العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ

كلفة الديمقراطية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما طرح صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مشروعه السياسي الإصلاحي الجريء في نهاية التسعينات، رأى الجميع في ذلك المشروع خطوة شجاعة أخذت على عاتقها وضع حد لآلام ما يزيد على نصف قرن من الزمان عانى فيه شعب البحرين الكثير من إجراءات التعسف. كان نتيجة ذلك المشروع الكثير من الإيجابيات من بين أهمها: إلغاء العمل بقانون أمن الدولة، نجاح التصويت على ميثاق العمل الوطني، وما تلا ذلك من انتخابات المجالس البلدية، وانتخابات مجلس النواب، وتعيين أعضاء مجلس الشورى.

في خضم هذه العملية الواسعة الأفق الطموحة الأهداف، التي تمت في فترة قصيرة نسبيا، لم يتوقف أحد ليسأل نفسه ما هي كلفة هذا المشروع الذي سينقل مملكة البحرين من دهاليز الواقع المظلم إلى رحاب المستقبل الواعد، وعلى الصعد كافة. والمقصود بالكلفة هنا، القيمة المالية المباشرة للكلفة، المبنية على حسابات دقيقة مستقاة من إحصاءات علمية رصينة ومستقلة، تهدف في الأساس إلى الإحاطة بالجوانب المالية المترتبة على هذا المشروع الإصلاحي، الذي لا يكفي فقط الوقوف على جوانبه السياسية فحسب.

في البدء لابد من الاتفاق على أن للديمقراطية ثمن وكلفة ليس في مملكة البحرين فقط، ولكن في كل دول العالم التي تأخذ بالنظم الديمقراطية. وعندما نقول كلفة، فالمقصود هنا كلفة إضافية تمخضت عنها عملية دمقرطة المجتمع أو بالأحرى هي عملية إضافة مالية مستمرة طالما استمر العمل بالنظام الديمقراطي.

هذا ما أشار إليه بوضوح الرئيس الإفريقي بنجامين مكابا في الخطاب الذي ألقاه أمام مؤتمر الرابطة البرلمانية لدول الكومنولث المنعقد في دار السلام بتنزانيا خلال العام 1997، حين قال «وفي حالتنا لابد من الاعتراف بأن الديمقراطية باهضة الثمن، وبحاجة إلى اقتصاد متين للحفاظ عليها. لقد دفع الفقر بلداننا إلى أن تعتمد على المساعدات الخارجية من أجل إجراء الانتخابات. لقد ساهمت التبرعات بحوالي 30 في المئة من كلفة الانتخابات التي جرت في تنزانيا في العام 1995.

وطالما أن ممارسة مثل هذا النشاط ذي القيم والانعكاسات المهمة يعتمد على التبرعات، فلا ينبغي أن نستغرب تجاوز البعض الحدود المتعارف عليها، ومحاولته أن يحدد بشكل مسبق نتائج الإنتخابات، أو يحاول أن يفرض بعض الشروط غير المقبولة. إن النضال ضد الفقر ومن أجل خدمات تعليمية وصحية أفضل هو جزء من مشروع نضالي أكبر يسعى إلى خلق بيئة من أجل الديمقراطية، ومن أجل المزيد من المساهمة الشعبية في إدارة شئون البلاد. هنا إشارة جلية بشأن الكلفة الإضافية أولا، وللعلاقة بين الاقتصاد المتين وضمان الحفاظ على الديمقراطية واستمرارها ثانيا.

هذه الكلفة يؤكدها الكثير من الساسة الذين قادوا برامج جريئة مثل ذلك الذي دشنه ولايزال يقوده صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. ففي خطاب ألقاه الرئيس النيجيري أولسغان أوبسانجو في لقاء له مع نخبة في جامعة هارفرد قال: «هناك مشكلة أساسية واحدة تواجه الديمقراطية، وخصوصا في الدول الإفريقية النامية، وهي أن الديمقراطية مشروع باهض الكلفة، فبعيدا عن الثمن الباهظ الذي يحتاج إليه تمويل بناء مستويات متعددة من الحكومة، فإن الديمقراطية مكلفة بحكم طبيعتها. ذلك أنها تسعى إلى تحقيق الكثير من الأهداف في آن واحد. فالنظام التسلطي غير مجبر، على سبيل المثال، أن يعير اهتماما لتقييم الانعكاسات البيئية قبل الموافقة على مشروع صناعي. لكن الديمقراطية، وبشكل دائم تقيس القيمة الاقتصادية بمقارنتها مع اعتبارات أخرى من بينها حقوق وربما أمزجة المواطنين، الذين يمكن أن يقفوا ضد أهداف وفوائد سياسة تنموية». ثم يشير الرئيس النيجيري إلى العلاقة المتكاملة المطلوب بنائها بين القطاعين العام والخاص من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية، وضمان فعلها في المجتمع فيقول في الكلمة ذاتها «إن إدارتنا، من جانب آخر، مصرة على بلورة نظام ينحصر فيه دور الحكومة على التوجه بشكل رئيسي نحو سن القوانين والتشريعات، وإدارة المؤسسات القضائية، وضمان الحفاظ على الأمن، وبناء الهياكل التحتية. بالمقابل أن يترك للقطاع الخاص ممارسة دور الآلة الرئيسية للنمو والتطوير». أما في الولايات المتحدة فقد جاء في ورقة من تأليف كلارينس تشيتري أصدرها معهد الدراسات الأمنية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أن انتخابات الرئاسة الأميركية للعام 2000 كلفت الخزينة الأميركية ما قيمته 67,7 مليون دولار لكل من ممثلي الحزبين الرئيسيين المتنافسين على الرئاسة: بوش وآل غور، في حين تحمل القطاع الخاص حوالي 6 ملايين دولار لتغطية نفقات الحملات الانتخابية لمختلف الأحزاب المتنافسة على الرئاسة في العام ذاته.

وجاء في الورقة ذاتها أن كلفة الحملات الانتخابية التي عرفتها جنوب إفريقيا خلال العام 1999 بلغت حوالي 54 مليون راند. أما كلفة الانتخابات الرئاسية في مالي التي جرت في أبريل/ نيسان من العام الماضي، فقد بلغت حسبما أوردتها هيئة الإذاعة البريطانية على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية إسماعيلية يورو ديكو حين قال: «لا أحد يستطيع التكهن كم ستبلغ كلفة الإنتخابات، لكنها ستفوق من دون شك مبلغ الـ 30 مليون دولار الذي صرف على انتخابات 1997. وعلى رغم كل تلك الكلفة الباهظة، فقد قاطعت المعارضة انتخابات 1997. وحاليا تحاول الوزارة أن تتجرع كلفة تمويل حملات انتخابات 24 مرشحا تبلغ كلفة كل واحد منهم 300 دولار. وتشمل الكلفة ثمن طباعة استمارات التصويت، وكلفة ضمان حضور ممثلي المرشحين في أماكن صناديق الاقتراع، ومراكز فرز الأصوات». ويضيف «لقد وافقت الدول التي ستمول عملية الانتخابات على المساعدة في تحمل المصاريف غير المنظورة، وعلى وجه الخصوص مبلغ الـ 7 ملايين دولار لتغطية نفقات الـ 24 مرشحا». ويكشف الجدول أدناه كلفة الانتخابات في عدد من الدول المتقدمة والنامية، كما وردت في دراسة ديفيد بوتييه المعنونة بـ «ديمقراطية التعددية الحزبية في جنوب إفريقيا» والتي قدمها إلى مؤتمر: ترويج ديمقراطية انتخابية مستمرة في جنوب إفريقيا، المنعقد في بوستناوا في الفترة بين 8 إلى 10 مايو/ أيار 2000.

من هنا لابد أن ندرك أن هناك ثمنا لابد للجميع أن يتحمله من أجل الحفاظ على هذه المكتسبات التي حققها المشروع الملكي، بغض النظر عن تقييمنا لدرجة ديمقراطيتها. فهي من دون شك خطوة للأمام مقارنة مع الأوضاع السابقة. لكن كما تعلمنا دروس التاريخ، فإن المحافظة على المكاسب وضمان استمرارية عملها، ليست عملية أكثر صعوبة من الحصول على تلك المكاسب فحسب، ولكنها أكثر كلفة أيضا.

لذلك فلعل المجلس بشقيه: النواب والشورى، هم أكثر الناس مطالبة بوعي هذه المسألة، بوصف كونهم على رأس قائمة كلفة دمقرطة البحرين، وهم أول المستفيدين مباشرة من الحالة السياسية التي انتقلت المملكة إليها، ومن ثم لابد لهم من التمسك بها والحفاظ عليها وتطويرها بما يعود بالمكاسب على عامة الناس وسوادهم.

وبالقدر ذاته لابد للقطاع الخاص أن يدرك تلك العلاقة بين المساهمة في الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو والتطور، وبين استمرار العملية الديمقراطية والحؤول دون أية تشوهات من المحتمل أن تلحق بها.

أما الدولة فهي أكبر المستفيدين من هذه العملية الشاملة التي متى ما استمرت وتعززت أركانها، تحقق الاستقرار وتلاشت أسباب ومبررات التقلبات السياسية. ونترك للدولة وحدها تحديد المساحة الضرورية المطلوبة التي تريد أن تساهم من خلالها في عملية التحول هذه

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً