كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن التجنيس والمتجنسين الى ان وصل هذا الموضوع ليكون هدفا سياسيا يستغل في المنابر الخطابية البرلمانية وغيرها، والادهى من ذلك ما يلوح به البعض من أساليب ملتوية لاخراج من نال شرف الجنسية البحرينية من وطنهم.
هذه اللامبالاة وعدم الاعتراف بهذة الفئة ووجودها ككيان واقعي في المجتمع البحريني وفي ظل الحياة الجديدة الكريمة التي مهدها لنا جلالة الملك جعلتنا نسمع تقريبا يوميا اصوات اناس كانوا ينادون طوال حياتهم بالديمقراطية واليوم يهينون ويشتمون هذه الفئة فهذا يعتبر تمادا كبيرا على حرية المواطن واستكبارا عن قبول الواقع وقصورا في تقدير المسئولية وعدم علم بما يدور في العالم الخارجي وحتى ما يدور في عالمنا البحريني الداخلي، فإن كان ولابد فليكن الحديث بناء علميا صادقا، فالجنسية رابطة قانونية تتطلب مكونات ثلاثة (شعب وارض وسلطة) تقيد اندماج الشخص الحاصل على الجنسية مع المواطنين بوصفه من العناصر المكونة للدولة التابعين لها. وهي قانونية لأن القانون هو الذي يحكم بقاءها أو زوالها عن المواطن، واشارت المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان إلى ان لكل فرد التمتع بجنسية بلد ما، ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته. والجنسية حق للدولة وحدها، والدولة بطبيعة الحال لها الحق في منح الجنسية أو منعها. والحصول على جواز السفر دليل على تبعية الشخص الادارية للدولة، وهي حق لمن هم من اصول ايرانية مثلما هي حق لمن هم من اصول بلاد الشام والهند والباكستان واليمن وغيرهم من المواطنين الصالحين الذين عاشوا وترعرعوا على أرض البحرين الطيبة.
ومن بديهيات الديمقراطية والتي لطالما نادى بها الكثير انها تعتبر نمط حياة اجتماعي لا يمكن ان يوجد إلا عندما يتمسك افراد يمارسون هذا النمط بمنهج تفكير وسلوك يتواءم وهذه الديمقراطية، وإلا فإنها ستصبح في هذه الحال مجرد صنم من التشريعات التي لا تغني ولا تسمن من جوع. وأول ما يلفت الانتباه في هذا المنهج هو القبول بالآخر، وهو الأمر الذي لم يتمتع به الكثير ممن كانوا اصلا يطالبون به وخصوصا فيما يتعلق بهذه الفئة من المواطنين، والأمر لا يتعلق بسوء تفكير أو سلوك منحرف شمل الحياة السياسية، وانما غلبة العواطف والمشاعر على كل ما سواها إذ أصبح رموز الديمقراطية لا يعرفون سوى لغة الشعر، ولا يطربون سوى للخطابة الجوفاء، ومن ثم لم يعرفوا سوى التعصب الأعمى والانفعال حبا وكرها، والعنف الذي ليس من الضروري أن يكون دمويا على الاطلاق. فمجرد نفي حق الآخر في الوجود وطعنه في وطنيته هو شكل من اشكال العنف، ومجرد كيل الاتهامات لكل من نال شرف الجنسية هو نوع من انواع العنف.
فكل من سعوا أو يسعون إلى التغيير الديمقراطي في البلاد حملوا من الأفكار على هذه الفئة ما اعتبروه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأنهم حملة ورسل الفكر الصحيح فعلى كل الآخرين ان يتبعوهم إلى الطريق الوحيد والصحيح إلى الجنة، ومن ثم فلم يَرَ أي منهم ضرورة لمواجهة جذرية مع ما هو سائد من وعي، بل على العكس استغلوا أسوأ ما في هذا الوعي وتلك الثقافة ليخلقوا اتباعهم المطيعين الذين لم يتعودوا على التفكير والنقد والشك والتمرد والإبداع، والذين لا يعرفون من العلم إلا استهلاك منتجاته، ولا يعرفون من السلوك إلا قهر من هم أدنى وطاعة من هم أعلى.
سؤالنا لهؤلاء دائما نابع من المنطق ومن النوايا الوطنية السليمة، لأية مصلحة يجري هذا التمييز؟ ألم نتعلم من تجاربنا السابقة والتي انزلقت بها البحرين في سراديب الكراهية؟ الم نعان ما فيه الكفاية من كراهية وجود الطائفتين فلماذا نخلق طائفة ثالثة وننشئ عرفا جديدا يكون من الصعب التخلي عنه في المستقبل؟ فالمواطن الذي تشرف بحمل الجنسية البحرينية جزء لا يتجزأ من العائلة البحرينية الواحدة التي أرادها صاحب الجلالة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين إذ قال لهم نعم جميع المجتمع بحريني بجميع اديانه واصوله وطوائفه، وان اي مواطن يحمل شرف الجنسية البحرينية يتحمل مسئوليتها الكاملة مثله مثل اي مواطن بحريني آخر كل ما يشغل ذهنه اليوم هو الاطمئنان على قوته وزمنه ومستقبله مع أفراد اسرته، متمنيا أن تكون الحرية متاحة له للتعبير عن أفكاره وقناعاته مهما اصطدمت بالسائد من الافكار، فمن بديهيات المحافظة على وحدتنا الوطنية ألا يفضل شخص على آخر من دون وجه حق، وينبغي أن يتكاتف أبناء المجتمع الواحد على تحقيق مثل هذه العدالة كبارا وصغارا، فالتهاون في مثل هذه المسألة سيكون كارثة حقيقية تصيب جميع أبناء الوطن من دون استثناء.
ان متطلبات الوحدة الوطنية أن نقر بأخطائنا وأن نعمل سريعا على تلافيها، فالمكابرة لا توصلنا إلى طريق آمن، كما أن التراخي في تحقيقها هو الآخر كذلك فيجب ان نسعى معا وبقوة وإلى سرعة إزالتها، ومن هنا وجب علينا أن نتقبل التغيير وأن نتعايش معه لاسيما نحن أبناء الوطن الواحد.
هذا التعايش يمكن تحقيقه في اطار الوحدة الوطنية، إذا ما عرف كل فرد في المجتمع أن حقه مصان وان أحدا لا يستطيع التعدي على هذا الحق كائنا من كان، هذا الشعور يدفع كل فرد إلى الارتباط الوثيق بوطنه ويدفعه إلى الدفاع عنه بنفسه وماله وكل ما يملك... ويوم أن ينتفي هذا الشعور سنجد أن كل فرد يشعر بالظلم لا يفكر إلا في نفسه وفي كيفية دفع الظلم عنه ولا يفكر في وطنه وحمايته. ولانه مازال هناك افراد... تعميهم عن الحياء امام ضمائرهم وامام الرأي العام ومازال البعض يلعن الآخر ويشتمه بل ويذهب الى أبعد من ذلك حين يطالب بتجريد المواطن من حقه المكفول دستوريا بالمواطنة فهذا ما لم يخلق التفاؤل في مجتمع قد بدأ فعلا في بناء مجتمع ديمقراطي عريق، وانما سيخلق طائفة ثالثة وينشئ عرفا جديدا يكون من الصعب التخلي عنه في المستقبل، فكون المواطن نال الجنسية البحرينية فإنه لا يبرر تمييزه عن اي مواطن آخر فالسكوت عن التمييز في السابق اورث تمييزا جديدا في الحاضر سوف لن يقبله اولادنا والسكوت عنه اليوم سيقود إلى كارثة في المستقبل، وكما يقال الساكت عن الحق شيطان أخرس.
لذلك وتكريسا لوحدتنا الوطنية وحفاظا على حقوق ومشاعر المواطنين الذين نالوا شرف الجنسية البحرينية نتمنى منكم كمثقفين حضاريين يستمع وينصت اليكم العدد الكبير من المجتمع البحريني، مخاطبة هذا النمط من التمييز المنافي للدستور في كتاباتكم وندواتكم بمنطق الوحدة الوطنية، والتي نعلم كل العلم أنها من اولوياتكم دائما
العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ