العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ

بين الجامعة... والاتحاد الأوروبي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في اجتماع مجلس الوزراء العرب الذي عقد حديثا في القاهرة ناقش المجتمعون الموضوعات المدرجة على جدول أعمال القمة السادسة والثلاثين. وكرر المجتمعون ما سبق وتطرقوا اليه في القمة 35 و34 و33 نزولا الى «قاع صفصف». فالاجتماع الأخير رقمه «قمة 36» وفيه تمت أيضا مناقشة التوصيات المرفوعة من اللجنة الدائمة (وليست المؤقتة) للاعلام العربي المتعلقة بسبل «تفعيل» الاعلام العربي المشترك والخطة الاعلامية العربية «التي أقرت في اجتماعات سابقة»، مضافا اليها (الخطة) دعم صمود القدس (المحتلة) وحماية «عروبتها».

لا جديد اذا في قمة الـ 36. فالتوصيات مجرد تكرار ملل وباهت لتوصيات سابقة اجترت أيضا من توصيات سابقة عن سلسلة قمم... وبعد كل قمة هناك هضبة ثم النزول الى الوادي وبعده نبدأ الصعود مجددا إلى قمة لا تختلف كثيرا عن السلسلة السابقة.

لا جديد اذا. الجديد الوحيد انه طغت على الاجتماع الأخير، وربما للمرة الأولى، مراجعات نقدية للفترات الماضية اذ تخلل النقاش انتقادات لاذعة لانعدام المسئولية العربية والاكتفاء بالكلام والخطابات والابتعاد عن الفعل وتنفيذ ما يتفق عليه.

النقد الذاتي دفع أمين عام الجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى القول إن الجامعة ليست مسئولة عن تردي الوضع العربي. فالجامعة هي مرآة تعكس واقع الدول العربية ولا قدرة لها ولا تتمتع بالصلاحيات التي تجيز لها امكان تغيير الواقع العربي. فالدول العربية هي المسئولة وهي اذا لم تتحرك على هذا المستوى فالجامعة لا تستطيع أن تفعل شيئا سوى إبقاء الحال على حاله والمحافظة على شكليات اللقاءات وضبط مواقيتها.

كلام عمرو موسى في محله وهو الحديث الصحيح في ركام من الأخطاء والثغرات. الجامعة فعلا لم تؤسس الدول العربية بل الأخيرة هي التي أسستها. والجامعة، في النهاية، مجرد وعاء يستقبل المشكلات، ولكنها، حتى الآن، وعلى رغم مرور عقود من الزمن على تأسيسها، لم تتحول إلى قوة فاعلة تستطيع وضع تصورات أو آليات لها صلاحيات المتابعة والاشراف على ترتيب الحلول للمشكلات.

كلام موسى في مكانه. فالدول العربية تتحمل مسئولية تردي العلاقات العربية وبالتالي انهيار الدور المركزي أو المتوقع من جامعة الدول العربية. فالمشكلة في الدول لا في جامعتها، والجامعة هي على صورة الدول العربية ومثالها.

الدول العربية حتى الآن لم ترق «لأسباب موضوعية وذاتية» إلى سوية من الوعي المركب بين المصالح الخاصة والمشترك العربي العام. ومعظم تلك الدول ترى في الجامعة مجرد منبر للخطابات والتعبير عن وجهات نظرها (هايد بارك) وليست اطارا لعرض المشكلات والعمل على حلها سوية.

الدول العربية على عكس الدول الأوروبية. الأخيرة تتميز - اضافة الى فروقات كثيرة - بالقدرة على تكييف مصالحها (مصالح الدولة الوطنية) في إطار اتحادي أوسع وأشمل في سوقه وامكاناته وطاقاته. وعلى رغم وجود فروقات واختلافات في مصالح الدول الأوروبية، نظرا إلى تعدد مشاربها الثقافية والقومية واللغوية والجغرافية والمناخية والتاريخية، نجحت في وضع صيغة تنظيمية مرنة قادرة على احتواء التعارضات في وجهات النظر من دون أن تسبب كسرا في علاقات دول الاتحاد. فالصيغة التنظيمية الاتحادية الأوروبية لا تفترض الاجماع ولا تطلبه. فكل دولة لها الحق في الاعتراض أو الموافقة. ولكن في حال وافقت الدول على قرار معين يجب عليها أن تبادر إلى تنفيذه ضمن المهلة القانونية. بينما الدول المعترضة تستطيع الاستمرار في موقفها من دون أن تخرج من الاتحاد لأنه أصلا لا يشترط الاجماع على قراراته. كذلك تستطيع الدولة المعترضة أن تعيد النظر في موقفها وتحاول تقييمه من دون اكراه وفي حال عدّلت رأيها توقع الاتفاق أو القرار وتبدأ بتطبيقه ضمن مهلة زمنية.

كذلك الدول التي وافقت ورأت بعد فترة أن القرار (أو الاتفاق) لا يناسبها يمكنها الانسحاب بشرط أن تفي بالتزاماتها السابقة وضمن مهلة قانونية أيضا.

هذا النظام الاتحادي المرن أعطى حيوية للدول الأوروبية وسمح لها بالتحرك على خطين. ويمكن اعطاء عشرات الأمثلة السياسية والاقتصادية والنقدية والدفاعية والاجتماعية على حرية اختيار الدولة الموقف الذي يناسب مصالحها حتى لو خرجت وحدها على الاجماع الأوروبي.

الصيغة التنظيمية للجامعة العربية مختلفة عن النزعة الاتحادية (الهرمية) الأوروبية. فالجامعة أشبه بالقبيلة فهي مضرب من الخيم المتجاورة المتحالفة عصبيا والمتقاربة لغويا ودينيا تتفق كل فترة على شيخ قبيلة (أمين عام جامعة الدول). فالصيغة العربية تفترض الاجماع وتشترط موافقة كل الدول (الخيم) على موقف موحد وإلا فإن القرار أو الاتفاق لا ينفذ. والمشكلة ليست هنا، المشكلة هي أن كل الدول في معظم الحالات اتفقت ووافقت على قرارات اجماعية وبيانات ختامية. وحين تنتهي جلسات القمة تذهب كل دولة الى ربعها (خيمتها) وتنتهي المهمة بانتظار حضور جلسات أخرى لقمة جديدة. فالدول العربية، أو معظمها، تجد نفسها مضطرة خجلا على الموافقة على قرار اتخذ بالاجماع. وخوفا من اتهامها بالخروج على «القبيلة» توافق حتى لا ترشق بالشتائم ويشار إليها بالبنان أنها تعمد إلى شق الصف العربي وتهدد مصيره ومستقلبه. فالدول توافق عن غير قناعة وتذهب إلى ربعها لا من أجل تنفيذ ما اتفق عليه بل من أجل «تفخيخ» القرارات ومنع تفعيلها.

مشكلات الجامعة العربية كثيرة وقد تكون واحدة منها هي تخلف الأطر التنظيمية التي تربط الدول العربية وعدم مجاراتها للتطورات الدولية وتفاوت المصالح وأحيانا المشاعر العربية بين دولة وأخرى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً