العدد 299 - الثلثاء 01 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الأولى 1424هـ

«نفط الصحراء»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت القوات الأميركية عملية تفتيش عن المطلوبين في العراق أطلقت عليها تسمية «حية الصحراء» أسفرت حتى الآن عن اعتقال 180 مواطنا. وقبلها شنت حملة تفتيش أطلقت عليها اسم «عقرب الصحراء» أسفرت عن اعتقال 900 حققت معهم وابقت منهم 190 قيد التوقيف.

أسماء كثيرة والمطلوب مسألة واحدة: رأس العراق. فقبل الاحتلال جرت هجمات بألقاب مختلفة تغيرت تبعا لتغير الاساليب والاهداف من «درع الصحراء» و«عاصفة الصحراء» إلى «ثعلب الصحراء»... وهناك عشرات الحالات والاسماء والحيوانات والاشجار والنباتات يمكن اطلاقها باضافتها إلى اسم ثابت «الصحراء». فالاسماء والمسميات لا تنتهي إلا انها لن تخفي الهدف الحقيقي من وراء هذه الحرب الطويلة التي شهدت حتى الآن عشرات المراحل والاشواط بدءا من المصب وصولا الى المنبع وهو «نفط الصحراء». فالنفط هو العنوان الكبير الذي تقع تحته كل الاسماء والتسميات والتفصيلات الصغيرة. واذا كان النفط هو الهدف الحقيقي فلماذا تخفي الولايات المتحدة هذا العنوان محاولة انكار التهمة وتغطيتها بأمور ثانوية وتفصيلية؟

كان بالإمكان معالجة مسألة النفط بأساليب أكثر حضارية واللجوء إلى أدوات وطرق تشرع احتمالات استخدامها بواسطة اتفاقات دولية تشرف على مراقبتها وتطبيقها هيئات اقتصادية تابعة للأمم المتحدة، وتتعاون علنا وبوضوح مع مؤسسات اقليمية عربية ودولية وأميركية وشركات آسيوية تتفق على وضع أصول للتعاون وآليات واضحة لتوزيع الحصص وتقسيمها من دون حاجة الى خوض الحروب وافتعالها ومن دون اللجوء الى العنف والقتل وإثارة الفتن الاهلية والقلاقل السياسية لتمرير مصالح لها صلة قريبة أو بعيدة بلوبيات (مافيات) النفط.

ما يحصل في العراق الآن، وما سبق أن حصل في أفغانستان وآسيا الوسطى ومحيط بحر قزوين وحروب اذربيجان وارمينيا والشيشان وجورجيا وحتى في جنوب السودان كان بالامكان تجنبه من خلال كشف الأوراق السرية والعمل بالتعاون والتكافل بين الدول المستثمرة والدول المنتجة والدول المستهلكة لتنظيم المصالح وضبطها في أطر قانونية لا تحتاج الى هذا السفك من الدماء لحفر بئر أو مد أنبوب أو نقل حمولة.

يبدو أن هذا المنطق القانوني لا تريده الدول الكبرى فهي إن اخذت به تكون قد ارضت الجناح النفطي في اقتصاداتها واغضبت الاجنحة الاخرى من صناعات عسكرية وشركات أدوية. فالاقتصاد الدولي الذي تحتكره وتشرف عليه «الشركات المتعددة الجنسية» يميل دائما الى حفظ مصالح وحقوق القطاعات الأخرى من الصناعات. فالحروب كما يقال هي في النهاية عمليات اقتصادية تبدأ بالتدمير وتنتهي بإعادة الإعمار. وبالتالي فإن المستفيدين من الحروب أكثر من شركة وجهة ووكالة وإدارة أعمال اضافة الى القطاعات المتعددة من النفط والغاز والسلاح والأدوية وشركات الورش والبناء.

المسألة إذا تتعدى النفط. فالطاقة هي الهدف والصراع عليها يفتح باب المزاحمة بين مختلف القطاعات التي تشمل إلى النفط والغاز (المال الوفير) الكثير من مجالات العمل للعاطلين عن العمل من جهة إلى الراغبين في تحسين ظروف حياتهم ورفع نسبة المال المستثمر والمتداول من جهة اخرى.

وبالعودة الى موضوع العراق، يمكن ملاحظة تداخل مختلف هذه المصالح المتنوعة للقطاعات الصناعية تحت يافطة واحدة: الحرب على الاستبداد، ثم ملاحقة الاستبداد، ثم مطاردة الاستبداد... وصولا الى آخر بئر نفط في الصحراء. فالمسألة اذا مسألة نفط وايضا تتعداها إلى ما هو أعلى. والأعلى في هذا المعنى التنافسي/ التضامني بين الشركات «المتعددة الجنسية» هو السيطرة على الانظمة الاقليمية في مناطق مصادر الثروات لمصادرة القرارات المحلية وضبطها في دائرة المصالح الكبرى للشركات «المتعددة الجنسية».

وحتى تستقيم اللعبة وتتجانس شعارات مكافحة الاستبداد (وأحيانا الارهاب) مع طموحات الشركات الكبرى التي تعمل في مختلف القارات... تُطرح سلسلة أفكار تتحدث عن «اقتصاد السوق»، و«تحرير الاقتصاد» من «القطاع العام» و«الشركات الوطنية» وفتح باب الاستثمار للرساميل الأجنبية من دون ضوابط وقيود ومراقبة. فالهدف هو نقل الملكيات الخاصة من احتكار الدولة إلى احتكار الشركات «الدولية». ومحاربة الاستبداد سياسيا لا تستقيم أرباحها المالية من دون فتح الاسواق وترك اللعبة تسير وفق خطط لابد ان يكون للشركات «المتعددة الجنسية» دور القائد فيها لأن الرساميل الكبيرة في النهاية تأكل، أو تستوعب، الرساميل الصغيرة (المحلية والوطنية).

اذا هناك جوانب سياسية للعمليات الحربية وهناك ايضا سلسلة اوجه واسماء اقتصادية للحروب السياسية. فالسياسة في خدمة الاقتصاد، والاقتصاد في خدمة الحرب، والحرب في النهاية في خدمة المال (الرساميل الكبرى). والمال في غالبيته يدار ويتداول في أطر ضيقة تشرف عليها الشركات «المتعددة الجنسية» التي تخطت في أنشطتها الحدود القومية وانتقلت إلى العمل في مختلف القارات... وهي ما يطلق عليها اسم «التدويل» واحيانا «العولمة».

وما يسمى بـ «العولمة» هو الاسم السري أو السحري لكل العمليات الحربية التي عرفها العالم في فترة ما بعد «الحرب الباردة». فهذه الفوضى العالمية المتنقلة من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى (حتى أوروبا) لم تكن كلها نتاج الاستبداد وانعدام الحرية والاصطراع الاهلي بين المذاهب والطوائف والقبائل والقوميات (أفغانستان، السودان، الشيشان، البوسنة، وكوسوفو) بل هي ايضا بسبب الصراع الدولي على مصادر الطاقة وطرق امداداتها ومصباتها وتوزيعها. وبسبب التنافس (المزاحمة المجنونة) اندلعت الحروب في أكثر من مكان بهدف السيطرة على الانظمة الاقليمية والدول والمناطق التي تملك هذه المادة الحيوية للصناعات والاقتصادات الدولية.

اذا بدأت القوات الأميركية عملية تفتيش جديدة باسم «حية الصحراء» وبعد أن تنتهي ستبدأ عملية أخرى باسم «حيوان» جديد.. إلا ان الهدف الحقيقي من وراء تلك العمليات والحروب هو «نفط الصحراء».

ومن يسيطر عليه يسيطر على النظام الاقليمي الذي يسهل على الشركات الكبرى (المتعددة الجنسية) الاستمرار في الهيمنة على الأسواق العابرة للقارات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 299 - الثلثاء 01 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً