.
بتاريخ 23 مايو العام 2002 سافر العميل 1 مجددا إلى اليمن وأقام فترة ثلاثة أسابيع في صنعاء وبعد عودته والمثول أمام الضابط الأميركي المسئول عنه ويدعى روبرت فولر، حمل إليه معلومات جديدة جاء فيها أن المؤيد مستعد للسفر إلى فرانكفورت للقاء الشخص الراغب في التبرع. إضافة إلى ذلك زعم العميل 1 أن الشيخ وثق به وفاتحه بأنه اجتمع مع أسامة بن لادن عدة مرات وحمل إليه مالا وأسلحة. وقال العميل أيضا: في محادثة أخرى مع الشيخ فاتحني بنوعية المساعدات التي قدمها لزعيم تنظيم «القاعدة»: 20 مليون دولار. كما قال إنه قدم 5,3 ملايين دولار لحركة «حماس» عبر مؤسسة الأقصى. بناء على المعلومات التي قدمها العميل 1 أصبح الضابط فولر على ثقة بأنه على وشك التوصل إلى سمكة كبيرة. لكن اسم الشيخ المؤيد لم يكن غريبا على الأميركيين. بعد الهجوم على أفغانستان يقول فولر إنه تم العثور على مجموعة من وثائق المجاهدين تشير واحدة منها إلى زيارة قام بها الشيخ المؤيد الذي حضر خصيصا من اليمن بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول العام 2000 رأى فولر أن هذه الوثيقة تتطابق مع الأقوال التي قدمها العميل 1. وقام العميل بتسجيل المكالمات الهاتفية التي أجراها مع الشيخ ومع مجموعة من الأشخاص العرب الذين يعيشون في الولايات المتحدة ولهم صلة بالشيخ المؤيد. كانت النتائج الأولية فقيرة للغاية لم تشر إلى وجود صلة قوية بين الشيخ وبين أسامة بن لادن وكل الحوار كان يدور حول تمويل «الفرن» وهذا مشروع توزيع الخبز على المعوزين وحول أموال لمساعدة الفلسطينيين وكلف الطبيب. غير أن الشرطة الفيدرالية الأميركية حولت كلمة (طبيب) إلى حرب الجهاد.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بدأ العمل لإيقاع الشيخ المؤيد في المصيدة التي نصبها الأميركيون. قام العميل 1 بإرسال بطاقتي سفر للشيخ ومساعده وحجز بفندق شيراتون المتاخم لمطار فرانكفورت. بتاريخ التاسع من يناير/ كانون الثاني اجتمع الشيخ المؤيد مع العميل 1 في الغرفة رقم 6231 في الفندق المذكور وانضم للاجتماع شخص عربي قدم نفسه باسم سعيد الشريف وهو أيضا عميل يعمل لحساب المخابرات الأميركية قال للشيخ أنه يرغب في تقديم تبرع كبير لأسامة بن لادن وفي غرفة مجاورة جلس عملاء فنيون يعملون للجهاز الأميركي يسجلون مجريات الحديث داخل غرفة الشيخ. في التسجيلات يتضح أن العميلين العربيين كانا وحدهما يتحدثان عن تنظيم «القاعدة» وليس الشيخ الذي كان همه الحصول على تبرعات لمشروعاته الخيرية. بعد وقت قليل داهمت قوة أمن ألمانية غرفة الشيخ واعتقلته ومنذ ذلك الوقت يجد الشيخ المؤيد ومساعده محمد صعوبة في فهم ما يجري حولهما
العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ