العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ

مهمة جديدة... واحتمال آخر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أضاف وزير الخارجية الأميركي كولن باول مهمة جديدة لأسباب الحرب على العراق بقوله علنا إن الحرب قلبت موازين القوى في «الشرق الأوسط» والخليج، وازالت تهديد العراق لأمن «إسرائيل». فالحرب بقوله أسهمت في تعزيز امنها وغيرت مسار المعادلة وساعدت على تعزيز دورها وموقعها. هذا التصريح الأميركي يكشف بعض الأهداف الحقيقية للحرب على العراق. وفي كل مرحلة سيكشف الوقت الكثير من الأمور الخفية التي كانت لم تعلنها واشنطن في بداية استعدادها للهجوم. ويُتوقع مع مرور الأيام أن تظهر إضافات جديدة تلقي الضوء على الكثير من الجوانب التي كانت الدول العربية تعرفها ولكنها ترددت في إعلانها خوفا من اتهامها بـ «السامية» وحتى لا يقال إنها تنسب الاستراتيجية الأميركية في دائرة «الشرق الأوسط» الى دور خفي يلعبه اللوبي اليهودي الناشط في إدارة البيت الأبيض. كلام باول في هذا الإطار يشير الى جانب صحيح من الحرب المفتعلة على العراق. هذا لا يعني ان الحرب صهيونية وحرضت عليها «اسرائيل». انها في النهاية استراتيجية أميركية خطط لها الحزب الجمهوري منذ وصوله الى رئاسة الإدارة وعمد الى نشرها قبل حصول ضربة 11 سبتمبر/أيلول 2001. وحين حصلت الضربة بدأ تنفيذ تلك الاستراتيجية الكبرى في العالم واختيرت منطقة «الشرق الأوسط» نقطة انطلاق لاختبار مدى فعالية تلك الاستراتيجية وحدود نجاحها اقليميا ودوليا.

اللوبي الاسرائيلي لعب دور المحرض والمشجع لأن «إسرائيل» في النهاية هي الطرف المستفيد من كل خطوة أميركية تضعف العرب. وكل ما يصيب الدول العربية من مكروه يعتبر نقطة ايجابية لمصلحتها، إذ تتعزز امكاناتها وقدراتها وتصبح في موقع الأقوى ويعطيها المجال الواسع للمناورة والتهرب من تنفيذ القرارات الدولية التي تقضي بانسحابها من الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة.

كلام باول أصاب المنطقة الحساسة من المشكلة المزمنة، وأوضح بعض الجوانب التي كانت إدارة بوش تخفيها مع ان الدول العربية تعرفها، وتعلم مدى النفوذ الذي يلعبه اللوبي المؤيد لـ «إسرائيل»، ومطلعة على نسبة التأثير القوي الذي يقوم به اللوبي المذكور في صوغ الاستراتيجية الأميركية في «الشرق الأوسط». فواشنطن كما هو معروف تتبع استراتيجية واحدة ومتشابهة في كل العالم باستثناء منطقة «الشرق الأوسط» والدائرة الواسعة التي تحيط بها من باكستان الى موريتانيا، فإنها دائما تميل الى أخذ مصالح «إسرائيل» في الاعتبار حتى لو جاءت أحيانا على حساب مصالح الولايات المتحدة.

هذا الاستثناء الاسرائيلي لا يعني ان مصالح أميركا في «الشرق الأوسط» والخليج متطابقة في جوهرها مع مصالح «إسرائيل». فالتشابه قوي إلا انه لا يصل الى حد التطابق. فـ «إسرائيل» مثلا غير قادرة على خوض «حروب دائمة» وكبيرة في أكثر من مكان وضد ثلاث دول دفعة واحدة. أميركا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع فعل هذا الأمر. و«إسرائيل» لا تستطيع ان ترصد 40 مليار دولار للحرب على افغانستان، ثم 80 مليارا للحرب على العراق، وترسل في الآن نفسه ما يزيد على 300 ألف جندي للقتال في مناطق مختلفة في وقت واحد. هذه المهمات الكبرى تحتاج الى دولة كبرى مثل الولايات المتحدة للقيام بها. و«إسرائيل» هي من الدول التي تستفيد بالنيابة أو بالوكالة من حروب أميركا من دون ان تتدخل او تدفع الثمن. و«إسرائيل» هي من تلك الدول التي تحرض وتورط واشنطن في حروب صغيرة حتى تكسب في النهاية بعض المال (القروض) والسلاح وايضا المزيد من الوقت للتهرب من تنفيذ الوعود والتعهدات. هذه الحكايات معروفة للدول العربية وسبق ان قالتها وكررتها مرارا الى درجة اتهمت العواصم العربية بأنها مصابة بداء «الفوبيا الاسرائيلية» لكثرة ما رددته عن دور خاص يقوم به «اللوبي الصهيوني» في رسم سياسة الولايات المتحدة في «الشرق الأوسط».

وفي موازاة الحكايات العربية عن الهيمنة الاسرائيلية على الإدارة الأميركية كان هناك النفي الدائم من إدارات البيت الأبيض لوجود مثل هذه الهيمنة أو مثل هذا الدور.

واستمر التأكيد العربي والنفي الأميركي حتى اندلاع الحرب على العراق. فكل تصريحات المسئولين في إدارة البيت الأبيض كانت تشير الى عكس ما كان يردده الكثير من المسئولين العرب عن التحريض الذي يلعبه اللوبي لتوريط أميركا في المعركة. وأكثر من كان يصر على نفي التهمة تلك المجموعة الشريرة التي تسيطر على مبنى «البنتاغون». فالمجموعة المذكورة كانت تؤكد أميركية الحرب وانتفاء أية مصلحة «اسرائيلية» في الموضوع مع ان المحللين أشاروا مرارا الى ان ضرب العراق سيؤدي الى إحداث خلل في موازين القوى تستفيد منه «إسرائيل» ويشجعها على معارضة التسوية والاصرار على الاحتلال والحرب. لاشك في أن الحرب أميركية وهناك جملة أهداف تريد واشنطن تحقيقها دفعة واحدة منها النفط والسيطرة على منطقة استراتيجية وتحسين مواقع الولايات المتحدة في مواجهة المنافسة الأوروبية المقبلة... وأيضا تطمين «إسرائيل» وضمان أمنها ومصالحها تحت المظلة الأميركية.

الحرب على العراق في النهاية أميركية، وإن تمت بتحريض اللوبي الاسرائيلي وبتشجيع منه. وأهداف الحرب الكبرى أميركية وان استفادت «إسرائيل» من نتائجها العسكرية وما جلبته من كوارث سياسية للدول العربية. فتل أبيب هي الطفل المدلل والثقيل الدم في إدارة البيت الأبيض وتستطيع الشغب والعناد والتطاول أحيانا على مصالح الأب الذي تكفل بالعناية على مختلف درجاتها ومستوياتها. وفي هذا المعنى، وكما قال باول، ربحت «إسرائيل» من الحرب الأميركية على العراق، وكسبت معركة من دون ان تكلفها سوى الكلام عن التحالف الاستراتيجي مع واشنطن. كل هذه الأمور معروفة وتدركها الدول العربية ويعلمها كل من تعاطى شئون السياسة في «الشرق الأوسط» حتى التيار الذي يصر على تجاهل هذه الحقائق يعرف في قرارة نفسه ان «إسرائيل» هي الطفل المدلل والثقيل الدم في معظم إدارات البيض الأبيض.

السؤال، لماذا أعلن باول هذا الهدف الآن، وأضافه الى سلسلة مهمات من نوع «أسلحة الدمار الشامل» أو «تحرير الشعب العراقي من الاستبداد»؟

هناك أكثر من جواب. ربما المقصود توجيه رسالة واضحة وسريعة للشعب الأميركي الذي بدأ حماسه يخف للحرب بعد ان اكتشف الأكاذيب عنها. فالقول إن الحرب خدمت «إسرائيل» ربما يعطي بعض المنطق لمعركة فارغة من مضمونها المالي لدافع الضرائب الأميركي.

هذا احتمال. والاحتمال الآخر ربما يكون باول يوجه كلامه الى رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون الذي لايزال يعاند السياسة الأميركية ويماطل ويتهرب من مسئولياته والتزاماته في تنفيذ القرارات الدولية. فالكلام كأنه يقول لقد ضربنا العراق وسيطرنا على المنطقة والدول العربية «لا حول ولا قوة» لها. ونحن الآن أسياد «الشرق الأوسط»، فماذا تريدون أكثر من ذلك؟ هذا مجرد احتمال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً