كلنا نؤمن بالتطور ولا أحد يرفض الحضارة إذا ما كانت ذهبية تحمل وهج الإنسانية أو تلامس آلام الفقراء. وحدهم أولئك المعاقون فكريا وإنسانيا وضمائريا، أعني بهم الميكافيليين من يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة حتى ولو كانت على حساب آلاف من المحرومين.
ليس منا من لا يؤمن بحداثة الاقتصاد إن كان نموه يسير باتجاه حلحلة أوضاع الناس فيرفع من دخلهم، ويقوي معيشتهم ولا ينهب البقية الباقية من نقودٍ أقفلوا عليها داخل جيوبهم خوف يومٍ أسود تأهبوا إليه بدرهم أبيض.
ما نراه اليوم هرولة كبرى نحو خصخصة زادت الفقير فقرا والغني غنى. الخصخصة - إن شئنا أن نعرّفها أدبيا - فهي: «مصمصة» عظام الفقراء حتى النخاع. راجع كتاب «نذر العولمة» و«فخ العولمة» و«العولمة» فهي تصرخ من خطورة الخصخصة. عليك أن ترضى بالتقاعد المبكر وإن كنت تشتعل حيوية ونضارة وشبابا، ومادامت الوزارة قبلت بالخصخصة، يسرح العمال، يلقى المواطنون في الشارع ويؤتى بعمال جدد للشركة الجديدة التي تم العقد معها ليحلوا مكان المواطنين فتنهار أسر بكاملها ووزارة العمل نائمة أو غارقة في توزيع التصريحات التي لم تطعم جائعا ولا أخذت بحق عامل فقير بعد أن حُسن الكرسي الوثير وطاب لجمعٍ ملعقة ذهبية فما رأى الناس بطالة حلت من هذه الوزارة حتى انتهت الحال مشفوعة باكتئاب العاطلين. وللأسف فإن وزير العمل لم يطلق أية صيحة احتجاج لما يتعرض له موظفو بتلكو أو غيرهم من أبنائنا كسواق النقل العام، الضحايا الجدد الذين ينتظرهم شبح الفقر. والكل يشتكي من ضعف الموازنة التي لا يبرز ضعفها إلا عندما تقترب من الحلقة الأضعف في مجتمعنا ألا وهم المواطنون.
مرة أخرى... سواق النقل العام يسكنهم الحزن ويشعرون بالغبن لما يتعرضون له من قطع أرزاقهم.
لا أحد يرفض التجديد، والمنافسة الحرة وان البلاد بحاجة إلى تطور على مستوى المواصلات وغيرها ولكن هناك مسألة مهمة وهي أنه يجب أن تقوم الدولة بوضع ضوابط وضمانات لهؤلاء المواطنين، 1600 سائق مهددون بالفقر أي ما يقرب من 6000 فرد من عوائلهم على أقل التقادير وصلوا أو كادوا إلى حافة الجوع. وللأسف الشديد هناك صمت واضح لما يجري على هؤلاء. انهم في مأزق خطير.
في الدول الغربية عندما يُعمد إلى نحو خصخصة أو دخول منافسات أخرى في أي قطاع تأخذ هذه الدول بأولوية ومصلحة المواطن أولا وأخيرا حتى لا يذهب ضحية حيتان الشركات المتصارعة والمتنافسة لأن مثل هذه الدول تدفع باتجاه حلحلة البطالة حتى لا تقع في مآزق أخرى. لهذا يجب أن توضع ضوابط للخصخصة ولتنافس الشركات بأن تكون هناك نسب حقيقية للبحرنة لا صورية إعلامية، وألا يتضرر المواطنون أيضا.
وزارة العمل صمتت أمام أكثر هذه المشكلات، وخصوصا بعد الفزعة التي حدثت لها من قبل التجار ذات يوم. وإدارة المرور مشغولة بأخذ الضرائب والمخالفات. بالطبع ليس كل مخالفة، والا إذا كانت على شاكلة ما جرى على ساحل أبوصبح فالإدارة كأني بها تقول: لا أرى لا أسمع لا أتكلم. وهذه مشكلتنا مع سيارات بلا أرقام وبعد ذلك تقول إدارة المرور: «القانون يطبق على الجميع والمواطنون سواسية أمام القانون». سواق النقل العام لغم جديد يضم إلى ألغام البطالة، والله يساعد الصناديق الخيرية فقد تصبح أكثر من البيوت إذا استمرت الخصخصة والاتجار السريع بلا رقيب وبلا ضوابط
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 300 - الأربعاء 02 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الأولى 1424هـ