استحوذ اهتمام الصحف العبرية، على الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون مع رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس في مكتبه في القدس. واستأثرت تعليقات الصحف، بتصريحات الرجلين في اللقاء الثالث بينهما، منذ تسلم عباس مهماته، إذ أعربا عن الأمل والتفاؤل بالتوصل إلى سلام مؤكدين التزامهما في تنفيذ «خريطة الطريق». فبعد أن أعرب شارون في مؤتمر صحافي مشترك مع عباس عن اعتقاده بأن الصورة اليوم صورة أمل وتفاؤل أكثر من السابق وعد بدفع ما أسماه «الثمن المؤلم» للسلام، غير أنه لم يحدد ماهية هذا الثمن الذي طالما كرر شارون حديثه عنه. من جهته قال المسئول الفلسطيني متوجها بكلامه إلى شارون «إن صراعنا معكم هو صراع سياسي سننهيه بالسبل السياسية... ولا عداوة لنا مع الشعب الإسرائيلي». فشكلت هذه العبارة محور تعليقات المحللين الإسرائيليين. ووصل الأمر عند يوئيل ماركوس في «هآرتس»، إلى حد القول ان محمود عباس، أظهر ودا تجاه الإسرائيليين يخوله أن يصبح رئيسا لوزراء «إسرائيل»!. ذلك على رغم ان التشكيك في احتمال نجاح الهدنة، سيطر أيضا على المقالات العبرية فهناك كما يقول يهودا ليطاني في «يديعوت أحرونوت»، منافسة خفية تجري بين المتطرفين في المعسكرين الإسرائيلي والفلسطيني على من ينجح أولا بإفشال وقف النار ويتسبب بتفجير الاتفاقات بين الجانبين. كذلك اهتمت الصحف الإسرائيلية بالتصريح الذي أدلى به رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي موشيه يعالون، حين قال ان الانتفاضة ربما تكون وصلت إلى نهايتها معتبرا ذلك انتصارا لإسرائيل.
ورأى ألوف بن في «هآرتس»، ان شارون سجل علامة فارقة في مسار السلام بدعوته للمرة الأولى زعيما فلسطينيا إلى زيارة علنية لمكتب رئاسة الحكومة في القدس. ومثل هذا الأمر لم يحدث حتى في الأعوام المتفائلة لاتفاق اوسلو. فالزعماء الذين سبقوا شارون درجوا على الاجتماع بياسر عرفات عند حاجز إريتز الحيادي البعيد، أو في منازل خاصة وأماكن مغلقة تحت جنح الظلام. لقد تجاوزت الدعوة إلى القدس كل الحدود، وها هو رئيس الحكومة الفلسطينية ينتقل من رام الله في زيارة عمل لشارون، تحت رموز السيادة الإسرائيلية فـي القـدس، وتحت ضوء الشمس وكاميرات التصوير. ولاحظ بن، ان بوش وشارون و(أبومازن) نجحوا في بث الآمال بإمكان انتهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والعودة إلى المسار الدبلوماسي... لكنه رأى ان الخطابات التي تطلق في الوقت الراهن تشبه إلى حد كبير خطابات تم إطلاقها في وقت ليس ببعيد.. فعلى رغم كل التطورات الإيجابية التي حصلت، مازال مسار السلام بحاجة إلى جهود إضافية كبيرة وذلك للحؤول دون انهيار «خريطة الطريق» ويكون مصيرها بالتالي شبيها بخطط السلام التي سبقتها - أي الفشل.
ولاحظت افتتاحية «هآرتس»، ان محمود عباس يساهم اليوم في تحويل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى نزاع سياسي. لكن الصحيفة لفتت إلى ان التصاريح الجذابة لا تكفي للجزم بأن النزاع في طريقه إلى الحل فلا يمكن للمسئولين الفلسطينيين ردم الهوة بمجرد إطلاق تصاريح تطرب الآذان على حد قول الصحيفة العبرية. من جهة أخرى، اعتبرت «هآرتس»، ان مسألة تفكيك المستوطنات تتحول إلى مهزلة فكل مستوطنة عشوائية يتم تفككها يبني المستوطنون مستوطنتين أخريين مكانها. ورأت ان ما من شيء يبرر ضعف الجيش الإسرائيلي أمام المستوطنين سوى نصيحة شارون للمستوطنين بأن يقيموا المستوطنات ولكن ليس على الملأ.
من جهته، جدعون ساميت في «هآرتس»، اعتبر ان الصبر هو المطلوب اليوم لأن القيام بخطوات عملية يتطلب الكثير فالصراع بين الطرفين يحمل الكثير من الذكريات المؤلمة كما ان ما من أحد من الجانبين لم يلطخ يديه بالدماء.
ولاحظ داني روبنشتاين في «هآرتس»، أيضا ان محمود عباس ناقض نفسه حين أعلن أمام المجلس التشريعي انه ملتزم بكل الحقوق الوطنية للفلسطينيين أي مسألة القدس وقضية اللاجئين بينما لم يركز في محادثاته مع شارون سوى على قضية المعتقلين والمستوطنات... وامتنع في أكثر من مناسبة علنية معه عن ذكر القدس واللاجئين. وعزا روبنشتاين، ذلك إلى التجربة القاسية لعباس، في قضية المعتقلين في العام 1998 حين وعده بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك بإطلاق سراح عدد معين من الأسرى غير ان الذين تم إطلاق سراحهم كانوا عددا من اللصوص وبعض العمال الذين دخلوا إلى «إسرائيل»، من دون إذن. وتابع روبنشتاين، أن القضية سببت ضجة كبيرة في السلطة الفلسطينية واتهم عباس آنذاك بالوقوع في فخ نتنياهو. وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى ان في السجون الإسرائيلية 7 آلاف معتقل فلسطيني نصفهم محتجز في سجون عادية على حد تعبيره والنصف الآخر في مراكز اعتقال الجيش الإسرائيلي.
ولاحظ يوئيل ماركوس في «هآرتس»، الجو الودي السائد بين المسئولين الفلسطينيين خصوصا في الاجتماع الأخير بينهم متسائلا هل هذه هي حقا نهاية الصراع بين الطرفين؟ ووصل ماركوس، إلى حد القول ان محمود عباس، أظهر ودا تجاه الإسرائيليين يخوله أن يصبح رئيسا لوزراء «إسرائيل». غير ان ماركوس، استدرك ان الأمر ليس بهذه البساطة فمازال الفلسطينيون والإسرائيليون أمام احتمالين. الأول أن يلتزم الفلسطينيون بالتزاماتهم التي ستؤدي إلى استمرار الهدنة أكثر من الثلاثة أشهر التي تحدثت عنها حماس، وأن يبدأ الطرفان بالتفاوض فعليا على تطبيق مراحل خريطة الطريق. وتابع انه في هذه الحال ستكون أنظار الفلسطينيين موجهة إلى شارون، الذي يجب أن يظهر جدية في الالتزام بما وعد به تجاه تطبيق خريطة الطريق. أما الاحتمال الثاني الوارد فهو ألا ينجح (أبومازن)، في تفكيك المنظمات الفلسطينية وأن تجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام خيار استئناف ما سماها أعمال الإرهاب فتفقد بذلك الدعم المالي من الولايات المتحدة، التي قد تضعها على اللائحة السوداء للمنظمات الإرهابية. غير ان ماركوس، اعتبر ان الانتفاضة لن تندلع بالشكل الذي كانت عليه لأن جهاز الأمن الإسرائيلي لن يسمح باستئناف ما أسماه الاعتداءات الإرهابية التي تتطلب ردا إسرائيليا ومن ثم «اعتداءات» جديدة وبعدها رد إسرائيلي وهكذا دواليك، بل هو على استعداد لشن حرب لإنهاء الانتفاضة والإطاحة بعرفات، مرة واحدة ونهائية. أما في حال أظهر الجانب الفلسطيني إشارات إيجابية فإن على «إسرائيل»، عند ذلك أن تدرك ان ثمن السلام باهظ بعض الشيء ولا يسع الإسرائيليون إلا أن يدفعوه إذا كانوا فعلا جادين في سعيهم إليه. وختم بالقول «من يدري ربما يجيء يوم نقرأ في كتب التاريخ ان الرئيس جورج بوش، كان يملك الرؤيا ولكن شارون، هو الذي جعلها تصبح حقيقة واقعة».
وقارن تسفي برئيل في «هآرتس»، بين سلاح حزب الله في الجنوب اللبناني الذي يتمسك به لأن الجيش اللبناني غير قادر على الدفاع عن لبنان وسلاح المجموعات الإسلامية في الأراضي الفلسطينية، التي تعتبر ان السلطة الفلسطينية غير قادرة على حماية الشعب الفلسطيني. وأورد برئيل، في مستهل مقالة بعنوان «نزع أسلحة المجموعات الإسلامية حلم بعيد المنال» تصريحا للأمين العام للجهاد الإسلامي رمضان عبدالله شلح، يقول فيه ان تفكيك المنظمات الفلسطينية يعني تفكيك الأمة الفلسطينية وان هذه المنظمات لن تسلم أسلحتها متمنيا ألا يطلب المسئولون في السلطة الفلسطينية ذلك لأن هذه الأسلحة شرعية وهدفها الدفاع عن الشعب الفلسطيني. وعلق برئيل، على تصريح شلح، بالقول انه يتعارض مع ما وعد به محمود عباس، بأن الحكومة الفلسطينية تناضل من أجل إنشاء قيادة واحدة تنضوي تحت قانون واحد وبالتالي سلاح واحد. وتساءل برئيل، ما هو حجم حركة حماس والجهاد الإسلامي في نفوس الفلسطينيين وكيف يمكن أن ينضموا إلى قيادة فلسطينية موحدة يحلم بها عباس. وتابع ان المرحلة الأولى من هذا الانضمام يجب أن تبدأ بموافقة حماس والجهاد على إنشاء قيادة فلسطينية تضم كل الأحزاب والفصائل الفلسطينية فهما لا تزالان في مرحلة الحديث عن استئناف الحوار مع السلطة الفلسطينية. واعتبر ان موافقة حماس والجهاد على الهدنة ليس هدفه سوى اختبار قدرات ونوايا عباس، أو بالأحرى اختبار قدرته على انتزاع التنازلات من «إسرائيل». وبالعودة إلى تصريح شلح، اعتبر برئيل، ان موقف الجهاد الإسلامي يشبه إلى حد كبير موقف حزب الله في لبنان، فهذا الأخير رفض تسليم أسلحته لأنه يعتبر ان الجيش اللبناني غير قادر على الدفاع عن لبنان، مشيرا إلى ان الفصائل الفلسطينية أيضا تعتبر ان السلطة الفلسطينية غير قادرة على حماية الشعب الفلسطيني. وأضاف ان استمرار الفصائل الفلسطينية في حذوها حذو حزب الله، يعني انها ربما تكون قادرة، في حال لم يتم نزع أسلحتها، على إجبار «إسرائيل»، على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية خصوصا بعد أن ينتزع محمود عباس، تنازلات من «إسرائيل». وشدد برئيل، على ان المطلوب من محمود عباس، هو إقناع الفصائل الفلسطينية في الانضمام إلى قيادة فلسطينية موحدة كي لا يتكرر المشهد الإسرائيلي في جنوب لبنان، مرة أخرى في الأراضي الفلسطينية. وختم نقلا عن مسئول فلسطيني ان المشكلة لا تكمن في كيفية نزع أسلحة المنظمات الفلسطينية بل كيفية إبطال مفعول برامج هذه المنظمات وهو أمر لن يحصل إلا عبر المفاوضات وليس عن طريق حرب أهلية.
ويرى يهودا ليطاني في «يديعوت أحرونوت»، ان هناك منافسة خفية تجري بين المتطرفين في المعسكرين الإسرائيلي والفلسطيني على من ينجح أولا بإفشال وقف النار ويتسبب بتفجير الاتفاقات بين الجانبين. موضحا انه في الجانب الفلسطيني مازالت بعض الجهات المرتبطة بالتنظيمات الأم، تنشط. وفي الجانب الثاني، يأتي التسريب إلى وسائل الإعلام عن تنظيم جولات للإسرائيليين في باحات الحرم بحماية قوات الشرطة. واعتبر ليطاني، ان هذه مجرد طلقات أولى في المعركة ضد وقف النار.
وتصل لغة التشكيك في الهدنة الفلسطينية إلى الذروة في مقالة جدعون ساميت في «هآرتس»، الذي اعتبر ان من حق الإسرائيليين أن يشككوا في وقف إطلاق النار أولا لأن محمد على حد تعبيره (ويقصد الرسول عليه الصلاة والسلام) وافق على هدنة مع أعدائه قبل 1321 عاما وذلك من أجل كسب الوقت وثانيا لأن «اعتداءا إرهابيا» جديدا حصل في ظل الهدنة على يد كتائب شهداء الأقصى. وتابع ان الجانب الفلسطيني يشكك أيضا في نوايا «إسرائيل»، ويعتبر انها تنتظر أية فرصة لنسف أي اتفاق يحصل بين الطرفين. ولكنه اعتبر ان الهدنة هي الشيء الوحيد الذي تحقق من طموحات الرئيس الأميركي لأن تفكيك المستوطنات العشوائية لا يتم فعلا والذي يتم تفكيكه يقوم المستوطنون ببناء غيره. وتابع أن السياسة التي يجب اتباعها اليوم هي سياسة الصبر لأن القيام بخطوات عملية يتطلب الكثير فالصراع بين الطرفين يحمل الكثير من الذكريات المؤلمة كما ان ما من أحد من الجانبين لم يلطخ يديه بالدماء. وختم بأن دور بوش، اليوم يكمن في الدعوة على الصبر والانتظار قليلا لدراسة أية خطوة تالية.
وليس بعيدا عن التشكيك في الفلسطينيين تطرق تقرير نشرته دبكا فايل من على موقعها على الانترنت، إلى الوضع الفلسطيني الراهن. ونقلت عن مصادر فلسطينية وصفتها بأنها خاصة بها ان لدى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، خططا كبيرة لينفذها في مرحلة «الهدوء» القادمة أي طوال فترة الهدنة. وأضافت المصادر عينها، ان عرفات، وأبرز مساعديه، ما انفكوا يحضرون لإحراز «نصر» كبير. على انه من بين أهداف الرئيس الفلسطيني بحسب المصادر، الإثبات بأنه ذكي لدرجة انه قادر على حث الإسرائيليين والأميركيين على الاعتراف بدولة فلسطينية من المفترض انها ستشن حملة على «الإرهاب». كما ان من بين أهداف عرفات، إظهار ان رئيس الوزراء الفلسطيني (أبومازن)، لا يستطيع أن يتحداه أبدا. وتابعت المصادر، ان ما دفع عرفات، لتحمل بقائه محاصرا في مقره في رام الله، هو بحسب مزاعمها التزامه بحماية حوالي 200 «إرهابي» من «فتح»، و«فصائل شهداء الأقصى»، و«الجبهة الشعبية» و«حماس»
العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ