العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ

باول والحكومة الفلسطينية: الإنذار والاختبار

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

خلاصة ما جاء به الوزير باول إلى المنطقة، إنذار موجه إلى الحكومة الفلسطينية. إما أن تتحرك بسرعة وحسم لضرب الفصائل المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وإلا عليها مواجهة المزيد من عدوانية حكومة شارون التي أمهلت أبومازن ثلاثة أسابيع للقيام بهذه المهمة، مع احتقان أميركي كامل لهذا الموقف.

وخلاصة المطروح هذا يضع الجانب الفلسطيني، سلطة ومقاومة، أمام اختبار تاريخي: إما تجويف الانذار وبالتالي اجتياز الامتحان بسلامة، وإما ارتكاب خطيئة الاشتباك مع الذات وتقديمها هدية إلى «إسرائيل».

إدارة الرئيس بوش لم تكن مرة أكثر صراحة ووضوحا في مطالبها وتطابق سياستها مع المشيئة الإسرائيلية، فالوزير الأميركي لم يترك مجالا للالتباس أو الاجتهاد.

في السابق كان يحرص على عدم الخروج عن الصوغ الدبلوماسي، في محاولات تسويق الوقوف إلى جانب «إسرائيل». هذه المرة غادر هذه اللغة وخاطب الطرف الفلسطيني باللسان الإسرائيلي القحّ. وبالتحديد باللسان الشاروني، حتى لا تكون هناك مساحة للتأويل. الفحوى أن المقاومة «عدو للسلام» وعلى السلطة «وضع حد نهائي» لها، بزعم أنها تندرج في خانة العمل «الإرهابي». وعلى هذا الأساس مطلوب من أبومازن «أن يتحرك سريعا وسريعا جدا...» وأن يقدم «خططا محددة من أجل تولي مسئولية الأمن في غزة وبيت لحم».

ليس ذلك فحسب بل انه تعمّد الابهام تجاه مسألة الاغتيالات التي تقوم بها «إسرائيل» في صفوف القيادات الفلسطينية، وبما يفيد أن واشنطن تتفهم على الأقل أو لا تعترض صراحة على هذه السياحة. وحتى يكون التغريد باللحن الإسرائيلي غير منقوص، تعمّد الوزير باول الحديث عن موضوع الاستيطان من زاوية «المستوطنات غير الشرعية»، أي غير المأذون حكوميا بها، وبما ينطوي على التفريق بينها وبين الموافق عليها من قبل الحكومات الإسرائيلية، والتي حرص الوزير على الإشادة بأن التفكيك لا يطالها. وكأنه أراد القول إنها شرعية!

كما تعمّد الوزير شمل سورية بانذار مبطن، متوعدا بالمزيد من الضغوط عليها لاتخاذ الإجراءات المطلوبة منها تجاه الفصائل الفلسطينية، التي لها مكاتب في دمشق، والتي رأى أن التدابير التي اتخذت ازاءها «محدودة وغير كافية على الاطلاق». تماما كما تراها «إسرائيل».

وبدا من لهجة الوزير أن واشنطن على عجلة من أمرها بخصوص حسم ملف المقاومة الفلسطينية، تمهيدا لمواجهات أكبر وأوسع في المنطقة، بدأت ملامحها تتبلور من خلال التسخين مع إيران وسورية. ومستشارة الرئيس بوش، كوندوليزا رايس، قادمة إلى المنطقة بعد أيام لتزخيم هذا التوجه ووضع اللمسات الأخيرة عليه.

إذا الرسالة بليغة ولا تحتمل التأويل.

مقابل هذه الهجمة الواضحة المعالم والأهداف يسود الساحة الفلسطينية حال من البلبلة يختلط فيها الحذر بالمرونة بالاستعداد عند البعض للانزلاق في طريق «خريطة الطريق»، المؤدية إلى الهاوية. فريق من السلطة رأى أن المحادثات مع الوزير باول كانت «مخيبة للآمال». فريق آخر بلع الإملاءات الأميركية - الإسرائيلية، لكنه متردد في العمل بنصيحة واشنطن لجهة الاسراع في التطبيق حتى لا يبقى التنفيذ «رهينة» لمحادثات الهدنة مع فصائل المقاومة. وفريق ثالث يتحدث بلغة الضغوط والتلويح بالحسم، محذرا بأن «الحوار الداخلي انتهى» وأن «الكرة باتت الآن في ملعب الفصائل الفلسطينية»! ويطالب هذه الأخيرة بالرد على موقفها بشأن الهدنة المقترحة، خلال يوم أو اثنين.

في الوقت ذاته الكل يتحدث عن التمسك بوحدة الصف الفلسطيني وبالحرص على عدم الوقوع في فخ الحرب الأهلية. كذلك الكل يتحدث عن الحق في مقاومة الاحتلال. لكن هذا التوافق العريض يتبخّر عند النزول إلى التفاصيل. أو على الأقل تتسع عندنا الفجوة بين أطرافه. رئيس الحكومة الفلسطينية لا يبدو أنه قادر على الذهاب مع واشنطن - المحتضنة للشروط الإسرائيلية - إلى آخر الشوط. فصائل المقاومة لا تبدو هي الأخرى مستعدة لرمي سلاحها وأوراقها وبرامجها ثم التخلي عن مسيرتها من دون أي مقابل. كما أنها كشفت عن حذاقة في اللعب على التناقضات والالتفاف على المطبّات والتعقيدات. لكن الضغوط تتزايد، ومعها تتقلص مساحة الحركة والمناورة. وبذلك يبقى على الوضع الفلسطيني مواجهة لحظة الحقيقة والخيار التاريخي: إما حصول الفرز وتركه يأخذ مداه، وبالتالي حصوص الانشطار على الساحة، وإما تغليب الوحدة الحقيقية على قاعدة التصدي للاحتلال.

التجربة غنية بدروسها. من أهمها أن واشنطن ليست في وارد أمرين:

1- أن تلعب دور الوسيط المحايد في هذا الصراع.

2- أن تمارس الكافي واللازم عن الضغوط على تل أبيب لتحقيق أية تسوية سلمية، بالحد الأدنى المقبول.

هذه الحقائق باتت في منزلة اليقين والبديهة الساطعة لكل ذي بصر وبصيرة. ومن يعاند ويتشبث بخلافها هو كمن يتشبث بانه بإمكان الفيل استخدام أذنيه العريضتين جناحين ليطير.

ليس خافيا أن الوضع الفلسطيني يتعرض لضغوط هائلة متعددة الأشكال والمصادر، في وقت تضيق فيه خياراته أكثر وأكثر ويتم الاستفراد به بصورة شبه تامة. كما ليس خافيا أن عملية الانقضاض الأميركي - الإسرائيلي عازمة بأن تكون من العيار الكاسر، مستقوية بسقوط العراق ومتحفزة لاسقاط حلقات أخرى في المنطقة. لكن مع ذلك بإمكان الساحة الفلسطينية متابعة الصمود إذا لم تسقط في الفخ وتفرّط في مناعتها الداخلية. قضيتها عصية على التقزيم ومقاومتها، كما أثبتت بالبرهان، عصية على التركيع

العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً