قد يختلط الأمر على بعض الآباء فلا يفرقون بين الحزم والشدة في التربية وبين القوة والضرب والتعذيب، فتغلب على علاقتهم بأولادهم أساليب الاهانة والتجريح والتحقير باليد واللسان معا اعتقادا منهم بانها الطريقة المثلى لتربيتهم، اذ تعودهم على الشدة والحزم... الخ.
فما إن يرتكب الطفل خطأ يخالف فيه ارادة والده حتى ينهال عليه بالصفع والركل مهما كان الطفل صغيرا حتى وان كان الخطأ غير متعمد وتستمر طريقة العنف هذه كوسيلة لالتزام الأبن بالخضوع والطاعة لأوامر والده. والمصيبة أكبر اذا اتخذ الوالدن معا العنف والارهاب التربوي شعارهما في تنشئة صغارهما، فتخرح الأم لساعات طويلة من البيت تاركة صغارها يعانون من الجوع والوحدة بعد ان تغلق الأبواب عليهم حتى تعود إلى البيت بعد فترة من الزمن بطبعها الحاد فما ان تقع عيناها على آنية مكسورة أو زجاجة ملقاة على الأرض حتى تنفجر في ثورة عارمة تؤدي كل ما تطوله يدها ولسانها من اطفالها الصغار... وقد لا تكون الأم عنيفة كالأب ولكنها سلبية متفرجة تخشى أن ينالها من القسوة ما ينال صغارها فتقف بلا حول ولا قوة مكتفية ببعض الكلمات المهزومة بعد ان ينهي زوجها رحلة التعذيب من صغارها في وقت يجب ان يكون فيه موقف الأم حازما تدافع وتحمي وتضم صغارها مبتعدة بهم حتى لا يصل إليهم بطش وظلم والدهم. إن الأب الذي يعمد إلى هذا الاسلوب في تربيته لاولاده يحطم كيانه ويعذبه ويمحو شخصيته فينشأ ضعيفا هشا سلبيا اعتماديا لا يقوى على الاعتماد على نفسه بل يبقى طوال حياته مرتبطا بسلطة والده وجبروته، فقد جرد منذ الصغر من أي حق يعطيه صلاحية إبداء الرأي أو المناقشة أو حتى الدفاع عن نفسه. وقد يرى بعض الآباء أن أسلوب الاهانة والتجريح والقذف الكلامي أهون من استخدام العصا. والحقيقة عكس ذلك ان الأيذاء النفسي اشد ألما وأكثر ضررا إذ يمتد الى قتل النفس والروح معا. أما الضرب الجسدي ربما ينساه الابن بعد فترة اذا زال الألم ولكن الكلمات الجارحة القاتلة لاحاسيس الفرح والكرامة يمتد ألمها ويستمر في اعماقه فيشب مضطرب الافكار ممزق الاحاسيس تتقاذفه الحيرة والشك في تعليل اسباب قسوة والده عليه. حتى تصاب عواطفه بالشلل التام لكثرة ما عاناه من الرعب والسيطرة.
إن هذا الاسلوب في التربية خاطئ جدا ومن دون نقاش ينعكس على تصرفات الابناء وسلوكهم فيتخذون العنف والعدوان مسلكا في تعاملهم مع الآخرين بل مع إخوتهم الصغار مقتدين بأبيهم مقلدين اسلوبه في التعامل والتربية وتصحيح الخطأ... ويحملون مشاعر الخوف والعداء والتهديد أسلوبا لتربيتهم.
ونحن إذا حاولنا تتبع هذا النوع في الاسر العنيفة في تربيتها سنعرف أن الأب قد نشأ وتربى على العنف وبالعصا وانه مازال وحتى بعد أن أصبح ربا لأسرة يفتقر إلى الحب والحنان ويحتاج دفء العواطف والاهتمام وبات يشعر بان كل ما حوله من العواطف والاحاسيس زائف، هذا من جهة ومن جهة الاخرى قد يعاني الاب من مشكلة أخلاقية انحرافية. فكيف لانسان يهب لغيره ما هو بحاجة ماسة اليه. وفاقد الشيء لا يعطيه، أضف الى ذلك انخفاض مستوى التعليم وانتشار الجهل والتخلف الفكري الذي يعاني منه بعض الآباء فلا علم ولا أخلاق ولا لين فكيف يستطيعون تربية أطفالهم وتأديبهم وتوجيههم بغير العصا؟.
أما الدور الذي تلعبه أفلام العنف والاستهتار في العملية التربوية فذاك شأن آخر... إن عملية تربية كهذه يجتمع فيها التعطش للحب والاحترام مع الجهل والفقر والتخلف لا يمكن أبدا أن تثمر الا القسوة والبطش والتعذيب. فإلى الآباء أقول: إن تربيتكم لأولادكم يجب أن تتم بهدوء وتعقل وصبر وتفكير فانتم تحتاجونهم في الكبر كما يحتاجونكم الآن في صغرهم فاجعلوا مخزونهم من الحب والحنان والولاء يفوق حاجتكم في الشيخوخة. فاحسنوا اليهم الآن وهم صغار ليبروكم وانتم كبار يتدكرون حنانكم وعطفكم فيعطفون عليكم ويلمسون رعايتكم وعنايتكم فيردونها اليكم مضاعفة، فالحب يولد الحب والقسوة نتيجتها العقوق والهجران
العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ