هناك قاعدة فقهية جميلة واسلوب دعا إليه كثيرا الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وتلك الدعوة قائمة على اساس فقهي رصين: خذوا الحقوق بالضغط السلمي بكل وسيلة ضغط بعيدا عن العنف أو المواجهة على الأرض.
هذه ركيزة اساسية لفكر أجده صائبا لو تعاملنا به في مجتمعنا وهو الاسلوب الأفضل حتى لو اعتمدت الانظمة اسلوبا يتجه نحو العنف فالموقف السليم هو ترسيخ الديمقراطية بمنطق السلم واعتماد الوسائل السلمية من ضغط الصحافة أو البرلمان أو الاحتجاجات السلمية بعيدا عن لغة العنف.
هناك كتاب قيم لشمس الدين اسمه «التطبيع... خيارات الانظمة وضرورات الأمة» يطرح من خلاله الرؤية السياسية في كيفية تعاملنا مع النظام العربي الرسمي.
هو يعيب على الانظمة سرعة ضيق صدرها امام النقد وسرعة وقوعها في نظرية المؤامرة والتفسير التآمري لأي نقد، ويعيب عليها سرعة استخدام العنف وتوحلها في الفسادين الإداري والمالي وسوء توزيع الثروة واحتكار القرار حتى باتت دولنا في العالم العربي عبارة عن مزارع خاصة والمواطن يزرع الحرث على طريقة قصيدة محمد صالح بحر العلوم.
ولكن على رغم كل ذلك يبقى ان الشعوب قادرة على اخذ مزيد من الحقوق بانتهاجها النهج السلمي والموضوعي والعقلاني لتحقيق مزيد من المكاسب.
هذا الحديث يقودني إلى مسألة في غاية الحساسية والأهمية وهو ما يجري لدولة الجوار المملكة العربية السعودية. الاختلاف هو سنة الحياة ولكن ينبغي حفظ الأمن، وهناك محاولات أميركية كما جاءت الخطة المعتمدة للولايات المتحدة للمنطقة ولكن كل ذلك لا يكون مبررا لعدم التحالف مع دولة عربية مستهدفة تحتاج إلى وقفة من قبل كل دولنا وكل شعوب المنطقة. بالطبع اعتقد ان أهم مسألة لقطع الطريق على أية مؤامرة تستهدف هذه الدولة الاقليمية وتهدد امنها أو سلمها الاجتماعي هي العمل والسعي نحو مبادرة حقيقية ديمقراطية تعمل على تعزيز الحريات والتعددية والانفتاح المتزن سياسيا وثقافيا واجتماعيا. قبل أشهر بسيطة نشرت الصحافة عريضة دعم لنخب كبار، ومثقفين، على شتى مشاربهم، وعلماء رفعوها إلى ولي عهد المملكة يعلنون من خلالها وقفتهم الصادقة مع المملكة ودعواتهم المخلصة لبقائها داعمين من خلال هذه العريضة مبادرة ولي العهد السعودي الداعية إلى مزيد من الانفتاح والحرية.
واثبت التاريخ ان الانفتاح الديمقراطي التعددي هو الأسلم لازالة أية بؤرة احتقان في أي مجتمع؛ فعلماء السوسيولوجيا يؤكدون أهمية التعددية الفكرية وتأهيل المجتمعات اقتصاديا ونبذ الانغلاق الفكري من أي مجتمع ضمانة اساسية لاستيعاب أية مشكلة مستقبلية. واسلوب الحوار الهادف وإعادة معالجة الخطاب التعبوي للشباب مسألة مهمة حتى لا يذهب الشباب ضحايا محارق دموية، وخصوصا اذا علمنا ان 98 في المئة من الشباب المسلم محبون لاوطانهم ولكنهم يحتاجون إلى ثقافة سياسية جديدة قائمة على التسامح والايمان بالرأي الآخر والانفتاح على ما يعيشونه من هموم.
يبقى أن ما جرى على المملكة من عنف وتفجير مدان مهما كانت الاسباب والمبررات فالحوار وانتهاج الاسلوب السلمي يجب ان يكون خيارا للجميع مهما كانت المآخذ. لذلك يجب - كما يقول الشيخ محمد الغزالي - ان نناقش عقول الشباب، وعليهم انتهاج مبدأ العقل والحوار لحفظ الاوطان
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ