عندما ترتبط الدول بالمواثيق والاتفاقات الدولية يصبح لزاما عليها التقيد بأحكامها والعمل بنصوصها انطلاقا من الالتزام الدولي والأدبي بتلك المواثيق والمعاهدات التي وقعتها الدولة وصدقت عليها ولا مندوحة بعد ذلك للتنصل من أحكامها والتذرع بما ليس بذريعة. ومن المعاهدات المهمة التي يجب على كل دولة التصديق عليها والعمل بأحكامها هي تلك الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ومن هذه الاتفاقات المهمة في هذا الصدد اتفاق مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهنية، ذلك الاتفاق الذي انبثق جراء شعور الانسان المتنامي تجاه الحكومات التي تنكل وتجرح وتعذب وتهين الانسان الذي يدافع عن حقوقه.
ان مملكة البحرين من الدول التي بادرت بالانضمام الى ذلك الاتفاق بموجب المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 1998 واصبحت من الدول التي تناهض التعذيب بشتى أشكاله ومظاهره ولم يأت هذا الانضمام عنوة وانما أتى استجابة لصوت الحق الذي تنادي به الشريعة الاسلامية ويصدح به دستور البلاد ويتبناه ملك المملكة انطلاقا من المحافظة على حقوق الانسان.
الأساس القانوني للمعاهدات
تنص المداة (37) من دستور مملكة البحرين الجديد للعام 2002 على أن (يبرم الملك المعاهدات بمرسوم، ويبلغها الى مجلس الشورى والنواب فورا مشفوعة بما يناسب من البيان وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية. على ان معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة او ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة والخاصة ومعاهدات التجارة والملاحة والاقامة والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الموازنة أو تتضمن تعديلا لقوانين البحرين يجب لنفاذها ان تصدر بقانون ولا يجوز في أي حال من الاحوال ان تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية).
يتضح من هذا النص الدستوري ان هناك نوعين من المعاهدات الدولية التي تبرمها مملكة البحرين، فهناك المعاهدات التي يقوم بإبرامها والتصديق عليها الملك بارادته المنفردة ويصدرها بمرسوم (قرار) ومن ثم تنشر في الجريدة الرسمية وتكون لها قوة القانون وتصبح اتفاقا نافذا دوليا وتدخل ضمن القانون الداخلي للمملكة.
أما النوع الثاني فهو تلك المعاهدات التي حددها الدستور ونص عليها وطلب لأن تكون نافذة ان يصدر بشأنها قانون من السلطة التشريعية حتى تصبح بعد ذلك نافذة وتصبح جزءا من النظام الداخلي للدولة، وهذه المعاهدات تتمثل في المعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة والمعاهدات التي تحمل خزينة الدولة نفقات غير واردة في الموازنة ومعاهدات الصلح والتجارة والملاحة والمتعلقة بحقوق الانسان.
كما يلاحظ ان الدستور ومن خلال نص المادة (37) اخذ بفكرة وحدة القانون اذ (تكون لاتفاق قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها).
وعلى هذا فالمعاهدات التي تتعلق بالسيادة كما أسلفنا تحتاج لنفاذها ان تصدر بقانون من المجلس الوطني ومن ثم بعد ذلك تجد طريقها لأن تندمج في التنظيم القانوني للدولة.
العلاقة بين الاتفاق والقانون
عندما يتم نشر الاتفاق في الجريدة الرسمية يصبح نافذا من تاريخ نشره أو من تاريخ يتم تحديده في قانون الاصدار وعلى الجهات تنفيذه كل فيما يخصه، غير انه في هذه الحال تثور مسألة العلاقة بين هذا الاتفاق الدولي والقانون الداخلي، فهل الاتفاق يتساوى مع القانون الداخلي في القوة أم انه أعلى منه رتبة؟ لا يمكن لنا ان نعرف هذا الوضع الا من خلال الوضع الدستوري للدولة، فبعض الدول تعطي الاتفاق بعد ان تندمج في القانون الداخلي قوة القانون وهناك بعض الدساتير تعطي الاتفاقات والمعاهدات قوة أعلى من القوانين الداخلية وهذا مسلك الدستور الفرنسي الصادر في 4 اكتوبر/ تشرين الأول 1958 اذ تقضي المادة (55) منه على ان (المعاهدات أو الاتفاقات التي يتم التصديق أو الموافقة عليها طبقا للأوضاع المقررة يكون لها بمجرد نشرها قوة أعلى من قوة القوانين وذلك بشرط ان يطبق الطرف الآخر الاتفاق أو المعاهدة).
وهناك بعض الدساتير تعطي المعاهدة قوة أعلى من الدستور اذ انه يمكن تعديل الدستور بناء على المبادىء التي يحتويها الاتفاق.
وبناء على ما تقدم فان الاتفاقات والمعاهدات المتعلقة بالسيادة والملاحة ومعاهدات الصلح والمعاهدات التي تؤدي الى ان تتحمل خزينة الدولة نفقات، فان هذه الاتفاقات تحتاج لنفاذها إلى قانون اصدار داخلي ليترتب عليها الأثر القانوني.
التعارض بين المعاهدات والقانون الداخلي
لا شك ان المعاهدات قد تحتوي على أحكام قد تتعارض مع القانون الداخلي للدولة أو حتى احيانا قد تتعارض مع الدستور، ففي هذه الحال أي حال - التعارض - فأي الاحكام تكون أولى بالتطبيق؟ هل الاحكام التي جاءت بها المعاهدة التي تم التصديق عليها أم تلك الاحكام التي يحتوي عليها القانون الداخلي؟
الموضوع يختلف باختلاف النص الدستوري الذي يستند إليه الاتفاق، فبالنسبة إلى مملكة البحرين نرى ان الدستور قد سوى بين المعاهدة الدولية والقانون الداخلي في المرتبة والدرجة بحيث ينطبق على المعاهدة ما ينطبق على القانون الداخلي وتسري عليها بالتالي سائر أحكام النظرية العامة للقانون من حيث ان الخاص يقيد العام والقانون اللاحق ينسخ القانون السابق وهكذا، ففي هذه الحال اذا صدر قانون لاحق على المعاهدة الدولية تخالف احكامه المعاهدة الدولية فانه في مثل هذه الحال يجب تطبيق القانون اللاحق على المعاهدة حتى ولو كان مخالفا لها ومن هنا ينهض الدليل على ان المشرع عندما يقوم بإصدار قانون يخالف المعاهدة فان ارادته قد اتجهت الى ان يتحلل من بنودها وبالتالي عدم الالتزام بها.
وهناك دساتير رفعت الاتفاق الى مرتبة أعلى من القانون الداخلي فهذه الدول تعطي أفضلية للمعاهدة على القانون الداخلي للدولة ولكن في المقابل نرى ان بعض الاتفاقات تنص صراحة على تقديم احكام المعاهدة على القانون الداخلي في حال التعارض وان تقوم الدولة بتعديل قوانينها بموجب احكام الاتفاق إلا اذا كانت القوانين الداخلية تقدم حقوقا والتزامات إلى الأفراد افضل مما قدمه الاتفاق فان احكام القوانين الداخلية تكون في هذه الحال مقدمة على احكام الاتفاق
العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ