لا شك في أن مسألة الحرب على العراق بدأت تتحوَّل إلى موضوع جدل متزايد في واشنطن، وتهدِّد بتسميم الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2004 فقد اعتبر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الغالبية الجمهورية والمعارضة الديمقراطية، أن الولايات المتحدة ستبقى في العراق سنوات وأشاروا إلى ان التدخل الأميركي كان سيئ التحضير ولم يكن موضع شرح جيد من قبل إدارة الرئيس جورج بوش. ولمّا أفادت «واشنطن بوست»، ان الرئيس بوش ضخم استنتاجات أجهزة استخباراته بشأن العلاقات المفترضة بين صدام وشبكة «القاعدة». ونقلت عن مصادر برلمانية ومحللين اطلعوا على تقارير أجهزة الاستخبارات، ان هذه الوثائق تقدم صورة عن العلاقات بين العراق والقاعدة أقل وضوحا بكثير من تلك التي قدمها بوش. ونقلت الصحيفة الأميركية عن المصادر نفسها التي رفضت الكشف عن هويتها ان هذه الوثائق التي جمعت تحت عنوان «تقديرات الاستخبارات الوطنية بشأن العراق»، توخت الحذر عند التطرق إلى هذه العلاقات كما تضمنت تحذيرات بشأن مصدقية إفادات معتقلي «القاعدة» بشأن هذه المسألة.
كررت الصحيفة انتقادتها لمسار الأمور في العراق، اعتبرت في افتتاحية ان ما قاله بوش، السبت الماضي من ان الأميركيين مصممون على اكتشاف المدى الحقيقي لبرامج أسلحة صدام حسين، خطوة مهمة جدا على صعيد تلطيف الأجواء المتشنجة إثر الانتقادات التي لا تكف توجه إلى الإدارتين الأميركية والبريطانية في موضوع التقارير الإستخباراتية بشأن برامج الأسلحة العراقية. لكن «واشنطن بوست»، اعتبرت ان عدم إيجاد أسلحة دمار شامل في العراق، لن يؤدي فقط إلى تجريد الإدارة الأميركية من الصدقية بل سيكون بمثابة إخفاق للسياسيين الغربيين وللخبراء الإستخباراتيين في الغرب لأن غالبية الحكومات الغربية بما فيها ألمانيا، وفرنسا، وحتى مفتشي نزع الأسلحة التابعين للأمم المتحدة كانوا متأكدين بأن العراق، يملك أسلحة دمار شامل. وختمت بالقول انه لا بد لبوش، من أن ينفذ وعده بكشف الحقيقة كاملة وأن يتشارك في ما يعرفه مع ما تبقى من العالم. وأقرّ طوماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، بفشل الأميركيين في العراق، بعد أن تساءل لماذا كان الرئيس الأميركي جورج بوش، متحمسا إلى هذه الدرجة بشن الحرب على العراق، فيما يبدو اليوم غير مستعد تماما لتحمل مسئولياته لفترة ما بعد هذه الحرب. فقد اعتبر فريدمان، ان الأميركيين فشلوا وما زالوا يفشلون في العراق، فهم لم يحققوا شيئا من الأمور التي أعلنوا انهم سيقومون بها في العراق، ابتداء من أسلحة الدمار الشامل وانتهاء بإنشاء حكومة عراقية قادرة على حكم البلاد بعد رحيل الأميركيين. وتابع فريدمان، ان الأميركيين هم المسئولون عن إعادة الأمور إلى الصفر وربما إلى ما دون الصفر في العراق، وذلك بسبب الثغرات الأمنية التي أدت إلى تدمير البنى التحتية العراقية وكل ما يمكنه المساعدة على إعادة إعمار البلاد. وإذ زعم فريدمان، ان هذه الثغرات الأمنية أدت أيضا وتؤدي إلى استمرار دخول المقاتلين السوريين والإيرانيين إلى العراق، للاشتراك في عمليات المقاومة العراقية، رأى فريدمان، ان الأميركيين وبدلا من أن يضعوا خطة كاملة لإعادة بناء العراق، يتعاملون مع هذا البلد كأنه مختبر يحاولون فيه إجراء اختبار على كيفية إعمار بلدٍ ما بأقل كلفة ممكنة.
وفي السياق انتقد رجيف شاندراسكاران في «واشنطن بوست»، أيضا مسألة الفشل في إعادة بناء العراق... فقد لفت في مقالته، إلى انه بعد شهرين على سقوط بغداد، لا تزال مهمة إعادة بناء العراق، في فترة ما بعد الحرب في أيدي الجهاز العسكري الأميركي الذي يفتقد إلى الخبرة الضرورية في الإدارة الحكومية وإلى الألفة مع العالم العربي. ونقل عن مسئول أميركي رفيع المستوى قوله ان الاعتماد على الجيش في إعادة بناء العراق، كان خطأ، فعملية كهذه تحتاج إلى مدنيين لأنها في الوقت نفسه عملية ذات بعد عسكري وسياسي والأجدر بالأميركيين أن يركزوا على البعد السياسي. وأشار شاندراسكاران، إلى ان في داخل بغداد، حوالي ألف موظف أميركي يعملون لصالح السلطة المدنية في بغداد، ولكن خارج العاصمة وفي بعض المدن العراقية الكبيرة تبقى مهمة الإدارة والإعمار في يد فريق الشئون المدنية العسكرية. وتابع ان هذا الفريق قد تم تدريبه على توفير المساعدات الإنسانية وعلى التعامل مع اللاجئين وعلى القيام بتصليحات أساسية للبنى التحتية ولكنه غير مؤهل للعمل في الشئون المدنية التي يعتمد عليها إعمار العراق. وختم بأن تدخل هذا الفريق في شئون إعادة الإعمار قد أرهق حتى العراقيين الذين يطمحون للتعامل مع مدنيين أميركيين. لكن نيكولاس كريستوف في «نيويورك تايمز»، أضاء على إشكال آخر من المفاجآت العراقية، إذ أثار الوضع في العراق، وتطرق إلى سيطرة المتشددين العراقيين على الحياة العامة في العراق، لافتا إلى ان الوضع اليوم يجعل المرء يظن ان الأميركيين قد قاتلوا صدام، ولكن المتشددين هم الذين انتصروا. وعرض مقارنة بين الوضع خلال حكم صدام والوضع اليوم تحت رحمة المتشددين فاعتبر ان بيع الكحول على سبيل المثال كان مسموحا به خلال حكم صدام، وكان تجار الكحول ينعمون بحماية الحكومة من المتشددين الإسلاميين. وأردف ان وضع النساء كان جيدا نسبيا فهن لم يتعرضن للتعذيب أو القتل ولا للتمييز وخصوصا على مستوى الفرص إن كانت التعليمية أو الوظيفية. وتابع ان دور السينما اليوم تتعرض للمضايقة من المتشددين الذين يجبرونها على الإقفال باعتبار انها تبث مشاهد غير لائقة كإظهار سيقان النساء. وتوقع كريستوف، أن يصبح العراق، دولة إسلامية ولكن يحكمها سياسيون بدلا من رجال الدين. وختم قائلا ان المخاوف اليوم تزداد حيال عدم قدرة الولايات المتحدة، على فعل شيء للحد من سيطرة المتشددين على الحياة العامة في العراق، ولكنه اعتبر ان الوسيلة المتبقية أمام الولايات المتحدة هي بناء نظام قانوني في العراق وليس بالاحتكاك برجال الدين العراقيين وافتعال المشكلات معهم.
وتطرقت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها إلى انعكاسات الحرب على العراق على الاقتصاد الأميركي فقالت ان الكابوس الذي يعيشه اليوم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جراء الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة. ولفتت إلى ان رئيس الاحتياطي الفيدرالي آلان غرينزبان، قد قال في وقت سابق من هذا العام ان الشكوك حيال العراق ومصيره هي إحدى العراقيل التي تقف في وجه إعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي. وعلقت على ذلك بالقول ان تنشيط الاقتصاد الأميركي اليوم يفتقد إلى الكثير من العوامل منها العمالة لأن معدلات البطالة اليوم تستمر في الارتفاع وقد وصلت إلى حوالى 6 في المئة. وأضافت ان تحديا يواجه موظفي الاحتياطي الفيدرالي اذ يدور جدل بشأن الخطوة التالية وخصوصا بشأن خفض معدلات الفائدة كحل للأزمة، لافتة إلى ان الاقتصاد الأميركي اليوم يتعرض لخطر انحسار التضخم. ولكنها اعتبرت ان خفض معدلات الفائدة لن يكون له مفعول طويل الأمد فالمعدلات اليوم تصل إلى حدود الصفر في الولايات المتحدة. وختمت بالقول إن خطوة مثل خفض معدلات الفائدة سيفقد الاحتياطي الفيدرالي آخر وسيلة للدفاع عن نفسه
العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ