موضوع التجنيس ومنح الجوازات في البحرين فُتِحَ بعد تشكيل لجنة برلمانية بهذا الشأن وبعد حديث وكيل وزارة الداخلية المسئول عن إصدار الجوازات وبعد ردود الأفعال المختلفة من بينها دعوة أحد المتجنسين إلى تشكيل جمعية سياسية تمثلهم في الحياة العامة...
والحديث يوم أمس تطرق إلى موضوع الجنسية وجواز السفر الذي أنتجه مفهوم الدولة القومية التي اخترعتها البلدان الأوروبية وثبتتها في القرن التاسع عشر وثم ضمنتها النظام العالمي الذي أنتجته الحربان العالميتان الأولى والثانية.
على أن جذور المواطنة يمكن ارجاعها الى الوراء... إلى أثينا ما قبل الميلاد (قبل 25 قرنا) عندما كان الأثينيون يمارسون حكم مدينتهم عبر عضويتهم في الـ «Polis»، والعبارة تمت ترجمتها الى اللغات الأخرى وحملت معاني مثل «المدينة - الدولة»، وترجمها الفلاسفة العرب «بالسياسة المدنية»، كما ورد في كتابات ابن سينا والفلاسفة بعده بمن فيهم الشيخ ميثم البحراني... وكانت عضوية الـ «Polis» تعني ما يمكن أن يطلق عليه بلغة اليوم الحصول على الجنسية والحث على المشاركة في ادارة الشئون العامة.
على أن هناك تجربة أكثر ريادية من تجربة أثينا وهي التي قادها رسول الله (ص) في المدينة المنورة، عندما كتب «صحيفة المدينة» وضمت تلك الصحيفة اتفاق أهل المدينة من الأنصار واليهود والمشركين بالإضافة الى المهاجرين... واعتبرت الصحيفة التي وقعها رسول الله أن جميع أولئك «أمة» تدافع عن «المدينة» وتحفظ أمن بعضها بعضا في مقابل الالتزام بضوابط التعايش السلمي مع بعضهم بعضا، وتحدثت الصحيفة عن الرجوع الى الرسول (بصفته القائد الأعلى) في حال الاختلاف لكي تسير شئون المدينة المنورة على أساس السلم بين أهلها سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
وتعتبر إضافة الرسول (ص) المهاجرين إلى أهل المدينة واعتبارهم جزءا أساسيا من «صحيفة المدينة» أول مرة يذكرها التاريخ يتساوى فيها القادم من الخارج مع أهل تلك البلاد. ولكن كل ذلك كان بشروطه... فالمهاجرون كانوا يَفْدُونَ الرسول والرسالة بأنفسهم وأموالهم وهم والأنصار جزء لا يتجزأ من كيان الدولة الاسلامية الوليدة، فهم أيضا دافعوا عن المدينة المنورة وفَدَوها بدمهم... وبالتالي أصبحوا جزءا من «الأمة» السياسية التي أقامها الرسول (ص) في المدينة.
الأمة السياسية التي تحدثت عنها صحيفة المدينة المنورة تختلف عن الأمة الدينية التي تشمل كل مسلم ومسلمة أينما كانوا، والأمة السياسية هي أقرب لما نتحدث عنه في عصرنا الحالي عن «الشعب». فالأمة السياسية للمدينة المنورة احتوت على المسلم (المناصر والمهاجر) وغير المسلم (اليهودي والمشرك) الذين كانوا من أهل المدينة. وقد اشترط الرسول (ص) لعضوية صحيفة المدينة الدفاع عن المدينة المنورة ومناصرة كل طرف للآخر.
الشعب البحريني اليوم يحتوي على تنوع قديم وتنوع جديد. التنوع له أسباب طبيعية وأخرى سياسية، والذي يثير هذا الطرف أو ذاك هو التجنيس السياسي وليس التجنيس الطبيعي، وعلى رغم كل ذلك فإن من حصل على الجواز البحريني سواء كان لأسباب طبيعية أو سياسية أصبح مواطنا بحسب القانون.
والحديث الذي سيدور في الأيام المقبلة عندما تبدأ اللجنة البرلمانية تحقيقها سيتركز على الجوانب الحساسة التي تطرق إليها النواب قبل انتخابهم وتطرقت اليها الجمعيات السياسية المختلفة التي رفعت شعارات عن التجنيس السياسي، أو العشوائي كما يطلق عليه البعض.
إن علينا أن نعالج المشكلة ولكن ليس من أجل خلق مشكلة أخرى، والخطأ لا يبرر الخطأ، فحواراتنا ومعالجاتنا يجب أن تأخذ في الاعتبار حاجتنا جميعا إلى السلم الأهلي وضمان الحقوق نحو أهداف تساهم في تحقيق العدالة والمساواة وتمكين المواطنين من المشاركة الفعالة في مشروعات التنمية المستدامة.
ان التجارب البشرية كثيرة أمامنا وبعضها غير حسن العواقب والعوامل التي تحرك القرار الرسمي تجاه التجنيس مختلفة كما أن العوامل التي تدفع عددا من القوى الشعبية إلى اتخاذ مواقف مضادة مختلفة. وهذا الاختلاف يحمل في طياته التناقض من جهة وبعض التطرف أحيانا. وفي ماليزيا أدت مشكلة من هذا النوع إلى أمور كبيرة في نهاية الستينات انتهت بتدخل الحكومة وسن قوانين لارضاء الماليزيين الذين نظروا الى أن ازدياد عدد الصينيين (الماليزيين بالتجنيس أو بالسكن لمدة طويلة في ماليزيا) نظروا الى أن ازديادهم يشكل خطرا اقتصاديا عليهم... ووضعنا لا يشبه ماليزيا لأن أسبابه مختلفة ومتنوعة المصدر.
إننا يجب أن نسعى إلى تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية وعدم تضييع حقوق أحد، فالسير في اتجاه مزيد من الديمقراطية يتطلب تعزيز السلم الأهلي ويتطلب مناقشة الأمور بهدوء وبعيدا عن التصعيد. فالممارسة الديمقراطية التي نسعى إلى تجذيرها تتحدث عن دستورية القوانين والاجراءات وتتحدث عن انتخابات حرة بلدية ونيابية ومستقبلا - إذا شاء الله - حكومية، وتتحدث عن رأي الأكثرية المعقلنة من خلال الممارسة البرلمانية، تلك الممارسة التي يجب أن تضمن أيضا مصالح الأقليات، مهما اختلفنا واتفقنا على تحديد الأقليات.
وإذا عملنا من أجل المساواة في الحقوق وعدم تفضيل هذا المواطن على ذلك المواطن لأي سبب كان فإن العدالة الاجتماعية تتحقق وهي كفيلة بتحديد حقيقة الانتماء الفعلي لهذا الشخص أو ذاك. فلا إشكال عندما يتم التحقيق في الأمر ومن ثم تفعيل المساواة على الأرض وليس على الورق وفي الشعارات، كذلك الأخذ برأي الأكثرية وحماية الأقلية... عندما نعمل بهذه المبادئ سيخرج المخلص المنتمي إلى هذه الأرض على السطح وتكون حاله هي السائدة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ