المقال الذي نشرته «الوسط» يوم أمس للأخ يوسف حامد مشعل يفتح المجال لعقلنة النقاش حول موضوع التجنيس الحساس. فالذي نال جوازا بحرينيا أصبح بحرينيا بحكم القانون وأية محاولة لإثارة المشاعر ربما تنتهي إلى نتائج غير محمودة. وللأسف الشديد فإن مشكلة الطائفية والاثنية والقبلية التي كانت تخنق المجتمع البحريني قبل مئة عام عادت بشكل قاس خلال الثمانينات واستمرت بثقلها وأعبائها علينا حتى يومنا هذا.
غير أن هذه المشكلة أو تلك (التمييز والتجنيس) لم تكن بهذه الدرجة فيما قبل الثمانينات، وكانت الأمور أكثر سعة من الآن. والرياضة البحرينية لعبت دورا كبيرا في تقريب النفوس بين أبناء المجتمع الواحد. ففي السبعينات كانت الدورات الرياضية تقام في كل مكان وكان المدربون الذين يدربون الفرق الرياضية يخترقون كل الحواجز والحدود. ففي قريتي (بني جمرة) مثلا، كان فريقنا الرياضي للكرة الطائرة قد وصل إلى الدوري الممتاز مرتين وانتصر على فريق المحرق في إحدى المرات، وكان مدرب الفريق (نجيب عبدالقادر) من الطائفة السنية وكان وجوده في بني جمرة كوجود الشخص مع أهله. وكذلك الحال مع مدربي كرة القدم الذين توالوا على تدريب فريق بني جمرة معظمهم كانوا من الطائفة السنية (فيروز ثم سلطان فرج وجمعة بشير) وهؤلاء كانوا يتعاملون مع لاعبي بني جمرة كتعاملهم مع من يحبون، ولم تدخل حساسيات طائفية في الموضوع سوى بعض النكات التي يطلقها البعض بحسن نية وخفة دم، مثل الحديث عن «التحاريم» والأيام المختلفة في العيد وغيرها...
انتكست الأوضاع السياسية في الثمانينات وتبعتها سياسات وممارسات اتخذت على أساس عدم الشعور بالثقة بين الأطراف المختلفة ونتج عن ذلك إحياء لعادات واعتقادات جاهلية تؤمن بالسمو العنصري أو القبلي أو الطائفي، وهي حزازات واعتقادات تعارض مئة في المئة المبادئ الإسلامية السامية التي بشر بها رسول الله (ص) ونشرها في جميع أرجاء العالم...
ومن المؤسف حقا أن تكون بلدان غير إسلامية استطاعت التخلص من كثير من مشكلات العنصرية والتمييز على أي أساس كان، بينما نحن المسلمين مازلنا نتعامل على أسس بعيدة كل البعد عن ديننا. وهذا لا يعني أننا نتغافل عن آلام الواقع وممارسات الماضي واعتبار أن المشكلة غير موجودة، بل ان ذلك يعني أننا ننظر إلى المشكلة من زوايا مختلفة بهدف الوصول إلى حل إنساني لها، مع مراعاة عدم خلق الحزازيات وإثارة الفتن على أساس اثني أو طائفي أو قبلي أو على أساس التجنيس أو على أساس أن هذا رجل وهذه امرأة أو على أساس اللون، إلخ.
نعم، من حقنا بصفتنا مواطنين، وصحافيين، وبرلمانيين أن نسأل السلطة التنفيذية والمسئولين عن معايير التجنيس وممارساته واستثناء فئة أو تفضيل أخرى، ووضع حدود وضوابط ومعالجة ما يمكن معالجته. لكن ما هو مرفوض هو أن تكون هناك لغة أشبه بالتحريض ضد هذه الفئة أو تلك.
إذا كانت الرياضة قد لعبت دورها المميز خلال السبعينات فإن الصحافة يمكنها أن تقوم بدور مماثل هذه الأيام. فالصحافة يجب أن تكون متنفسا معتدلا للجميع، وأيضا محطة لتلاقح الآراء والأفكار البعيدة عن الطائفية والعنصرية. وقد يكون مثل هذا الأمر صعبا بالنسبة إلى من لم يتعود على ممارسة المهنة بأساليب حضارية ولأهداف حضارية، ولكن في كل مجتمع هذه المجموعة هي الأقلية وليست الأكثرية. والخطأ يكمن في السماح لأقلية عنصرية الإمساك بالأجندة السياسية.
إن البحرين الحالية ليست ثقافة واحدة، وإنما عدة ثقافات متداخلة ومتنوعة، وهذا ينبغي أن يعزز قوة المجتمع لا أن يضعفها، مع الحفاظ على الأسس القويمة التي ترعى المجتمع. الثقافات المتنوعة للبحرين قد تنتج لنا مجموعات منفصلة إذا ركزنا على الجوانب السلبية والحزازات، والانفصال النفسي والثقافي ينتج عنه صراع اجتماعي وسياسي.
ما ينبغي المطالبة به هو المحافظة على تراث البحرين وخصوصياته وثقافته وينبغي أن نطالب بالمساواة وعدم تفضيل فئة على أخرى سواء كانت هذه الفئة المفضلة متجنسة حديثا أم أنها من أبناء البلد أبا عن جد. الكل يجب أن يكون سواسية أمام القانون العادل النابع عن إرادة شعبية. وفي حال عدم وجود القانون العادل، فإن علينا السعي إلى تحقيق ذلك، فالنضال السياسي من أجل العدالة لا يتوقف مع وجود العزيمة.
إن انفلات الحديث شرقا وغربا عن موضوع التجنيس وموضوعات أخرى يشغل الساحة وينفع في تحشيد الناس ورفع الهتافات وتسجيل النقاط وينفع أيضا في التفريق، ولكن لا ينفع في حل المشكلات. فهناك من الناس من يعيش على التمييز والتسقيط والتخوين، وهؤلاء يشعرون بفراغهم وبالتالي يلجأون إلى ملء فراغهم بأساليب جاهزة وغير إنسانية في كثير من الأحيان.
البحرين، مع كل المشكلات التي تواجهها حاليا، خطت خطوات واضحة إلى الأمام. ومع كل المؤاخذات هنا وهناك، فإن استثارة المشاعر حول مختلف القضايا، وتجييرها لتحقيق أهداف ربما تكون شخصية، لا تخدم المصلحة العامة ولا تحل أية مشكلة. بل على العكس، فإن التقريب بين النفوس يصبح صعبا وتعود أجواء انعدام الثقة... ويتمترس كل طرف خلف متاريس وحواجز، والنتيجة تكون الصدام.
إذا كنا نهدف إلى التصادم فذاك أمر آخر وينبغي أن يكون واضحا، أما إذا كنا نسعى إلى تقريب الناس من بعضهم بعضا والبحث عن حلول سلمية وإنسانية، فإن الطريق يحتاج إلى العقل أكثر منه إلى المشاعر، ويحتاج إلى تغليب المصلحة العامة بدلا من المصالح الخاصة.
الصحافة تستطيع لعب دورها لأنها القناة التي تصل إلى جميع الأطراف، وعكسها لآراء الجميع يساعد على التقارب ويقلل التنافر
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ