عندما يخيم الصمت على الحياة الزوجية وتتحول جلسات الزوجين إلى أشبه بدميتين تتقاربان من بعضهما لمجرد احساسهما بصقيع بالغ البرودة بطيء الانفاس وتنفصل الارواح عن بعضها إلا من صمت رهيب مخيف يلف المكان ويخيم ثقيلا على جلساتهما. والحقيقة ان معظم الازواج يفقد القدرة على الحوار بعد فترة من الزواج قد تطول أو تقصر ويتحول إلى رجل صامت وان كان في صمته يثرثر ويقول الكثير ولكنه لا يشرك زوجته فيما يدور في اعماقه وما يفكر فيه... اسئلة كثيرة تدور حول هذا الانفصال الفكري الروحي بين الرجل وزوجته قد يعلله البعض بضيق الوقت أو الارهاق اليومي وما يبذله الرجل من مجهود في العمل أو ربما ايقاع الحياة السريع الذي لا يترك مساحة من الوقت لخلق الحوار فيلوذ الرجال بالصمت للاستمتاع بلحظات من هدوء الاعصاب تستقر بها افكارهم وتهدأ بها نفوسهم ولكن الزوجة هنا تضطرب وتنفعل وتتقاذفها الحيرة والشكوك وألف علامة استفهام تعبر امامها تطلب تعليلا لصمته المطبق، تتمنى لو تغوص إلى اعماق نفسه لتعرض اسباب هذا البرود المنهك... تقول صديقتي المتعلمة المثقفة الواعية: لقد تزوجت بعد حب دام سنين كنا خلالها نتجاذب أحلى الاحاديث ونتبادل أجمل العبارات، وفي السنة الأولى لزواجنا كانت الحياة بيننا شهر عسل خيّل إليّ أنه لن ينتهي. ولكن وللاسف الشديد بعد فترة قليلة تغير كل شيء واصبحنا كالغرباء وتحول زوجي إلى عالم منفصل بعيد غريب عني فلا اعرف عنه حتى القليل، يصمت ساعات طويلة ولا ينطق لسانه بالاحاديث البارعة الجميلة الا بحضور الاصدقاء. لقد خيم الصمت على جلساتنا إلا من بعض الاحاديث العابرة اناقشها وحدي عن البيت والأطفال والموازنة... الخ، حتى اذا أثرت بعض الحوار اثناء تناولنا الطعام وفي اعتقادي بانه وقت مناسب للحديث كانت اجاباته أكثر من مختصرة... عبارة عن اشارات برقية عليّ تحليلها وترجمتها... لقد فقدنا حلو الكلام ودفء الاحاسيس وأصبحت اشعر بغربة ووحدة مخيفتين وانا معه.. انني اعاني من مشكلة خطيرة تفقدني السيطرة على هدوء اعصابي.
يا صديقتي... لا تصدري حكما قاسيا متهورا على زوجك فأنت تقولين: «الصمت في جلساتنا» وهذا يعنى ان هناك جلسات بينكما ولكنها صامتة. اقتربي منه أكثر ودعك من وساوس الشيطان فمسئوليات الحياة المتضخمة وإيقاعها المتواتر المجنون الذي نعيشه، أو يعيشه الازواج يدفعهم إلى الجري السريع في اتجاهات مختلفة وشاقة بغية تحقيق الأمن المادي لأسرهم، افكارهم مضطربة ومشوشة باستمرار فاذا عاد إلى البيت سكنه الهادئ الأمين آثر الصمت على الحديث عله يلتقط انفاسه ويستجمع قواه لبداية يوم آخر جديد. إن الحوار الزوجي - يا صديقتي - لا يعني صب شحنة من الهموم والمتاعب فوق رأسه حين يعود، فالحديث بين الزوجين يتضمن تبادل الخبرات والافكار وبذل الجهد في إدارته ليكون ايجابيا مثمرا.
قفي سيدتي بتأمل وارسمي خطة حوارية ناجحة تذيب الجليد من حولكما، خطة عمل مدروسة بدقة وتعقل وقبل فوات الاوان، تجدد الحب بينكما وتعيد للحياة نبضها وحيويتها. فاذا كان زوجك من محبي الرياضة فشاركيه هوايته واخرجي معه سيرا على الاقدام لتبقي بقربه والتحدث اليه حتى لا تنفصل افكار كل منكما عن الآخر، اجعليه موسوعتك العلمية. وادخلي عالمه المعرفي والثقافي وتحسسي ميوله الفنية واعرفي قراءاته، وثقفي نفسك بكل ما يعرفه ويستهويه حتى تكوني على مستوى زمالته الفكرية.
ان المعرفة والثقافة - يا سيدتي - جامعة تسعكما معا فيصبح كل منكما جزءا فعالا في حياة الآخر. وابتعدي بالدرجة الأولى عن الحوارات المغلقة بهواية التطفل والفضول التي تشبعين من خلالها ميول السيطرة واقتحام خصوصياته أو الهدف منها التحقق من شكوك ووساوس تراودك. لتكن أسئلتك منصبة على ما حققه من انجازات في عمله وما يفكر فيه من مشروعات لمستقبله إذ تثبتين له أن اهتمامك به يفوق كل اهتمام لديك. تحدثي بايجابية كي تساعديه على حل مشكلاته بقدر ما تستطيعين، ليشعر بمشاركتك الفعلية والعقلية من خلال معاونتك على تخفيف ما يعانيه من الهموم، وحاولي دائما الا يكون الحديث بينكما مكررا بل اعيدي إلى ذهنه احاديث الود والصفاء والعاطفة الصادقة ليعود النبض إلى حياتكما وتسترد عافيتها وتسعدين بحوار جميل شيق لا ينتهي. سيدتي... حاولي ألا تتأخري ولتكن بدايتك اليوم... وتقبلي وافر تقديري لمحاولتك إعادة الحياة إلى عشك الزوجي
العدد 300 - الأربعاء 02 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الأولى 1424هـ