يتدمر معظم فتيات وفتيان هذا الجيل من تدخل ذويهم في كل صغيرة وكبيرة تخصهم حتى في شئونهم الخاصة جدا وهم يرفضون ويعتبرونه اعتداء على حقوقهم الشخصية إذ قال لي أحد الفتيان: أكاد أنفجر من تصرف والدي انهما يحرجاني دائما يتدخلان حتى في اختياري لأصدقائي ويطالباني بسرد تاريخ حياته وتعريف أمه ونسبه و و و... حتى أعتقد أنهما سيصادقانه... فيا بني من حقك أن تختار صديقك بحسب ميولك وذوقك ومدى ما تراه من تقارب في الطباع والميول والمشاعر بينكما. فاختيار الأصدقاء أمر شخصي ولكن له ضوابط وقواعد لا يعرفها إلا الآباء والأمهات بحكم تجاربهم وما مر بهم من حوادث. وأعتقد بأنك توافقني في الرأي بأن من واجب والديك حمايتك من اختيار قد لا يكون موفقا ومساعدتك وتوجيهك إلى اختيار أفضل مراعين مصلحتك ومشاعرك بالدرجة الأولى. فعلى رغم بلوغك سن النضج كما تقول ورغبتك الملحة في الاعتماد على نفسك والاستقلال بإرادتك ورغباتك وتوجيه حياتك كيف تشاء إلا أنك مازلت بحاجة ماسة لمن يأخذ بيدك إلى الطريق السليم... فالأهل حين يتدخلون بحذر شديد في أمر يخصك انما لخوفهم من تعثرك أو أن يخونك حسن ظنك بالصديق وتزج بنفسك في أمور لم تتعود على مواجهتها فتجد أهلك حولك في الوقت المناسب يساعدونك على تجاوز المشكلة بأمان وبعدها يبقى الأمر بيدك وحدك لتبرهن لهم قدرتك على التفكير الصحيح وحسن اختيارك للأصدقاء وأنني أعطي الأهل الحق في هذا النوع من التدخل إذا كان مبنيا على أسس تربوية مدروسة وحسب مقاييس سلوكية ثابتة لأن معظم الأبناء يرفضون تدخل أهاليهم في شئونهم في وقت يعجزون فيه عن تحمل أبسط المسئوليات. فثيابك مبعثرة هنا وهناك معتمدا على أمك أو الخادمة لإعادة ترتيبها أضف إلى ذلك تعاجزك عن القيام بما يسند إليك من أعمال الهدف منها تعويدك على حب المشاركة. وحتى حين يزورك أصدقاؤك تترك المكان فوضى وقد تكدست فيه الأوساخ وباقي الطعام ثم تخرج من البيت بعد كل ما أحدثته من فوضى وضجيج وعبث بالأشياء من دون تفكير حتى في كلمة اعتذار أو تقديم أقل مساعدة في إعادة الترتيب والتنظيم للمكان... أما عدم التزامك بمواعيد العودة إلى البيت على رغم تحذيرات الأهل وقلقهم المستمر وخوفهم عليك فلا يعني لك شيئا ولا يكلفك حتى مكالمة هاتفية للإطمئنان عليك فكيف تطالبهم بثقة أضعتها بسوء تصرفاتك وكيف تطلب منهم عدم التدخل في اختيارك للصديق وقد برهنت لهم بأنك لا ترافق إلا العابثين وغير المسئولين فقد أثبت لهم عدم نضجك وعجزك عن انجاز شئون صغيرة. في وقت اثبت فيه الآخرين انهم على درجة من الوعي والنضج والتفكير السليم وعلى مستوى لا يستهان به من تحمل المسئوليات فكسبوا بذلك حق اختيار الأصدقاء، فلم لا تبرهن لأهلك قدرتك على تحمل نتائج اختيارك وأمامك الكثير من الخطوات لتسهيل مهمتك أولها تعريف والديك على من تصادق وتختار فانك بهذا تعطيهما فرصة ذهبية في التعرف على من تختارهم أصدقاء فتكسب ثقتهما وتقديرهما. فيا بني حاول أن تشرك والديك في أية مشكلة تواجهها تتعلق بالصداقة والصديق بدلا من التفكير والقلق والبحث عن حلول فردية لا طائل منها وصدقني سيبادران لتقديم النصح والتوجيه. ثم أن التزامك بمواعيدك معهما واحترامك للكلمة والوعد خير دليل على أنك أهل للثقة ولاختيار الصديق... وكلمة أخيرة أقولها لك إن الأهل عندما يراقبون ويصرّون على التدخل في شئون الأبناء وتوجيه مساراتهم انما بدفاع من حبهم وقلقهم مما يحدث حولهم من تقلبات وتناقضات وانحرافات سلوكية بين هذا وذاك يجعلهم يمسكون بأكبادهم بحذر خشية الانزلاق في متاهات الأصدقاء
العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ