ذكرت محطة التلفزة الألمانية الثانية (زد دي أف) بأن الحرب في أفغانستان لم تنته بعد، كذلك فإن العمليات العسكرية الهادفة للقبض على زعيم منظمة «القاعدة» أسامة بن لادن ما زالت مستمرة. الرأي العام الألماني مهتم بتتبع التطورات في أفغانستان إذ يعمل 2500 جندي ألماني في مهمة (إيساف). وحتى الآن لم يمنع سقوط قتلى في صفوف الجنود الألمان من المطالبة بسحب القوات ويجري الحديث عن انتشار جنود ألمان في هرات القريبة من الحدود الإيرانية في مسعى لتوسيع مهمة (إيساف) وانتشار جنود دوليين في سائر المناطق الأفغانية بعد أن انكفأت (إيساف) على نفسها في كابول حرصا على حياة الجنود الدوليين. وكان أربعة جنود ألمان عادوا في صناديق خشبية إلى بلدهم حين تعرضت سيارة مفخخة لحافلتين مطلع هذا الشهر الجاري.
ضمن تقرير إخباري عرضته محطة «زد دي أف» الخميس الماضي، رافق فريق تلفزيوني ألماني فرقة أميركية تعمل في البحث عن أسامة بن لادن.هل شاهدتم أسامة بن لادن؟ بصوت جهوري صدر عن الجندي الأميركي صاحب الرأس المحلوق ونظارة شمسية تخفي نصف وجهه وأمامه نفر من سكان قرية أفغانية تقع على مقربة من الحدود مع باكستان. يضيف صاحب الصوت: أنا الكابتن كيت باركر. أتينا إليكم أصدقاء. السلام عليكم: يسود صمت ثم يكرر الجندي الأميركي سؤاله متوقعا صدور رد فعل: هل رأيتم أسامة بن لادن؟
اسم القرية، سبن بولداك، في هذا الجزء المتوحش من جنوب شرقي أفغانستان، يحصل المرء على الشعور أن الحرب لم تنته بعد. كل يوم تقريبا، تخرج عناصر «طالبان» من مخابئهما وتهاجم الجنود الأميركيين. أنه الأسلوب الذي استخدمه المجاهدون الأفغان في الحرب ضد الاحتلال السوفياتي وانتهى بهزيمة القوة العظمى السابقة وسحب قواتها من أفغانستان تاركة الأطراف المتنافسة على السلطة تتناحر قبل أن تحسم «طالبان» معركة النفوذ لصالحها إلى ان دحرهم الأميركيون.
على الحدود الأفغانية مع باكستان، يواصل التحالف العسكري الدولي عمليات البحث عن بن لادن وتحصل مواجهات مسلحة. في هذه المنطقة يجري تمشيط القرى بحثا عن فلول طالبان و«القاعدة» أملا في أن يتم التوصل إلى مكان بن لادن. كل جندي يعرف أنه سيدخل التاريخ إذا ألقى القبض على أسامة، الرجل الذي يطالب الرئيس جورج بوش برأسه، وتطالب به أميركا بأسرها. منذ عامين تبحث أميركا عن أسامة وتحول الكابتن كيت باركر من جندي إلى صائد رأس قادة «القاعدة»، كغيره من فرق البحث العاملة في أفغانستان.
يعد باركر رجال القرية بمكافأة مالية مجزية مقابل الحصول على معلومات ترشد إلى مكان أسامة، لكنه لا يقول كلمة واحدة عن المكافأة التي وضعتها الولايات المتحدة وقدرها 25 مليون دولار مقابل الحصول على رأسه. فهل يريد باركر الاحتفاظ بالمكافأة الكبيرة لنفسه؟ يقف إلى جانبه مترجم أفغاني يحاول جاهدا إخفاء وجهه بعمامة ونظارة سوداء بينما نساء القرية اللواتي يتابعن عملية الاستجواب بدهشة. وقال باركر للمترجم: قل لهم إننا لا نريد التسبب بأي أذى لهم وأننا هنا لمساعدتهم.
35 أسرة تعيش في قرية سبن بولداك التي وقف الجموع فيها يتفرجون على باركر وهو يدون ملاحظات بمعونة المترجم: من هو مختار القرية؟ يتقدم رجل طاعن في السن. اسأله ماذا يعرف عن رجال المقاومة وما إذا كانوا يأتون إلى هنا من باكستان لإثارة أعمال الشغب؟ يسود المكان صمت تام، يقطعه حركات بعض الرجال بتصحيح العمامة وينظرون إلى وجوه الغرباء من دون تعليق ثم تصدر إجابة محبطة للعزائم من قبل المترجم الأفغاني: لا أنهم لا يعرفون شيئا. لكن لا يبدو أن باركر يصاب باليأس بصورة سريعة ويكرر سؤاله للمترجم: قل لهم إنه من المهم جدا أن نعمل على وقف المعارك حتى نحرر أفغانستان من «الإرهابيين» ونحقق التطور المنشود في هذا البلد. يضيف: قل لهم أيضا إنه ليس بوسعنا تحرير البلد من دون مساعدتهم وفي حال توافر معلومات عند رجال القرية، بوسعهم المجيء إليّ في معسكر قندهار واطلب منهم السؤال عني وبوسعهم أن يقصدوني ليلا ونهارا.
يحاول الجندي الأميركي استدراج رجال القرية ويسأل إذا كان لديهم علم بتهريب أسلحة داخل القرى أو رسائل تحض على مقاومة جنود الاحتلال التي تسربها طالبان ثم يعود باركر ليكرر سؤاله الأول: هل رأيتم أسامة بن لادن؟ يحاول وصفه لهم: أنه طويل القامة مثلي له لحية من السهل التعرف عليه. مرة أخرى لا يحصل باركر على إجابة. قبل يوم تم تبادل إطلاق النار قرب المكان وقتل نحو سبعين شخصا. سبن بولداك مكان خطر على الأميركيين الذين يعتقدون أن أسامة بن لادن لجأ فترة طويلة لهذا المكان بعد اجتياح قوات التحالف أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول العام 2001 ويبحثون منذ ذلك الوقت عنه عبثا.
على رغم القيمة العالية لمكافأة الإرشاد لمكان بن لادن فإن أحدا في هذه المناطق لا يذكر كلمة واحدة تساعد الأميركيين في مهمتهم ويقول جندي أميركي: إننا على ثقة أنهم يعرفون شيئا عن أسامة بن لادن لكنهم لا يريدون تقديم معلومات لنا. هذا الجندي واثق أن حمير القرية تعرف مكان زعيم «القاعدة». آخر مرة حاول الأميركيون الاقتراب من سبن بولداك بدباباتهم، تعرضوا إلى وابل من الحجارة وأجبروا على التراجع. لهذا يشعر باركر بالفخر لأنه استطاع دخول وسط القرية لكنه عمليا غادرها خالي الوفاض ومن دون معلومة واحدة ترشد لمخبأ أسامة. فيما أعلن وزير الدفاع الأميركي نهاية الحرب في أفغانستان. لكن باركر الذي ينتمي إلى فرقة «إيربورن» يرى الأمور من منظار آخر قال: إن رامسفيلد قال نصف الحقيقة. الحرب ما زالت مستمرة في أفغانستان. جالسا في مكتبه في قندهار بعد ساعات راح يختار عباراته بحرص شديد: إننا لا نواجه جيشا نظاميا في هذا البلد مثل الأمر في العراق، إننا نواجه فرق كوماندوس يتقن أفرادها الاختفاء عن الأنظار، إننا نحارب عدوا صعبا للغاية.
يبدأ يوم الجنود الأميركيين في المخيم العسكري بأن يذكر الضابط أسماء الجنود مغبة اختفاء أحدهم يتبع ذلك صلاة ثم تنقلهم طائرات مروحية إلى مواقع جديدة بحثا عن أسامة وفلول طالبان و«القاعدة». وقبل وقت قصير طوقت طالبان قوة أميركية ورمتهم بالرصاص والقنابل وسقط قتلى في صفوف الجانبين. الآن عاد الأميركيون إلى المكان نفسه لمحاسبة المسئولين عن حمام الدم الذي لحق بهم. وقال ضابط أميركي: إننا نعرف أن جميع الرجال هنا يعملون مع طالبان أو على الأقل يقدمون لهم المساعدة، لكنهم يوحون بأنهم لا يعرفون شيئا ونحن لا نصدقهم.
أصبح الجنود الأميركيون يستخدمون أساليب شرسة خلال عمليات البحث وأحيانا يخلعون أبواب المساكن وهي أساليب تدفع السكان للانقلاب عليهم وعدم كسب أصدقاء في صفوف الأفغان. وقاموا هذه المرة باعتقال عدد من الرجال وقيدوا أيديهم وراء ظهورهم وأجلسوهم أمام جدار بينما وقف جندي أميركي على أهبة الاستعداد لاستخدام رشاشه.
تحط طائرة مروحية، تحمل المعتقلين الذين لم تصدر منهم كلمة واحدة وتختفي بهم عن الأنظار. فجأة يداهم الجنود منزلا ثم يرمي ثلاثة منهم بأنفسهم على شاب في مقتبل العمر، يقيدونه بينما يصرخ بكلام غير مفهوم. يقول المترجم: إنه يقول إنني لا أعرف شيئا.
قائد الفرقة باركر يبلغ القيادة في قندهار رسالة مهمة: لقد قمنا بعمليات ناجحة ضد الإرهاب... انتهى
العدد 300 - الأربعاء 02 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الأولى 1424هـ