يعمل البيت الأبيض في سياق فشل سلطة الاحتلال الأميركي على ضبط الوضع الأمني في العراق والرد على الانتقادات المتزايدة لإخفاق الحكومة الأميركية في حربها ضد ما تسميه بـ «الإرهاب» حاليا على إضفاء صفة «معركة» وليس «حربا» على غزوها واحتلالها للعراق الذي شارك فيه أكثر من 150 ألف جندي أميركي برا وبحرا وجوا. وقد استخدم الرئيس الأميركي جورج بوش في البداية عبارة «معركة العراق» عندما أعلن في الأول من شهر مايو/ أيار الماضي وقف العمليات العسكرية الرئيسية في العراق. ويرى مراقبون أن بوش منذ ذلك الحين قد التزم بهذه التسمية التي يقول المراقبون إنها جزء من استراتيجية البيت الأبيض لاستمرار الحملة ضد «الإرهاب» ولحملة بوش من أجل إعادة انتخابه لولاية ثانية. وتؤكد مصادر مطلعة أن المستشار السياسي لبوش الأكثر نفوذا في البيت الأبيض كارل روف كان الأكثر إصرارا على ضرورة تسمية العدوان على العراق واحتلاله بـ «معركة» إذ نقل عنه قوله «إن ما جرى في العراق هو قبل كل شيء معركة وليس حربا... إن ذلك جزء من حرب ضد الإرهاب» ويقول مطلعون إن روف الذي أشرف على حملة إيصال بوش إلى البيت الأبيض، كان أحد أبرز من نصحوا بوش بالحرب ليس فقط على العراق ولكن أيضا على أفغانستان. وهو يعمل الآن على إقناع الرئيس بوش بأن يكون للكيان الصهيوني جزء ونصيب في نفط العراق وإن أمكن دور إسرائيلي في العراق. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن آمال بوش في إعادة انتخابه ستتوقف إلى - حد بعيد - على ما إذا كان الناخبون سيركزون الاهتمام على الإرهاب والأمن القومي أو على الاقتصاد والقضايا المحلية. وفي الوقت الذي لا يزال بوش يحظى بشعبية تفوق الخمسين في المئة لأدائه كقائد أعلى للقوات المسلحة إلا أن الأميركيين أقل حماسا بشأن الاقتصاد الذي فقد أكثر من مليوني وظيفة منذ تولي بوش منصبه.
ومع ذلك فإن القول بأن الحرب مجرد «معركة» ليس استراتيجية من دون أخطار. ويقول مسئولون في أجهزة المخابرات الأميركية إن غزو العراق حول موارد ثروة من عملية البحث عن أسامة بن لادن وغيره من قادة القاعدة، كما أن هناك أدلة جديدة تشير إلى أن إيران لديها روابط مع القاعدة في الوقت الذي لم يتم التأكد من وجود روابط للعراق مع القاعدة. ولكن إذا أعطي بوش الخيار بين خوض حملة إعادة انتخابه على أساس قضية الأمن القومي أو خوضها على أساس قضية الاقتصاد فإن الأمن القومي هو الخيار الواضح. ففي العام 1992 فإن بوش الأب شاهد شعبيته تهبط بصورة قوية عندما حول الأميركيون اهتمامهم من الحرب التي شنها على العراق إلى الاقتصاد الهابط. ومن غير المحتمل أن يحدث ذلك الآن إذا اعتقد الناخبون الأميركيون أن حرب العراق جزء من الحرب الأكبر التي بدأت بعد 11 سبتمبر/ ايلول 2001 على «الإرهاب» وهو ما يركز عليه كبار المسئولين الأميركيين بين الحين والآخر بالكشف عن جديد في حملة واشنطن على «الإرهاب». وقال رئيس مؤسسة أبحاث التسويق دانييل يانكيلوفيتش، «إنه طالما بقي الأمن القومي مبهما كما هو الآن فإنه يتقدم على كل شيء آخر» مضيفا أن الحكومة الأميركية «تدرك أن هذه ورقتهم الرابحة وسيواصلون اللعب بها إلى أطول وقت يستطيعونه». وكان بوش وصف القتال قبل نهايته بانه «حرب» وقال في شهر ابريل/ نيسان الماضي بعد زيارته الجنود الأميركيين الجرحى إن هذه الحرب ستنتهي عندما يبلغني القادة الميدانيون بأن الأهداف قد تحققت. ولكن عندما جاء ذلك الوقت اختار بوش كلمات مختلفة. وقال بوش من على حاملة الطائرات الأميركية ابراهام لنكولن إنه «في معركة العراق، فقد سادت الولايات المتحدة وحلفاؤها في هذه المعركة التي خضناها من أجل الحرية ومن أجل سلام العالم» وقد استخدم بوش كلمة معركة ثماني مرات على الأقل منذ ذلك الحين من بينها في مناسبة يوم الشهداء. وقال مدير الإعلام في البيت الأبيض دان بارليت إن هذا التغيير هو محاولة متعمدة لجعل الصراع بشأن العراق جزءا من حرب على الإرهاب وأضاف «ان هناك معركة في أفغانستان، وهناك معركة في العراق، وهناك معارك لا تستطيعون رؤيتها، ولكنها كلها جزء من حرب واسعة»
العدد 292 - الثلثاء 24 يونيو 2003م الموافق 23 ربيع الثاني 1424هـ