العدد 298 - الإثنين 30 يونيو 2003م الموافق 29 ربيع الثاني 1424هـ

ما مسوغات بناء «مدرسة المستقبل»؟

متطلبات العضوية في مجتمعات المستقبل

السلمانية - تيسير صبحي 

تحديث: 12 مايو 2017

تندرج هذه المعالجة في اطار محاولات «استشراف المستقبل» وتحديد ملامحه وسماته وخصائصه ومتطلباته، والتحديات التي تفرض نفسها الساعة وسبل اللحاق بركب الحضارة العالمية في القرن الحادي والعشرين.

كما ان هذه المعالجة تخرج عن المألوف وتعصف الدماغ بجملة من الأسئلة غير التقليدية المتصلة بسيناريوهات المستقبل، الذي (أي المستقبل) يجري صوغه وتشكيله في مطبخ الحاضر.

كثيرة هي الأسئلة التي تطرح نفسها بصدد المستقبل، إلا انها في مجملها تلتقي عند نقطة واحدة وهي: الانسان! ومن ابرز الاسئلة في هذا السياق:

كيف سيكون حال المنظومات الانتاجية - على اختلاف أنواعها ومستويات انتاجيتها - وهل في مقدورنا اعداد الانسان وتهيئته لتطوير هذه المنظومات وضمان استمرارية ادائها بصورة تكفل تلبية احتياجات انسان المستقبل الطبية والدوائية والوقائية والغذائية والبيئية والمائية والطاقية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والتربوية... الخ؟ بمعنى هل مستوى الاداء الحالي لمنظومات الانتاج يتناسب مع تطورات الحاضر ومتطلبات المستقبل بصورة تقود الى مستوى اداء رفيع يساعد في تلبية احتياجات انسان المستقبل في ميادين الحياة كافة؟

ما القوة الدافعة المحركة لمنظومات الانتاج خصوصا ونشاط الانسان في ميادين الحياة كافة عموما؟

الاجابة عن هذا السؤال هي: الانسان.

ولكن، أي انسان؟!

انه انسان المستقبل الذي حظي بتنشئة اجتماعية تكفل النماء والتطور، وهو يمتلك المعارف والخبرات والمهارات التي تشكل في مجموعها - الى جوانب عناصر اخرى - مؤهلات ومتطلبات العضوية في مجتمع المستقبل.

هل في مقدورك المقارنة والمباينة Comparing and Contrasting بين احتياجات انسان الحاضر وبين احتياجات انسان المستقبل؟

ستكون الاختلافات بينهما كمية ونوعية.

اذن، هل في مقدورنا التعامل مع هذا الاختلاف؟

ما الفوائد التي يمكن تحقيقها من دراسة تجاربنا ودراسة تجارب الآخرين؟

وتساعد الاجابة عن هذا السؤال في تحديد شروط ومتطلبات النجاح وتقصي اسباب وعوامل الاخفاق والفشل، والحفاظ على استمرارية تجاربنا واتصالها وتجديدها بصورة تكفل صلاحيتها للمستقبل.

أين يقع التراث من عملية تخطيط المستقبل وبنائه؟

هل نقبل الذوبان وفقدان هويتنا الحضارية والعيش على الهامش والانصهار في بوتقة العولمة من دون الاسهام في صناعة المستقبل؟

ما الذي يبرر او يسوغ لنا التعامل مع «المستقبليات»؟

عندما كنت انظر الى الديناصور في متحف الحيوان كنت أقول:

- ان البقاء للاصلح... واستمرارية الحياة تتطلب استمرارية الاداء.

- ومن لا يتطور ينقرض!

ما مستوى التعامل المطلوب مع «المستقبليات»؟... باختصار: أي منهجية عمل؟

وأشير الى ان هذا السؤال على درجة عالية من الاهمية والاجابة عنه تجسد المنهجية التي أؤمن بها، وهي نهج حياة لدى العلماء. وتتعامل هذه المنهجية مع القضايا والمشكلات والمسائل. على مستويين من التعامل (أو المعالجة)، وهذا يبدو واضحا وجليا في المنهجية العلمية التي يوظفها العلماء في ميدان الفيزياء، اذ تتيح هذه المنهجية دراسة المسائل الفيزيائية على المستوى المجهري Microscopic من ناحية ودراسة المسائل الفيزيائية على المستوى الجاهري Macroscopic.

ونضرب على ذلك مثلا: الفيزياء تدرس الذرة ومكوناتها وخصائصها... كما تدرس الكون وما يتصل به من قضايا ومسائل.

فمعالجة الذرة تتم على المستوى المجهري، بينما تتم معالجة الكون على المستوى الجاهري.

ولكن، ما منطويات (Implications) الحديث عن مستويات المعالجة التي يبرزها المثال المذكور اعلاه؟

تتوجه هذه المعالجة بالدعوة الى كل انسان يحرص على مستقبل المجتمع والأمة خصوصا والبشرية عموما الى ان يوظف هذه المنهجية وان يفيد منها في ايجاد الحلول المبدعة لمشكلات الحاضر وتوفير احتياجات المستقبل وتأمين شروط المستقبل ومتطلبات العيش فيه.

اذن، دعونا ننظر الى الأمور - على المستوى المجهري - نظرة معمقة تساعدنا في معرفة ماهيتها، فالفهم والاستيعاب اساس الابداع وجوهره، والميل الى التفصيلات ان هي إلا سمة المبدع وخاصية من خصائص منهجه في العمل.

ودعونا ننظر الى الأمور - على المستوى الجاهري - نظرة شمولية تساعدنا في: فهم الابعاد المختلفة للمسألة أو القضية موضوع المعالجة، والتطورات التي قد تطرأ عليها، والسيناريوهات التي تجسد واقعها ومستقبلها، والبدائل المتاحة، وشروط ومحددات كل بديل (The Limitations)، وهذه سمة اخرى من سمات الحل المبدع للمشكلات التي تندرج في اطار المستقبليات.

«حينذاك فقط سنكون في مستوى تحديات المستقبل».

وتجسد الاسئلة المطروحة في هذه المعالجة جوهر المسوغات (أو المبررات) التي تسوغ او تبرر الخوض في موضوع على درجة عالية جدا من الاهمية وهو «مدرسة المستقبل». وقد وجدت ان المنهجية التي انبنت عليها هذه المعالجة اتت أكلها، ومكّنت الباحث من التوصل الى خلاصات علمية وتربوية نافعة، وترجمت نتاجاتها في صورة مشروع كامل متكامل نأمل ان يرى النور قريبا، وأرجو ان يكتب لها النجاح بين ظهرانينا كما كتب لها في أماكن أخرى من هذا العالم. ولا ينطوي هذا الكلام، بأي حال من الاحوال، على أننا تبعنا اثر العالم المتقدم وحاولنا تقليده، وانما كانت لنا اسهامات اصيلة استطعنا تحقيقها بصورة مستقلة - ولم يسبقنا اليها احد - بدءا بالمفاهيم والمصطلحات ذات العلاقة، وانتهاء بالتصور الاستراتيجي واجراءات التنفيذ على أرض الواقع.

اذن، فهذه المعالجة لموضوع «مدرسة المستقبل» لها مقدمات وارهاصات، وتنبني على مسوغات ومبررات على درجة عالية من الاهمية، وتوظف منهجية فاعلة ونافعة تأخذ في الحسبان حجم التحديات وطبيعتها، اذ تسعى هذه المدرسة الى تحقيق نتاجات كاملة متكاملة اصيلة تأخذ في الحسبان خصوصية حضارتنا وجوهر رسالتنا ودورنا الحضاري على المستوى العالمي، بحيث لا يقل مستوى انجازاتنا في هذا الميدان الحيوي والمهم عن انجازات الدول المتقدمة. وبذلك، نكون قد نجحنا في ارساء اسس ودعائم هذا التوجه التربوي المستقبلي الحديث.

في ضوء ما تقدم ارى ان التربية والتعليم على الصعيدين العربي والدولي بحاجة إلى اعادة بناء بصورة تسمح بولادة «مدرسة المستقبل» بوصفها مصنع اجيال المستقبل، من دون ان ينطوي ذلك على كلفة ونفقات اضافية، ويتأتى لنا ذلك بجملة اجراءات ومنها: زيادة فاعلية الانفاق، والتفاعل الامثل بين عناصر العملية التعليمية التعلمية، والارتقاء بمستوى تفكير الانسان وادائه وتعظيم نتاجات المنظومة التربوية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: من أين نبدأ؟

للاجابة عن هذا السؤال المهم اتوجه اليكم بالدعوة الى اشغال الدماغ للتفكير في أربعة ميادين رئيسية وهي: المفهومات والمصطلحات التي شهدنا ولادتها حتى الساعة، وفلسفة التربية والتعليم واهدافها وغاياتها، ومدخلات العملية التعليمية التعلمية والبحث والتطور.

أولا، المفهومات والمصطلحات التي شهدنا ولادتها حتى الساعة، ومنها: المواد التعليمية الالكترونية والمحوسبة، الكتاب الالكتروني، الصف التخيلي، المدرسة التخيلية، الجامعة التخيلية، التعلم المفتوح، التعلم عن بعد، مع ملاحظة ان انتشارها في برامج وخدمات وانشطة مؤسسات التعليم يؤكد التوجه العالمي نحو تجديد منظومات التربية من ناحية أولى، وتوفير بدائل لا تقليدية من ناحية ثانية، وخلق حالة من الانسجام مع المستقبل من ناحية ثالثة، وكشف قصور المنظومات التقليدية وتأكيد انه ليس في مقدورنا شد الرحال نحو المستقبل بصحبة هكذا منظومات لا تستطيع الصمود في وجه تحديات المستقبل، اذن فمدرسة المستقبل توفر البديل.

ثانيا، فلسفة التربية والتعليم واهدافها وغاياتها: وأشير في هذا السياق الى ضرورة مراجعة فلسفات التربية والتعليم والاهداف والغايات التي تسعى الى تحقيقها، والتحقق من قدرتها على الصمود وتلبية احتياجات المستقبل، والافادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا الميدان. وقد استطعنا الانجاز في هذا الميدان على الصعيد المحلي، وحددنا ملامح فلسفة المستقبل وجعلناها الاطار الذي يؤطر مدرسة المستقبل، وعلى اساسها انبنت الاهداف والغايات.

ثالثا، مدخلات العملية التعليمية التعلمية: والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل حصلت المدخلات على عناية خاصة تكفل تفاعلها بصورة تحقق الاهداف والغايات، وتساعد في تعظيم نتاجات العملية التعليمية التعلمية، وتنسجم مع متطلبات العصر الذي يشهد حالة من التفجر العلمي والمعرفي، وتكفل تزويد الجيل اللاحق بالمعارف والخبرات والمهارات المطلوبة.

بمعنى:

- عناصر المستقبل وخصائصه وسماته، وصوغه بلغة المستقبل،

- طبيعة المواد التعليمية وخصائصها وسماتها (وبرأيي انها ستشكل نقلة كمية ونوعية وستتجه نحو تعليم مهارات التفكير بدلا من تعليم المحتوى).

- طالب/ طالبة المستقبل، اذ يكون طلبة المستقبل أكثر دافعية نحو التعلم ولديهم اتجاهات ايجابية، اضف الى ذلك (وهذا هو الأهم) زيادة درجة استقلالية الطالب/ الطالبة الى جانب زيادة مسئولية المتعلم/ المتعلمة عن تعلمه/ تعلمها. وفي المحصلة يكون المردود أعلى والحصيلة النهائية أثمن.

- معلم/ معلمة المستقبل، إذ ليست هناك بيئة تربوية مناسبة للمعلم/ المعلمة، التقليدي/ التقليدية. وجميع المؤشرات تدلل على ان معلم المستقبل ينبغي ان يمتلك قاعدة واسعة من الخبرات والمعارف والمهارات وكفايات شاملة تمكنه من القيام بالدور المأمول بوصفه موجها للطلبة وعامل تيسير Facilitator، وبذلك يتحقق الانسجام بين طالب المستقبل ومعلم المستقبل.

- بيئة التعلم المستقبلية: هل حان وقت «مدارس بلا أسوار؟». عند الحديث عن بيئة التعلم المستقبلية يجب ان نأخذ في الحسبان الجوانب والابعاد الآتية:

ما شكل مدارس المستقبل، وهل ستكون من دون أسوار؟ نعم..

تجهيزات عمرانية ذات موصفات خاصة.

تجهيزات تقانية ووسائط مساندة (سمعية، بصرية، محوسبة).

الجوانب المساندة والمتوافرة.

علاقة بيئة التعلم المستقبلية مع الب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً