بكل استغراب قرأت نفي وزارة الإعلام للخبر والتحقيق الذي نشرته «الوسط» عن حفل قام به «المثليون» في أحد الفنادق.
والغرابة في الأمر ان النفي جاء في الوقت الذي لم يعد بالإمكان انكار ما حدث... وكان بالإمكان ان تتصدى الوزارة إلى الظاهرة وإلى المشكلة بدلا من انكارها. فالإنكار والنفي لا يؤثر على الحقيقة بأي حال من الأحوال، و«الوسط» ليست بحاجة لاختلاق شيء لم يكن، ولو لم يكن الشيء قد حدث فإن «الوسط» لم تكن ستنقله أبدا. فـ «الوسط» اقترن اسمها ونهجها بالصدق مع أهل البحرين وهي لم تكذب عليهم ولم تفتعل حدثا لم يكن.
بعد هذا التأكيد، فإن النفي الصادر من الوزارة ليس له محل من الاعراب، وإنما شأنه شأن ما تعودناه من محاولات اخفاء المشكلة اعتقادا من البعض ان الاخفاء هو السبيل الأفضل للحل...
لقد كان الأجدر للوزارة ان تتحقق كثيرا قبل اصدار النفي، فلو قلنا إن بداية التحقيق كان تسلم «الوسط» معلومات عن خطة لزواج «المثليين» وذهبنا إلى المكان ووجدنا الحفلة الخاصة جدا بالمثليين ولم نجد الزواج (مثلا) فإن التحقيق المنشور صحيح ولا يمكن نفيه، والحفل المذكور اقيم، واشرف أشخاص معروفون بأخلاقياتهم «المثلية» على اعداده للذكور من أمثالهم...
بعد هذا يمكننا ان ننتقل الى تشخيص المشكلة لأن «تشخيص المرض نصف العلاج»... ففي البداية يتم اكتشاف المرض وثم يتم تشخيصه وبعد ذلك علاجه. ومحاولة اخفاء الأمر لا تنفع شيئا أبدا، والأفضل للوزارة هو انتظار نتائج التحقيق الذي أمر به مجلس الوزراء وبعد ذلك الادلاء بالرأي، وعند الادلاء بالرأي يمكن الرد على جزئية معينة مثل عدم حدوث الزواج، ولكن لا يمكن على الاطلاق نفي الحادثة من الأساس.
ما هو دور الإعلام في عصرنا الحالي؟ هل هو للاخفاء؟ واذا كان ذلك لماذا لا يتم تغيير اسماء وسائل الإعلام إلى وسائل الاخفاء؟
إننا من الذين يؤمنون بأن ما كل ما يعرف يقال، ولكن القاعدة العامة هي التصريح بأكثر ما يعرف... وفعلا نحن لم نصرح بكلما نعرفه لأن ليس كلما نعرفه عن هذا الموضوع أو غيره يمكن قوله. وهذا أمر طبيعي تواجهه كل وسائل الإعلام في أي مكان، وهذا أمر يتعلق بالحكمة التي يتمتع بها مجتمع ما بحيث يمكن التعرف على المشكلة وحلها من دون التسبب في مشكلة أخرى...
فالوزارة بنفيها خلقت مشكلة أخرى كانت هي في غنى عنها، ووجهت الأنظار ثانية للمشكلة التي هي في طورها للمعالجة بعد توجه المسئولين وعلماء الدين ومن يهمهم الأمر كافة إلى الظاهرة بصورة جدية. وهذا ما استشعرناه من الاتصالات المتكررة من المسئولين الذين أبدوا اهتمامهم وجمعوا المعلومات من «الوسط» ومن الجهات الأخرى، وبحسب علمنا فإنهم لم يتوصلوا إلى النتيجة التي اعلنتها وزارة الإعلام.
إننا في «الوسط» سعينا ونسعى دائما لمراعاة كثير من الأمور، ولذلك ليس من المعقول ان بعد كل هذه الحيطة والحذر والابتعاد عن تصعيد المشكلات تقوم جهة رسمية بتصعيدها بهذا الأسلوب في الوقت الذي كلف مجلس الوزراء بإجراء تحقيق في الأمر لأخذ الدروس مما حدث ومعالجة الظاهرة.
ان البحرين شأنها شأن أي بلد آخر في عصر العولمة... فأبناؤنا وبناتنا جميعهم على اطلاع من خلال الانترنت والقنوات الفضائية بكل حسن وخبيث في عالم اليوم. وأطفالنا، كما هم أطفال العالم سواء كانوا في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب، معرضون إلى موجات من الشعوذة والشذوذ وعبادة الشيطان وغيرها من الأمور التي لا يمكننا تخيلها أو لا نود تصديقها...
هناك في البلدان العربية الأخرى تم الكشف عن كلما ذكر أعلاه وهناك تحقيقات صحافية ورسمية في مختلف الأمور، وهناك معالجات لها. ولكن لا يوجد نفي لها، لأنها موجودة في كل مكان، ونحن الآن مرتبطون بكل مكان ونأخذ كل حسن وكل قبيح من كل مكان.
بدلا من النفي، يمكن السعي لتخصيص القدرات المادية والفكرية وتوجيهها إلى دراسة المشكلات ومحاولة التعرف على جذورها والسعي إلى حلها بالتعاون مع الجميع، بدلا من خلق مشكلات مع الآخرين كلنا في غنى عنها. فـ «الوسط» ليست هي المشكلة وانما المشكلة في الممارسات «المثلية» وغيرها من الأمور التي كشفت «الوسط» جزءا منها.
إننا حريصون كل الحرص على سمعة بلادنا، ولكن مواجهة الأمر بالصدق ومعالجته بالصدق. وهذا ما عملنا به في تحقيق «الوسط»، فلقد قلنا انه كانت هناك إشاعة عن «زواج» لمثليين، ولكن وجدت «الوسط» انه كان تجمعا للمثليين، وهو ليس الأول من نوعه الذي يحدث في البحرين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 295 - الجمعة 27 يونيو 2003م الموافق 26 ربيع الثاني 1424هـ