تحدث رئيس لجان الاغاثة الطبية الفلسطينية ومدير معهد الاعلام والسياسات الصحية والتنموية في رام الله مصطفى البوغوثي في ندوته المنعقدة بمتحف البحرين الوطني مساء 22 يونيو/ حزيران، فقال: إن هذه الشهادات وعلى رغم اختزالها تعطينا صورة مروعة عما آل اليه الحال وهي سبة في جبين الواقع العربي والإسلامي المسكون بليل السبايا والتكايا والبخور، هذا الليل الذي وان طال فان فجره لابد وان يبزع من بين ثنايا عتمة الغسق... فنحن أمة وان صبت على ظهرها جهنم تبقى واقفة... شهادات وروايات تعري الواقع العربي الرسمي والشعبي وتوجه اصابع الاتهام اليه بأن من اعتقدنا انهم افضل محامين لأعدل قضية اصبحوا أسوأ مفاوضين لأعدل قضية ومن هنا تنبري بينة الادانة التي تعززت شواهدها فيما طرحه الدكتور والباحث الفلسطيني مصطفى البرغوثي مؤسس ومدير معهد الاعلام والدراسات الصحية والاجتماعية في رام الله وذلك اثناء مبحثه الذي القاه على الحضور بقاعة متحف البحرين في الندوة التي اقامتها لجنة مناصرة الشعب الفلسطيني التابعة لغرفة تجارة وصناعة البحرين. وإليكم صور ومشاهدات ويوميات الادانة الكبرى.
في عودته للبدايات والبواكير الأولى للصراع اسقط معلومات وحقائق عن الوضع السياسي القائم في فلسطين والمنطقة، وتعرض لمعطيات هذا الوضع وفي أي اتجاه يسير بين ما هو مطلوب فلسطينيا وعربيا على الصعيد الآني والمستقبلي في كل الساحات وعلى كل الجبهات - قال وهو ينسج خيوط بداية الحديث: بعد النكبة صممت خريطة التقسيم الذي تم في العام 1947 والتي نصت على ان تقام دولة فلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة بواقع 45 في المئة من ارض فلسطين على ان تقابلها دولة «إسرائيل» على جزء من الاراضي الفلسطينية بواقع 55 في المئة وهذا هو شرط الوجود للفلسطينيين واليهود.
وبعد عدوان العام 1967 استولت «إسرائيل» على 78 في المئة من الاراضي الفلسطينية وبعد عامي 87 - 88 قبل الفلسطينيون بالحل المر وهو اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبهذا قبلوا اقامة دولة على ما نسبته 22 في المئة من اراضي فلسطين. وعلى رغم ذلك وكما يقول المثل الشائع «رضينا بالهم... والهم مش راضي فينا» وبحسب نتائج ما كان يطلق عليه مباحثات السلام كان يجب ان تنسحب «إسرائيل» في العام 1999 من الضفة الغربية ولكنها لم تفعل، اذ ابقت 18 في المئة من مساحة الضفة الغربية تحت سيطرتها العسكرية مع الاستمرار في ايجاد بؤر استيطانية وهذا للأسف ما حصلنا عليه بعد ست سنوات من مباحثات أوسلو!
انتهاء مرحلة وبداية أخرى
انتهت مرحلة وبدأت مرحلة أخرى تلك التي جاء فيها عرض باراك والذي أشاعوا عنه الكثير واتهموا الفلسطينيين بعدم الجدية في مباحثات السلام، وانهم قد ضيعوا فرصة تاريخية وعملوا خلال تلك الفترة على تأليب العالم ضد الشعب الفلسطيني، وكما أعتقد ان النجاح الذي حققته «إسرائيل» في تشويه الحقائق لم يكن بفعل شطارة اسرائيلية وانما لسوء اداء المفاوض الفلسطيني ولنرى ما الذي طرحه باراك فهو طالب بمنح 78 في المئة من مساحة الضفة الغربية وتحدثوا في «كامب ديفيد» عن تبادل الاراضي بواقع 1 الى 13 ولكن كل ذلك لم يعد كونه كذبة كبرى كذبوا بها على العالم، «فإسرائيل» كانت مصرة على الاحتفاظ بالاراضي والمياه والاغوار بواقع 1 إلى 12 وبعد ذلك ماذا حدث؟
وبعد المحادثات ودراسة السلوك السياسي الفلسطيني يتم التباحث على اجزاء من القدس الى ان صارت القدس تحت السيطرة الاسرائيلية ولعل أسوأ ما طرح في هذه المباحثات المطالبة بان يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة، وان يعلنوا انهاء الصراع وان تتم المشاركة في ادارة الاقصى وبذلك فهم استخدموا مباحثات كامب ديفيد لنسف مشروع الدولة الفلسطينية وعملوا على تشويه الموقف الفلسطيني والآن وصلنا الى وضع أقسى مما كان عليه الوضع السابق وما عرضه باراك ونعني بذلك مما هو معروض في «خريطة الطريق».
خريطة الطريق العام 2003
وبصراحة ان المعروض في موضوع خريطة الطريق بشأن حل القضية الفلسطينية ما هو الا عبارة عن اقامة كانتونات مقطعة الاوصال موزعة على كانتون الخليل، رام الله - الشمال - غزة - الضفة الغربية لكي ننتهي الى دولة مقطعة الاوصال بعد ان كان لنا حسب خريطة التقسيم في العام 1947 الصادرة عن الأمم المتحدة «عصبة الأمم» 45 في المئة وما يزيد من الاراضي الفلسطينية أي ما ستقام عليه الدولة الفلسطينية بموجب خريطة الطريق 22 في المئة من الضفة وغزة و9 في المئة من مجمل الاراضي الفلسطينية المسلوبة، وهذا عبارة عن قضم تاريخي للاراضي الفلسطينية. وهذه الدولة التي يتحدث عنها شارون ويقول إنها ستقام على 42 في المئة من قطاع غزة ليست أكثر من خدعة وكذبة أخرى، لأن ما يحدث على الارض والواقع الميداني يفضح ذلك فمثلا لو اخذنا الحدود بين الضفة الغربية و«إسرائيل» فهي لن تتجاوز 200 كيلومتر، والجدار الذي تقيمه «إسرائيل» يصل الى 700 كيلومتر ومعنى ذلك ان ما يطرح ليس اكثر من نظام «كيتو» للفلسطينيين بالضبط كما عملوا «الكيتوات» في اوروبا ووارسو وهو ما يمكن ان يصل الى حد اقامة سجن للفلسطينيين وليس دولة.
الدولة الفلسطينية المقطعة الأوصال
والمثير في الامر ان الرئيس بوش ملأ الدنيا صراخا وهو يتحدث عن تواصل للدولة الفلسطينية ولكن ما يحدث فعلا هو تواصل للمستوطنات الاسرائيلية وما يحدث الآن هو المضمون الحقيقي للمخطط الشاروني أي تهويد الضفة الغربية والوضع حاليا خطير ففي الضفة الغربية يوجد ما يزيد على 121 حاجزا عسكريا اسرائيليا وقد تم تقطيع الضفة الى 300 قطعة ولذلك تجد الفلسطيني في حال الانتقال من منطقة الى أخرى يستغرق وقتا يصل الى 9 ساعات ولا يسمح له باستخدام السيارة وهذه اول واقعة من نوعها تحدث في التاريخ ونتيجة هذه الممارسات اللاانسانية فقد توفي 79 فلسطينيا بسبب هذه الاجراءات وبالذات كبار السن والمرضى الذين لم يستطيعوا ان يتجاوزوا الحواجز العسكرية أو السير بين الممرات والجبال، فالقوات الاسرائيلية تمنع المرور بالقرب من الحاجز حتى مسافة 3 كيلومترات.
انتبهوا فنحن نتحدث عن شعب كامل موزع على 300 سجن غير السجون الامنية والعسكرية الاخرى وطبعا لهذا تأثيره على الاقتصاد والتعليم، والعمل والامور، المعيشية ناهيك عما تعرض له المواطن الفلسطيني المدني والعسكري خلال فترة الانتفاضة والتي سقط فيها حتى أمس الأول الاحد 22 يونيو/ حزيران 2003 ما يزيد على 2535 مواطنا فلسطينيا 20 في المئة منهم اطفال و60 في المئة مدنيون اصيبوا بالرصاص الحي و85 في المئة هم من الشهداء المدنيين الذين لم يشاركوا في المظاهرات ولم يقوموا بأعمال مسلحة اضافة الى 500 من الشهداء الذين استشهدوا في فترة الاجتياح التي قام بها الجيش الاسرائيلي وكانت أعلى نسبة للشهداء والمصابين خلال الشهر الاول والثاني للانتفاضة الشعبية وهي الفترة التي لم يكن الفلسطينيون يطلقون الرصاص على العسكريين الاسرائيليين وغيرهم.
وتفيد الاحصاءات ان 47 الف طفل شردوا واعمارهم لا تزيد عن يوم الى 15 سنة وتعرض 2600 طفل الى عاهات مستديمة كما تعرض 5000 طفل للاعاقة الدائمة وفقئت عيون 100 طفل بسبب الرصاص المطاطي والذي يقال عنه مطاطيا ولكنها كذبة لأن المطاط الذي يغطي الرصاص خفيف جدا ويتمزق اثناء اصطدامه بالهدف!
والغريب انه وفي الوقت الذي كانوا يحتفلون بتسليم جوائز نوبل للسلام على المتفاوضين، كانت «إسرائيل» ولاتزال حتى الآن تقوم بعمليات عسكرية واستيطانية على الاراضي الفلسطينية وقد انشأت خلال السبع سنوات الماضية 102 مستوطنة ووسعت المستوطنات التي كانت قائمة على الاراضي الفلسطينية حجما وسكانا بنسبة 100 في المئة وبالاضافة الى ذلك انشأوا معالم وبنيانا للنظام العنصري ومن أهمها الجدران والحواجز التي لا يوجد شيء يمكن أن يوصف لما يحدث عندها من انتهاكات لحقوق الانسان الفلسطيني، اذ توفي عند هذه الحواجز 76 فلسطينيا 29 منهم من الاطفال واجبرت 45 امرأة على الولادة عند هذه الحواجز، وعليه فقد بقيت الحواجز العسكرية الاسرائيلية جزءا من حياة الفلسطيني الكبير والصغير وهي جزء من معاناتهم ومقاومتهم للاحتلال، فالذهاب الى الاعمال والمدارس والجامعات وتحقيق المصالح المعيشية هو جزء من مقاومة الاحتلال والآن وفي ظل ما يعمل به من قوانين مكافحة ما يسمى بالارهاب فإن الفلسطيني الذي يأكل ويتنفس وينام ويتحرك ويعمل ويذهب الى المدرسة هو في نظر «إسرائيل» جزء من المقاومة، والمقاومة في مفهومهم ارهاب وفي ذات مرة اوقف احد المزارعين الفلسطينيين عند حاجز عسكري اسرائيلي وطلب منه الجنود اليهود «شتم النبي محمد ص» وعندما رفض ذلك قاموا بسكب زين الزيتون الذي كان ينقله الى الاسواق في الشارع، وعلى رغم ذلك رفض شتم الرسول «ص» وانتم تعلمون ماذا يعني سكب زيت بالنسبة إلى مزارع!
ونعتقد أن السياسيين الفلسطينيين لو تعايشوا وسط الناس ورأوا ظروفهم عن كثب لكان اداؤهم التفاوضي أقوى.
الخسائر البشرية والمادية
فما يحصل حاليا ان 50 في المئة من القوى الفلسطينية العاملة عاطلة عن العمل و25 في المئة من الاطفال شردوا و850 ألف عائلة فلسطينية تعرضت لاضرار بشرية ومادية كبيرة ويبلغ مجموع الخسائر الاقتصادية 6 مليارات دولار إضافة إلى ما لحق بالبنية التحتية من خسائر جسيمة، وقد اعتقلت القوات العسكرية الاسرائيلية منذ 29 مارس/ آذار 2002 وحتى يوم أمس اكثر من 15 ألف فلسطيني و8000 منهم مازالوا في المعتقلات وبينهم 300 طفل والملفت للنظر أن عدد المعتقلين الفلسطينيين بلغ منذ العام 67 حتى النصف الاول من العام 2003 ما يزيد على 650 ألف معتقل وتبلغ نسبة المعتقلين من الرجال ما يعادل 40 في المئة من الشعب الفلسطيني؟!
يواصل البرغوثي كشفه للواقع المعاش الذي لم تستطع اكوام وسائل الاعلام العربية الوصول إليه خلال اكثر من 53 سنة من الاحتلال فيقول: ولو تحدثنا عن الاعتداءات على المرافق العامة المختلفة فحدّث ولا حرج، وسيارات الاسعاف خير شاهد فقد تضررت 100 سيارة اسعاف وتم تدمير 25 سيارة أخرى واستشهد 22 طبيبا خلال العامين الماضيين واصيب 500 من العاملين في القطاع الطبي والانساني أثناء اداء عملهم بفعل الاعتداءات المتكررة على مرافق القطاع الصحي، ونفذت «إسرائيل» خلال العامين الماضيين 240 عملية ووصل عدد من اغتيلوا من المدنيين إلى 107 وكان وجودهم في مكان الاغتيال بالمصادفة بينهم 27 طفلا و19 امرأة.
كيتو فلسطين الجديد
وأسوأ ما يحصل اليوم هو بناء الجدار الفاصل بين الاسرائيليين والفلسطينيين والذي يشبه جدار برلين إذ يصل ارتفاعه إلى 12 مترا وعرضه 300 متر، وكان الغرض من اقامته ليس الفصل كما قيل وانما تدمير السلة الزراعية في فلسطين وتجريف مصادر المياه التي تستخدم للري الزراعي والانساني في المناطق الفلسطينية لأن هذا الجدار لا يقام على الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والمناطق اليهودية بل يدخل في عمق اراضي الضفة الغربية ونتيجة ذلك فقد حرم اكثر من 40 الف فلسطيني من اراضيهم الزراعية ومياههم ومنازلهم ويتحدثون عن عملية سلام، فأي عملية سلام هذه التي يطلبون منا تصديقها؟
والجدار الذي يبنى هو في الاساس للضم والتهويد وخير دليل على صحة ما نقول ان الجدار التهم معظم اراضي قلقيلية التي تعود لما يصل إلى 46 ألف مواطن فلسطيني، وهذا يعني ان المدينة قد اصبحت سجنا، وهو أسوأ من «كيتو وارسو» وقد اضطرت 600 عائلة إلى ترك المدينة لعدم توافر منازل ومصادر معيشة لهم، وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي يتبعها الاحتلال الصهيوني لتشريد الفلسطينيين بعد فشله في ترحيلهم إلى الخارج لذلك يستخدمون الآن الترهيب على اساس ضمهم إلى الداخل الاسرائيلي أو الرحيل واما التجريف فلا يوصف سواء إلى جانب الجدار أو كما جرى في بيت حانون فقد تم تجريف اكثر من 90 ألف دونم واقتلعت عشرات الآلاف من الاشجار وتم تخريب مصادر المياه ولو تحدثنا عن عمليات التدمير فما يجري أمام مرأى ومسمع العالم لا يحتاج إلى حديث فالمنازل تهدم بالطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والجرافات الاسرائيلية ومدينة بيت حانون التي نكبت بفعل عمليات التدمير الاسرائيلية وتم تشريد معظم سكانها بعد تدمير منازلهم لوحظ ان قوة التدمير لا تقل عن مستوى التدمير الذي حصل في الحرب العالمية الثانية ولم يكتفوا بذلك فقد حرقوا مراكز الابحاث العلمية والتراثية بدافع حقد دفين لا يوصف.
الانتفاضة أعمق أزمة إسرائيلية
وما أن انتهى مصطفى البرغوثي من الادلاء بشهادته التي تعد وثيقة إدانة للجميع «جميع العرب والمسلمين» بجانبيهم الرسمي والشعبي عرّى الواقع الاسرائيلي المهزوم الذي يحاول جاهدا امتطاء صهوة جواد الغرور العسكري للتستر على الهزيمة النفسية وفي شهادته الأخرى ادلى بدلوه قائلا:
لكن... وامام كل ما نعانيه نحن أهل فلسطين يجب ألا نغفل عن أن ما تعانيه «إسرائيل» اكبر ويعد أعمق أزمة في تاريخها، فنحن شعب فلسطين نجحنا في اجتياز عنق الزجاجة وذلك حينما قررنا الصمود والبقاء على الارض الفلسطينية على رغم الارهاب الذي تمارسه القوات العسكرية وشبه العسكرية الاسرائيلية فقد تعلمنا من دروس العام 1948، وعليه أصبحت «إسرائيل» تواجه مشكلة «ديموغرافية» لا حل لها منذ ارتفع معدل النمو إلى 2,4 في المئة في مقابل 1,7 في المئة لليهود وحاليا يبلغ عدد السكان الفلسطينيين 4,8 ملايين نسمة فيما يبلغ سكان اليهود 5,4 ملايين يهودي هاجر منهم منذ بدء الانتفاضة ما بين 400 إلى 500 ألف من اليهود الذين هاجروا إلى «إسرائيل» وتبعهم 400 ألف من المهاجرين الروس من غير اليهود بعد ان عانوا من التمييز في المجتمع الاسرائيلي وامام هذه المعطيات وغيرها فإن «إسرائيل» في أزمة حقيقية وهي تريد أن تخرج منها فالوضع الديموغرافي معقد والفلسطينيون نجحوا خلال الانتفاضة في أن يضربوا عمق العصب الاسرائيلي عندما نجحوا في اقامة الكم الديموغرافي.
صحيح أن عدد الذين تساقطوا خلال الانتفاضة الاولى والثانية من الشهداء والجرحى قد وصل إلى 100 ألف شهيد وجريح الا أن ذلك هو ما أملى على شارون أن يغير ثوابته واليس هو من كان بالأمس يصرخ ولفترة عشر سنوات رافضا اقامة الدولة الفلسطينية معتبرا نهر الاردن وطن الفلسطينيين؟ فما الذي جعله اليوم يقبل بإقامة دولة فلسطينية، فالمقاومة هي التي غيرت هذه الثوابت وهي التي جعلت بوش وشارون يتحدثان عن دولة فلسطينية ولأول مرة.
المعركة بدأت الآن
نحن هزمناهم ولم يعد أمامهم الا الاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني والآن بدأت المعركة الحقيقية لمفهوم الدولة... واما أن تكون هنالك دولة فلسطينية... أو دولة مسخ، فالصراع الآن يدور حول مضمون الدولة ولا مخرج لاسرائيل من ازمتها الا بالاعتراف بهذه الدولة دولة غير منقوصة أو بتراجع فلسطين وعلينا ان نصمد في هذه المعركة، فكما هو معلوم تاريخيا فأن «إسرائيل» قدمت وثائق منذ العام 1968 تنص على اقامة دولة فلسطينية ولكن من دون أن تكون لها حدود مع محيطها العربي، وألا تمنع «إسرائيل» من مواصلة فرض حقائق على الارض، مع اعطاء السلطة الفلسطينية صلاحيات وظيفية وإدارية من دون حدود او سيادة مع الاقرار بحق «إسرائيل» في انشاء المستوطنات والمشروعات الاستيطانية الاخرى.
نقول المعركة بدأت الآن لأن «إسرائيل» وبعد أن عجزت عن تحقيق نصر سياسي عبر العدوان العسكري تحاول اليوم شق صف الفلسطينيين من خلال تصنيفهم إلى أشرار واخيار مستخدمة في ذلك أسلوب المفاوضات وعلينا أن ننتبه إلى هذا الموضوع جيدا وكذلك ما يتعلق بموضوع عودة اللاجئين والقدس... ومن المهم ان نتذكر ان «إسرائيل» لم تقبل حتى الآن خريطة الطريق وما قاله شارون واضح وصريح عندما أعلن في العقبة «ان اسرائيل توافق على مسودة خطة الطريق الاسرائيلية ذات الاربعة عشر ملاحظة».
خسائر «إسرائيل» كارثية
وما جاء في مؤتمر العقبة ليس اكثر من مأساة جديدة ويجب ألا نعطي لنتائجه أي بال فهناك عوامل حاسمة في صالحنا من أهمها:
«إسرائيل» منذ بداية الانتفاضة وحتى الآن خسرت على المستوى الاقتصادي 23 مليار دولار «وهذا التقرير صادر من جامعة بن غوريون» واصبح لديها 231 ألف عاطل عن العمل بما يوازي 14 في المئة من القوى العاملة الاسرائيلية وتعاني من انخفاض الدخل بواقع 12 في المئة وهناك انهيار كامل في قطاع السياحة وتشير التقديرات إلى ان 40 في المئة من الذين يهاجرون إلى «إسرائيل» يتركونها بعد فترة قصيرة وكل ذلك تحقق بفضل الانتفاضة، ومن الغريب والمذهل أن نجد النائمين طيلة عامين ونصف العام ينحون باللائمة علينا - فعلى ماذا ينحون باللائمة؟
صوت الشعب المهمش والمهمل
ان «إسرائيل» تعاني من ازمة أمنية سياسية ولا أفق لحل عسكري فالخسائر البشرية صارت من 3 إلى 1 وهذه المعادلة لأول مرة تحدث في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ولأول مرة نجد «اسرائيل» تنزف على الصعيد الدولي... فالانتفاضة لم تكن انتفاضة لأهل فلسطين وإنما هي انتفاضة ردت الاعتبار للقضية الفلسطينية على المستوى العالمي ولقد نجحنا في استقطاب 4600 متضامن من مختلف دول العالم وهذا كله من أفضال نضالات الكفاح المدني الفلسطيني والمتضامنين والا يكفي اننا استطعنا تحريك 50 الف متظاهر من مختلف دول العالم بالطرف الأغر اللندني والا يعني قيام 700 ألف متظاهر في دول أوروبا اعادة القضية الى مكانها الطبيعي العالمي؟!... وما نريد أن نعلنه وهذا ما أسمعناه اميركا «أن الولايات المتحدة تعرف تماما أنها لا تستطيع ان تحصل على استقرار لاستراتيجيتها في المنطقة من دون حل القضية الفلسطينية، ولا تظنوا ان ما تفعله «اسرائيل» يخص الفلسطينيين وحدهم انما نحن الخط الأول فهي تريد الهيمنة السياسية والعسكرية والعلمية في المجال الاقليمي وهي تريد السيطرة على العرب بالاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والعلوم وهي تستهدف كل الدول العربية والاسلامية مستغلة في ذلك الانحياز الاميركي والضعف العربي وسوء المؤسسات الرسمية الفلسطينية... وان كل ما ضاع من فلسطين بسبب أوسلو».
أن أهم ما يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة والحديث للبرغوثي هو الثقة بالنفس وتأمين النصر الذي حققته الانتفاضة. والحفاظ على النسيج الجامع للشعب الفلسطيني وعدم تدخل الآخرين لسلب ثمرات الانتصار... وعملا على تدعيم هذه المرتكزات قررنا منذ عام اعلان المباردة الوطنية الفلسطينية وهي حركة سياسية جديدة تشارك فيها القوى الوطنية الفلسطينية لاننا نعتزم ان نؤسس قوة ضغط شعبي فعال في الداخل والخارج فنحن بعد اليوم نريد ان نسمع العالم صوت 52 في المئة من الشعب الفلسطيني الذي اهمل وهمش حتى يستطيع الشعب الفلسطيني ان ينتخب ويشارك في صنع القرارات المصيرية ولكي لا نسمح لأي مفاوض ان يقرر بالنيابة عن الشعب الفلسطيني ما يجب وما ينبغي... وبتعزيز الديمقراطية الداخلية سنعيد التوازن والا فستبقى «إسرائيل» وبرلمانها وشعبها في كفة وواحد من الفلسطينيين اما (أبوعمار) أو (ابومازن) أو دحلان في كفة... وسنعطي الدور المطلوب للشعب الفلسطيني الصامت والذي اهمل ولم يستشر في مفاوضات اوسلو ومدريد وكامب ديفيد ويجب ان نعد انفسنا لتشكيل لوبي في الغرب فهذا اللوبي اليهودي الهائل ليس قويا كما يتصوره البعض بل قوته تكمن بسبب غياب اللوبي العربي والفلسطيني الفاعل، وليس هناك غضاضة في ان نختلف فالتعدد والتنوع مصدر قوة والديمقراطية هي الحكم
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ