سألني عدد من المواطنين كيف تسكت عن إحدى الصحف المحلية التي تصطنع عبارات وتحاول اللعب بلقطات فوتوغرافية يتم التقاطها قبل وبعد المحاكمة المرفوعة ضد «الوسط»؟ وجوابي: إن كل «إناءٍ بالذي فيهِ ينضحُ». ففي يوم أمس نشرت صورة لي تتحدث عن «إمساكي بيد زوجتي» على رغم انني لم امسك، ولو أمسكت لم ارتكب حراما... إلا أن التركيز على نشر صور شخصية وبأسلوب معين لاشك انه يثير أسئلة عن «نوايا» الفاعلين اكثر من اثارة اسئلة عن زوج وزوجته وشئونهما الخاصة بهما.
ولعل هذا الاسلوب انما هو استمرار لنهج عانى منه اناس آخرون إذ وضعت اسماء كتّاب على مقالات نالت من إخوة لهم في المهنة. فيوم المحاكمة تحدثت إحدى المحررات معتذرة عن ادراج اسمها مع المقال الاول الذي نشر مع صور تم اعدادها مع الخبر والتعليقات بأسلوب يؤكد ما يقال عن «نوايا غير مهنية».
على ان الضرر لا يتحقق كلما شاء شخص ما ذلك، فالسحر ينقلب على الساحر والطاولة تنقلب كما انقلبت على امثالهم من قبل. ومهما كان الامر، فإنه لا يوجد مبرر مهني او اخلاقي واحد يبرر مساندة قانون قمع الصحافة والوقوف ضد اصحاب المهنة ومحاولة صرف الانظار إلى جوهر المشكلات. فهل البحرين أصبحت فقط لمن لا يلتزم بأخلاقية المهنة؟ ومن يعمل جاهدا لخدمة بلاده وخدمة حرية التعبير عن الرأي فله قانون لا يعترف بأيّ عهد دولي لحقوق الإنسان ولا يعترف بدستور البلاد؟
إنتاج «الصحيفة» يتطلب السرعة والدقة تحت اجواء من المنافسة والاجهاد، وفي حالتنا البحرينية نعيش في حالةارباك ومراقبة من قانون لا يرحم عندما يقرر من كتبه استخدامه ضد الذين يلتزمون بأخلاقية المهنة.
إن من حق المواطن والوزير والصحافي وأي انسان يشار اليه في موضوع او صورة او خبر أن يرد، ذلك لأن «حق الرد» يعتبر من اساسيات المهنة الصحافية في كل انحاء العالم... وردي على الذين لا يلتزمون بأخلاقية المهنة هو «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة» (الانفال: 36)... لأن الانسان بأعماله ونواياه، وما يقوم به انسان ما يشهد عليه عصره ومن شهد ذلك العصر.
الانسان في هذه الحياة الدنيا يتحمل امانته وأدواره التي كتبها الله له، وأداؤه صحيفة منشورة امام الله وامام الناس، ولذلك فإن اي شيء بعين الله مقبول ويأمل الانسان من ربه القبول... ولن يكون جزءا من ردي أي دخول في شئون شخصية تخصني او تخص من يحاول العبث بشئون الناس الشخصية، لاننا في زمان لا نحتاج إلى هذا السلوك ابدا... في البلدان الديمقراطية تحترم الصحافة مهنتها وتحترم القوانين حرية التعبير عن الرأي، ويلجأ الصحافيون إلى وسائل ذاتية وداخلية تنظمها لهم النقابات والمؤسسات الطوعية التي تجمعهم. اما في حالنا فإن نقابة الصحافيين ممنوعة من التشكيل، وجمعية الصحافيين مشغولة بالدفاع عن وزارة الإعلام اكثر من اهتمامها ولو بعضو واحد من اعضائها اذا تعرض لمضايقة وزارية.
إننا بحاجة إلى أخلاقية المهنة، وبحاجة إلى نقابة تحمي الصحافة من كثير من الممارسات غير المهنية، فليس من المتوقع مني وانا اشكو من قانون الصحافة ان اشتكي على جهة معينة بحسب قانون اشتكي منه. ان من المفترض ان تكون لدينا نقابة وانظمة ترعى حرية الصحافة، وتصون ممارسة الصحافة بحيث تكون لدينا مقاييس عالمية تحد من سوء الاستخدام لاسباب تجارية او غير مهنية... وهذه النقابة والانظمة الذاتية يمكنها النظر في الشكاوى التي يقدمها صحافي ضد صحافي آخر، او الشكاوى المتعلقة بالمهنة وما يليق بها.
إننا بحاجة إلى نقابة وانظمة ذاتية لمتابعة كل الامور التي تعوق العمل الصحافي المتميز مثل نقص المعلومات، والتستر خلف القوانين التي تحد من حرية تدفق المعلومات الى المواطنين.
فلو كانت لدينا نقابة حرة ومستقلة ونابعة من الجسد الصحافي ومعترف بها من قبل الحكومة - كما هي الوعود المتكررة بتحقيق العمل النقابي الحر - لكان بالامكان ان يتقدم الصحافيون برأيهم المستقل عن التشريعات، ولكنا بعيدون كل البعد عما آلت اليه الامور من محاكمات للصحافيين ومطاردات لم ولن تنتهي ما دام هذا القانون او قوانين اخرى قد تصدر بصورة معدلة من دون أن يمس ذلك التعديل الجوهر بصورة كافية.
إن مطالبات الصحافيين باعتماد مؤسسة نابعة منهم ليس جرما وليس بدعة يتم تجاهلها. ومطالبات الصحافيين باحترام قوانين المهنة وابعادها عن سيطرة هذا الوزير او ذاك هو من صلب المطالب التي رفعها شعب البحرين واستجابت لها القيادة السياسية ووعدت بتحقيقها مرارا.
إننا بانتظار إزالة الحظر على حق الصحافيين في تشكيل نقابتهم، وبانتظار إزالة القوانين التي تقمع الصحافة، وفي الوقت نفسه ينبغي علينا جميعا الالتزام بأخلاقية المهنة، اذا كنا فعلا ننتمي إلى المهنة الصحافية وليس إلى مهنة اخرى
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 300 - الأربعاء 02 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الأولى 1424هـ