في الدول العربية بصفة خاصة، والدول التي تتردد بين الديمقراطية واللاديمقراطية بصفة عامة، هناك ظاهرة ملحوظة وهي ان الحكومات تتوارى في ترددها وتراجعها خلف واحد من الوزراء أو وكلاء الوزارات، إذ تقوم ومن خلال هذا الوزير أو الوكيل بترويج فكرة معينة تبدو - في ظاهرها وبالنظر إليها مباشرة - انها فكرة الوزير الفلاني في حين انها أكبر وأبعد منه كثيرا...
ففي مثل هذه الدول عادة تلعب السلطة التنفيذية الدور الرئيسي والاقوى في توجيه السياسات العامة، وفي مراقبة اداء السلطات الاخرى في الدولة، وفي مثل هذه الحالات ايضا ولظروف داخلية أو خارجية تجد تلك الدول نفسها مضطرة إلى مجاراة المتغيرات الدولية نحو الانفتاح والديمقراطية، وفي الوقت نفسه المحافظة على أوضاعها ومصالحها ونفوذها وعلاقاتها السابقة والتقليدية...
وهي بتحقيق هذه الموازنة قد تنجح احيانا في تقديم مظاهر ديمقراطية جميلة ومقبولة، ولكنها فارغة المحتوى ولا تؤدي إلى إحداث تغيير أساسي في المجتمع، وفي هذه الحال فالأمور تسير على ما يرام والمعادلة تكون ناجحة، والتراث والعادات والتقاليد محافظ عليها...
ولكنها في أحايين أخرى تجد أن الشعب في تلك البلاد قد فهم اللعبة الديمقراطية، وأنه مارس حقوقه وواجباته، أو انتقد بعض مظاهر تلك الديمقراطية الشكلية، عندها يدق في تلك الدول ناقوس الخطر، وتبدأ الاستعدادات للمقاومة المضادة والهادفة إلى المحافظة على المكاسب التقليدية، للسلطة الغالبة، لكنها (هذه المقاومة) سرعان ما تتوارى خلف أحد المسئولين غير الرئيسيين في الدولة المعنية...
فالدول «الديمقراطية» لا يمكن ان تقاوم الديمقراطية مباشرة والا انكشفت على المستويين الداخلي والخارجي، لكنها تلجأ عادة إلى توجيه وزير معين إلى التعبير عن تلك المقاومة أو التراجع، وهكذا يصبح ذلك الوزير أو الوكيل هو المسئول عن الموقف المتراجع عنه، وهو المدافع عن ذلك الموقف، وهو الملام من قبل المتلقين وأصحاب الشأن على ذلك التراجع...
أما الدولة ممثلة في السلطة التنفيذية أو أكثر، فتبقى بعيدة سالمة تشد الخيوط وترخيها بحسب قوة الرياح المعترضة
العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ