العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ

يوسف الحمدان حينما يشطح!!

أنا المسرح والمسرح أنا

الوسط - حسام أبوأصبع 

تحديث: 12 مايو 2017

ليوسف الحمدان مودة خاصة أحملها له في قلبي منذ سنوات بعيدة، ودائما ما أقدم هذه المودة على أي شيء آخر... لقد كان الحمدان مستهدفا على الدوام من قبل البعض - والله وحده يعلم كم عدد هذا البعض - بل تمادى هذا البعض ليقرن دور الحمدان في المسرح البحريني بدور عبدالله بن سبأ في التاريخ الإسلامي، من إفساد وشق للصف لم تستطع بعد السنوات والعقود والقرون أن تداوي هذا الشرخ العميق الذي أحدثه، وراح البعض الآخر يردد - من دون حياء - أنه ما من سقم أصاب مسرحنا إلا وتجد الحمدان علة وجود هذا الداء... لقد ظلم الحمدان كثيرا حين اتخذه البعض رمزا لكل نقيصة، ربما بسبب حبه المفرط لمسرحه الذي ينتمي له... ومثل هذه الادعاءات تناقض نفسها بنفسها، فمهما تطاولت قامة فلان أو فلان فالعمل الجماعي - والعمل المسرحي هو عمل جماعي بامتياز - لا يلغيه شخص، ولا يقيمه شخص... قلت هذه المودة التي أحملها جعلتني أرفض باستمرار مثل هذه الادعاءات التي تصدر في الغالب عن شخصيات اكتفت في أفضل الأحوال بمهاجمة الآخرين، والتفرج عن بعد، من دون إسهام حقيقي يعتد به... ولكن بعد استماعي وقراءتي لندوة الحمدان التي أقامتها أسرة الأدباء والكتاب مساء الاثنين الماضي والتي حملت عنوانا فضفاضا ربما هو أكبر من المحاضرة نفسها «ذاكرة الحداثة في الخليج والجزيرة العربية» قررت أن أؤخر ما كنت أقدمه من مودة واحترام بحكم الخبرة والتجربة والسن قليلا - لكن المودة موجودة إن شاء الحمدان أو لم يشأ.

حاول الحمدان في محاضرته أن يقوم باللعبة نفسها التي قام بها الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا في روايته «في مديح زوجة الأب» إذ الطفل الذي أراد الانتقام لأمه باستدراج زوجة الأب إلى سلسلة من الأفعال غير الأخلاقية. وكان يوسا في روايته قد استند على شخصية طفل ليراوغ ويراوغ طوال الرواية، ويوهمنا بأن هذه الأفعال غير السوية تقف وراءها شخصية بريئة، لكن الطفل سجل هذه الأفعال في أوراق سلمها إلى والده نهاية المطاف، ليقول له تفضل هذه هي بديل أمي، هذه هي زوجتك التي تحب. وهذا بالضبط ما فعله الحمدان الذي تقمص دور هذا الطفل ليقول للجميع وعلى الملا «أنا المسرح والمسرح أنا» ومن هم سواي مجرد صبية يعبثون، لا يفهمون، مترهلون، إلى غير ذلك من نعوت جعلت الجميع في سلة واحدة، ونفذ هو بجلده... وكأن لسان حاله يبلغ من التطرف حدا يجعله يتجاوز «الآخرون هم الجحيم» إلى «الآخرون هم اللاشيء»... لقد صعقت أذناي مما سمعت في تلك الليلة المشئومة - إذ سبقت هذه الفعالية فعالية أخرى في المتحف الوطني بمناسبة تدشين عدد من الإصدارات الجديدة ضمن مشروع النشر المشترك ليظهر علينا البعض شاهرا دعوة أن بعض الإصدارات تسيء إلينا، وهم ممن تفننوا في الإساءة إلى أنفسهم من دون أن يسيء إليهم أي أحد بالهرولة صوب فتات لا يسمن ولا يغني، وليصبحوا هم الحكم ويوهمونا بأنهم سدوا مسد الزمن لجهة الفرز، ويستعجلوا ملات النصوص التي قد تذهب أدراج الرياح مع نتاجاتهم دفعة واحدة.

لقد أصبت بحال من الهلع ورحت أسأل القاصي والداني، ما الحكاية؟ لماذا يتجرأ البعض وينصب نفسه مكان الزمن بوصفه الحكم الوحيد والفيصل الذي يقطع الحق باليقين، وبشروطه المعقدة التي لم تبق الكثيرين على مستوى العالم... تساءلت حد إضجار الآخرين أليس الحمدان هو نفسه الذي لم يترك شاردة ولا واردة من إنتاج مسرحه الذي ينتمي إليه، إلا وخلع عليه صفات تطاول عنان السماء من ألق والتماع، وأحيانا «تمشخص» و«تمشكك» و«تمحدث» وما شئت... على رغم كون بعض ما امتدح تماما كمديح زوجة الأب، التي سقطت من عين زوجها، ولم تكن تستحق أكثر من هجاء لاذع، أو غض الطرف عنها، وتجاهلها... ما الذي حصل ليأتي أحد المنافحين عن التجربة بالحق وبغيره، ليلغي بجرة قلم مدعيا قيامه بتأريخ وتحقيب لصواريه كل الجهود التي برزت، أو كانت قاب قوسين، أو شاركت، أو تفاعلت، أو أسست، أو أسهمت، وليصبح المسرح بعد أكثر من عقد على تأسيسه مجرد ثلاث أو أربع شخصيات، وعرض مسرحي أو عرضين، وكفى الله المؤمنين القتال. إنها بالضبط «خفة الكائن التي لا تحتمل» وليأذن لنا صاحب الكيتش.

وللحمدان أن يقول ما يشاء عن نفسه... له أن يقول أنا ابن جلا وطلاع الثنايا... له أن يصنف بطريقة فانتاستيكية عجيبة ما يريد ليرى ما يريد... وله أيضا أن يشق عصا الطاعة التي أمسكها بنفسه من دون إيعاز من أحد، له أن يلغي كل شيء ويؤمن بما قام به وحده، وله أن يخلع على نفسه صفات وخصال كبار العارفين من المتصوفة، وله أن يرسخ في ذهنه قناعات - حتى لو كانت قابلة للأخذ والرد والنقاش - ويؤمن بها حد التماهي كمطلقات ثابتة... هذه مسألة لها سياقها يحدث بها من يشاء وقتما يشاء، ولكن المسألة الأخطر أنه حين يظهر على الملأ بهذا الخطاب الذي يتلبسه اليأس من كل شيء، ويقول أنا اللاعب الوحيد، وهذه الزمرة التي اصطفيها هي الحظوة ذاتها، وما دون ذلك إلى أسفل سافلين، فهو ليس من حقه... ولا ينبغي لناقد عركته التجربة، أن يقع في مطب من فقد جزءا كبيرا من ذاكرته فيثبت وينفي على هواه، من دون سند أو حجة واضحة... بعد أن تغنى لسنوات وسنوات بالتجربة التي ينفيها الآن، والأرشيف هنا خير حافظ ودليل على ما نقول، ولمن شاء أن يتزود فأهلا به.

إن مشكلة المزاجية - ولا أحد براء منها - حين تبلغ مبلغا يتنافى مع أبسط موجبات الموضوعية، ويرفل صاحبها في منطقة العمى التأريخي - وهذه هي حدود ورقته - ما يجعلنا نلح على سؤال الزمن ودوره الحاسم والنهائي... لماذا ننصب أنفسنا - من دون تفويض أو تزكية - لنظهر جهارا نهارا ساخطين، ومعلنين البراء من دنس التجربة، التي شكلنا بعض تفاصيلها بأنفسنا، وحملناها معنا في حقائب سفرنا إلى الأمصار والعواصم المختلفة، لنتحدث عن الآليات والاستراتيجيات والتدريبات والمختبرات، والسينوغرافيات، والورشات، والجلسات، والندوات، منظرين مرة، وملفقين مرة، ومتاجرين مرة ثالثة لأنها بضاعتنا الوحيدة التي لا نتقن حمل سواها... لا بل نقيم الدنيا ولا نقعدها لأقل نقد قد يوجه لهذا العرض أو ذاك... ومن دون مقدمات يتحول هذا الحب الأعمى، إلى كره لا بصر ولا بصيرة ترتجى من ورائه.

والمسألة ببساطة قل رأيك وامض... حاكم وانقد وقارن وفاضل ورجح وسفه، ولا تلغ... ولك مني مودة لن تنقطع





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً