العدد 292 - الثلثاء 24 يونيو 2003م الموافق 23 ربيع الثاني 1424هـ

أمن الخليج والتغيرات الدولية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تتمثل مصادر التهديد بدول الخليج في اربعة مصادر رئيسية:

1- الدول المتطلعة إلى السيطرة: ايران - العراق - «اسرائيل»، ولكل دولة من هذه الدول تاريخ وارتباطات بالاوضاع الاقليمية او الدولية مع عدم اغفالنا حقيقة اختلاف وضع كل دولة من هذه الدول او حجم تهديدها للأمن العربي او الأمن الخليجي ولاشك ان غزو ايران لجزر الامارات العربية ومطالباتها بمناطق اخرى فضلا عن سياستها في تصدير الثورة، وهذه السياسة في جوهرها لم تختلف في عهد الشاه عنها في عهد الثورة الاسلامية فاحتلال جزر الامارات ورفض الاحتكام للتحكيم او القضاء الدولي يمثل استمرارية للموقف الايراني. اما غزو العراق للكويت وضغوطها على دول الخليج الاخرى وسياستها بالسيطرة تحت الشعارات القومية فهي حقيقة اخرى قائمة.

والنشاط الاسرائيلي في عدد من دول الخليج بصورة رسمية او غير رسمية فضلا عن تهديدها الضخم للأمن العربي ككل واستيلائها على الاراضي الفلسطينية لا يترك مجالا للشك في انها المهدد الرئيسي للأمن العربي. باختصار فان كل هذه مظاهر على كون هذه الدول تمثل مصادر للتهديد، وان اختلفت درجة هذا التهديد من فترة تاريخية إلى ألاخرى ومن دولة خليجية إلى أخرى.

2- الهجرة والعمالة الاجنبية ويؤثر ذلك في بنية المجتمع الخليجي وهويته الوطنية وثقافته وتوجهاته السياسية ومن ثم استقراره السياسي والاجتماعي.

3- القلاقل الداخلية المتصلة بسعي بعض القوى للتغيير السياسي وتطوير النظم السياسية في المنطقة.

4- الوجود العسكري الاجنبي في منطقة الخليج.

الثاني: تداعيات غزو العراق على أمن الخليج:

أ- لقد ترددت اربع مقولات لتبرير او تفسير غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق، وهذه المقولات هي:

- محاربة الارهاب إذ تم الربط بين نظام صدام حسين ونظام القاعدة في افغانستان.

- اشاعة الديمقراطية والقضاء على نظام استبدادي ينتهك حقوق الانسان.

- السيطرة على موارد النفط الضخمة في العراق سواء في الانتاج او الاحتياط.

ب- ومن ناحية اخرى فقد اصبحت دول الخليج متهمة عموما بعدد من الاتهامات المتصلة بالمقولات السابقة بصورة او بأخرى ومن هذه الاتهامات انعدام الديمقراطية، وانتهاك حقوق الانسان واضطهاد الاقليات، تمويل الارهاب، نشر ثقافة الكراهية والتعصب والتطرف.

الثالث: محصلة تفاعل غزو العراق للكويت وغزو الولايات المتحدة للعراق:

لاشك ان هذين الحدثين شديدا الارتباط ببعضهما بعضا فكلاهما يمكن اعتباره سببا ونتيجة للآخر. فحديث السفيرة الاميركية السابقة ابريل جلا سبي مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين في يوليو/تموز 1990 شجعه بطريقة ما على غزو الكويت ما مهد للتدخل الاميركي في المنطقة الذي بدوره طور من سياسته بغزوه للعراق لمزيد من السيطرة على منطقة الخليج. وهكذا تنجلى نتائج ذلك كله في الآتي:

- تداخل مفهوم العدو من داخلي وخارجي اي من خارج المنطقة ومن داخلها فضلا عن استخدام القوى الداخلية في كل دولة وخصوصا في العراق لإحداث قلاقل وعدم استقرار مستغلين معاناة تلك القوى واحباطاتها تجاه النظم في العراق او غيرها من بعض دول الخليج.

- استنفاد ثروات النفط وفوائض الاموال من خلال تمويل اعمال الغزو والتحرير وكلفة اعادة البناء في الكويت ثم العراق فضلا عن الحفز لشراء الاسلحة المتطورة لاغراض الدفاع عن دول الخليج.

- ارهاب النظم في المنطقة باتهامها بتمويل الارهاب او نشر ثقافة الكراهية.

- تراجع مفهوم الأمن القومي العربي بل ومفهوم القومية العربية ذاته.

- تعزز الوجود العسكري الاميركي والبريطاني في الخليج بعد ان خرجت القوات البريطانية العام 1971 في اطار سياستها للانسحاب من شرق السويس، اي عاد الاستعمار بصورة شبه تقليدية من خلال القواعد العسكرية في ظل الاستقلال وبرضاء صريح او ضمني من الدول المعنية كوسيلة من وسائل الحفاظ على امنها المهدد.

- احتمالات ظهور التهديد الداخلي لأمن دول الخليج من خلال القلاقل والاضطرابات للقوى المهمشة في المجتمع والمتطلعة للمشاركة السياسية (الاضطرابات في السعودية وفي ايران في الفترة يونيو/حزيران 2003 ليست الا نموذجا لذلك).

الرابع: اساليب تحقيق أمن الخليج:

لقد تطورت تلك الاساليب عبر مراحل مختلفة وفقا لظروف كل مرحلة وأولويات قضية الأمن لديها ومصدر التهديد في كل مرحلة:

1- اثر الاستقلال مباشرة اعتمد الخليج مفهوم الأمن القومي العربي في اطار الجامعة العربية وسيلة من وسائل الأمن ضد الغزو من اية دولة اجنبية او من دول الجيران (تهديد العراق للكويت العام 1961 نموذجا لذلك) وايضا مساندة دول الخليج للعراق في حربها ضد ايران تحت مقولة حماية البوابة الشرقية للامة العربية.

2- في مرحلة تحرير الكويت 1990 - 1991 اعتمدت دول الخليج تجمع دول اعلان دمشق كركيزة من ركائز الأمن بالاضافة إلى التحالف الدولي الذي قاد عملية تحرير الكويت.

3- السعي للاعتماد على الذات بانشاء قوات درع الجزيرة.

4- وفي الوقت نفسه عقد اتفاقات أمن ودفاع ثنائية مع القوى الكبرى الخمس وخصوصا بالنسبة إلى الكويت.

5- الاعتماد على الركيزة الوطنية بتطوير قوات دفاع كل دولة خليجية واحيانا الاساليب الخمسة استخدمت بالتوازي بدرجات مختلفة.

ولكن من ناحية اخرى يمكننا القول ان الاختيارات المطروحة لتعزيز امن الخليج متنوعة ما بين الاطار الدولي إلى الاطار الوطني ونسوق في هذا الصدد الآليات الآتية:

الاولى: في اطار الأمن القومي العربي باعتبار ان امن الخليج جزء من الأمن العربي ولذلك ساهمت الدول الخليجية في بحث هذا الموضوع وبلورته منذ ان طرحته مصر على جامعة الدول العربية العام 1992. ولكن هذا الامر يحتاج إلى اعادة الدراسة وإلى منهج جديد في التعامل في ظل المستجدات الدولية والاقليمية. و على رغم كل مشكلات الاطار العربي الشامل ونقاط ضعفه فانه ساعد في الحفاظ بقدر ما على الأمن من خلال حشد الطاقات السياسية والاعلامية وتقديم غطاء دولي في بعض الاحيان فضلا عن أثره في تعبئة المشاعر القومية لصالح قضايا امنية وسياسية معينة من حين إلى آخر.

الثانية: في اطار التنسيق مع دول اعلان دمشق الذي تبلور في مارس/آذار 1991 وضم كلا من مصر وسورية بالاضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي وقد اثبت هذا التعاون فعاليته في حرب تحرير الكويت ولكن بعد انتهاء الحرب اتفق على التعاون في اطار ثنائي مع كل دولة وليس في اطار جماعي. وقد واجه هذا الاطار صعوبات واعتراضات من بعض الدول الكبرى (الولايات المتحدة) والدول الاقليمية (ايران) فضلا عن الحساسيات التقليدية في منطقة الخليج تجاه السياسات ذات النزعة لدى كل من مصر وسورية.

الثالثة: الاطار الدولي اي من خلال مجلس الأمن وقراراته الدولية باعتبار ان هذا المجلس تقع عليه المسئولية الاولى في صد العدوان او التهديد باستخدام القوة. وفعلا صدرت عدة قرارات عن مجلس الأمن في الاطار الفصل السابع للميثاق اثناء حرب الخليج الثانية. وهذا الاطار يصلح في حال الاتفاق بين القوى العظمى اما في حال الاختلاف فان مجلس الأمن يعجز عن اتخاذ قرار فعال.

الرابعة: الالتجاء إلى محكمة العدل الدولية في منازعات الحدود على غرار ما تم بالنسبة إلى النزاع على بعض الجزر بين البحرين وقطر، وادى قبول الطرفين لحكم المحكمة إلى اعادة الوئام بينهما ومن ثم تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، ولاشك ان الاطار القضائي هو احد وسائل التسوية السلمية للمنازعات ولكنه يحتاج إلى موافقة الطرفين على الالتجاء اليه وقبول الحكم.

الخامسة: ارساء مبادئ حسن الجوار كاحدى الوسائل الناجعة في تحقيق الأمن ويأتي في هذا الصدد زيارة جلالة الملك حمد لايران العام 2002 وزيارة الرئيس الايراني محمد خاتمي للبحرين في مايو/ايار 2003. وقد اكد ذلك حرص كل من الطرفين على احترام سيادة كل طرف وعدم التدخل في الشئون الداخلية له، وهو الامر الذي احدث قلاقل في الماضي، وادى إلى توتر في علاقات البحرين مع ايران وخصوصا في عقد التسعينات من القرن العشرين.

السادسة: تعزيز الطابع الوطني للوظائف في كل دولة خليجية بما يساعد على تماسك المجتمع والقضاء على مشكلات مثل البطالة وضعف الانتماء والولاء وتعزيز الثقافة الوطنية في مواجهة ثقافة العمالة الوافدة. وهذا كله مما يمثل تهديدا للأمن الخليجي في المدى البعيد بل والمتوسط.

السابعة: تعزيز القدرات الدفاعية الجماعية في اطار مجلس التعاون الخليجي من خلال قوات درع الجزيرة، وقد شاركت تلك القوات في مد مظلة الحماية على الكويت اثناء الغزو الاميركي للعراق مارس/ آذار 2003 الا ان هذا الاطار ما زال محدود الفعالية نتيجة ضعف القدرات البشرية لدول المجلس، وبعض الحساسيات بين الدول الاعضاء فضلا عن عدم تشجيع الدول الكبرى لذلك.

الثامنة: تعزيز القدرات الدفاعية الوطنية لكل دولة خليجية باعتبار ان هذه هي المرتكز الاول للدفاع لتحقيق الأمن ويمكن تحقيق ذلك عبر طرق ثلاثه هي:

1- تطوير اسلوب تدريب القوات المسلحة ودرجة استعدادها وكفاءتها.

2- تزويد القوات المسلحة بأحدث المعدات التكنولوجية العسكرية.

3- توسيع قاعدة المشاركة الوطنية في القوات المسلحة للدول الاعضاء.

ولا ريب ان وسائل تحقيق امن الخليج متعددة ومتداخلة، ومن ثم فان الاسلوب الامثل هو استخدام مختلف الوسائل وفقا لظروف وتطورات الموقف وان السياسة الناجحة هي التي تترك الخيارات كافة مفتوحة للالتجاء اليها عند الضرورة.

القسم الخامس: نحو صوغ متطور لمفهوم الأمن الوطني «البحرين نموذجا»

لقد اوضحنا ان مفهوم الأمن مفهوم شامل له ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والعسكرية. كما ان له درجاته ومستوياته الدولية والاقليمية والوطنية ولكن ما يعنينا في هذه المرحلة الاشارة إلى امرين مهمين:

الاول: البعد المجتمعي لمفهوم الأمن، اي هل هو امن الدولة ام امن النظام ام امن المواطن. والحقيقة انه مزيج من كل ذلك.

الثاني: العقيدة السياسية بما في ذلك العقيدة القتالية والتي تتحدد في الاجابة عن مجموعة اسئلة اساسية مثل ما هي فلسفة النظام السياسي؟ وما هي اولوياته السياسية والفكرية؟ وما هي العقيدة القتالية للقوات المسلحة للدولة؟ هل تعتمد حرب العصابات، قوات ميكانيكية متحركة، حرب استباقية، حرب صواريخ؟

- هل تعطى الأولوية للعقيدة الدفاعية ام لعقيدة هجومية وهكذا.

وبناء على ذلك يمكن بلورة صوغ واقعي للأمن الوطني البحريني يجيب على الأسئلة الآتية: ما اهداف المجتمع من الناحية الامنية؟ من العدو المتوقع، او ما مصادر التهديد المتوقعة؟ ما الامكانات المتاحة؟ ما البدائل المطروحة؟ وما الثمن لكل بديل؟

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 292 - الثلثاء 24 يونيو 2003م الموافق 23 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً