ما يقال في المخيمات والتجمعات الانتخابية في الكويت، وقبل عشرة أيام فقط من يوم التصويت لاختيار مجلس جديد، نعيش معه أربع سنوات تقريبا، لا يتناسب مع المستحقات التي يتوجب على الكويت أن تقوم بها في هذه الفترة الحرجة، فنوعية المطروح في الغالب اقل من المأمول، ويختلف نوعيا عنه.
معركة الكويت وربما المنطقة كلها، هي ولوج الحداثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وما هو مطروح في المناقشات العامة التي تمتلئ بها مخيمات المرشحين، هو الحديث عن امتيازات صغيرة هنا وهناك، لا تحتاج إلى كل هذا الضجيج الذي يحيط بنا، إن المنطقة برمتها تفكك ويعاد تركيبها، وما تفعله (الشقيقة الكبرى) وهي الولايات المتحدة الأميركية في العراق، ومشروعها الذي تتحدث عنه، وتدعو إليه، يحتم علينا جميعا في هذه المنطقة أن نأخذ الأمور بجدية أكثر واكبر، وان تقرأ بعناية. إن القيد على الحركة السياسية أثقل بكثير من المطلوب، ومن الناس من يلجأ إلى العنف في الداخل أو الخارج بسبب هذا القيد، في منطقة قابلة إلى الالتهاب يصبح النظر إلى تخفيف هذا القيد من الاولويات القصوى.
الكويت تذهب إلى الانتخابات و المرأة نصف المجتمع معزولة، والشباب دون الواحدة والعشرين مبعدون، وينتهي الأمر بأقلية من المجتمع تخطط وتشرع للغالبية، يزيد من ذلك صغر المناطق الانتخابية، التي تجعل من المرشح أو العضو القادم منصرفا إلى تحقيق مطالب ضيقة، إما له شخصيا، وإما لفئة محدودة من الناس، وهذا ليس المطروح في فضاء يتغير بسرعة، ويطالب بالمشاركة الشعبية الواسعة. إرهاصات ما يحدث في منطقتنا وفي الجوار ليست خافية، فها هي المظاهرات في طهران تنام لتصبح، وتصبح لتمسي، في حركة دائبة مطالبة بالتغيير من اجل رفع قيود الحركة على الناس.
والشعاران اللذان قادا المنطقة عموما لفترة طويلة، أو تبادلا القيادة لفترات مختلفة، وهما الإسلام السياسي والعروبة السياسية، يتعرضان لنقد واسع، وإعادة قراءة من الناس والسلطات في آن واحد، لخلوهما من المطالب الرئيسية في الحرية والتنمية، والأخيرة (التنمية) لم تدخل قاموس التداول الواسع بعد، وهي تطل برأسها من دون أن يأخذها البعض مأخذ الجد، مع أنها مربط الفرس وبيت القصيد.
معركة الكويت الحقيقية هي ليس ما يقال في المنتديات على أهمية بعضه، ولكنه في المسكوت عنه، من تردي الخدمات خصوصا التعليم (مفتاح التحديث وبوابة القرن الواحد والعشرين)، هذا التعليم الذي يتدنى إلى درجة تفقدنا جميعا فرص الأخذ بما يفرضه الزمن من تقدم، وإذا كان الحديث عن الأهمية المعقودة على المعرفة، التي لا مناص منها تقود العالم وتراكم الثروات في مناطق مختلفة من المعمورة، فإن لها وعاء لا تتم إلا به، وهو التعليم، وإذا افتقدنا تعليما حديثا وعصريا ومتزامنا مع العالم، افتقدنا الوعاء الذي يمكن به ولوج التنمية، والإفلات من المصاعب الاقتصادية والسياسية المقبلة.
الأخبار الآتية من (الشقيقة) الكبرى التي تدير العراق اليوم، تحمل لنا معلومات مهمة من بينها أن ضخ النفط في السنوات المقبلة من العراق سيتواءم مع متطلبات ذلك البلد الكبير والمحروم لفترة طويلة، وإذا كان الأمر كذلك فإن الواضح أن أسعار هذا النفط التي تعتمد عليها حياتنا الحالية، سيكون إلى تدن شامل أو نسبي، وهو أمر سيصيب القدرة على استمرار ما نحن فيه في مقتل.
ولم نبدأ حتى يومنا هذا لا في التوجهات الرسمية، ولا في التوجهات الشعبية بين المخيمات المنصوبة للمترشحين نتحدث عن هذا الاحتمال الممكن. هناك قضيتان لهما أولوية في الحديث والتبشير العلني، هما هدر الإمكانات المادية والبشرية التي نحتاج اليها ليوم عصيب، فقد أكلت الحروب والإنفاق على السلاح كمّا خرافيا من المال في منطقتنا ولا يزال الاستنزاف واردا، كما أكل الجهل بقيمة الإنسان وتدريبه وتمكينه من حياة كريمة الباقي من تلك الإمكانات، إلى درجة أن الهدر وصل إلى حد الاستهتار بأثمن ما نملك «الإنسان والثروة».
في الغالب أن المجهول في منطقتنا سيكون من المعلوم اليوم، وهو مجهول كبير وتاريخي وحاسم، والوعي العام لدى قادة المجتمع عموما بحجم التغيير وعي شديد النقص.
أدمنت قيادات سياسية كثيرة فكرة الاحتواء، وهو رأي يذهب إلى القول أن ما نراه هو مؤقت وعابر، يحتاج فقط إلى ضبط النفس، وتقديم بعض التنازلات، إلا أن فكرة الاحتواء لم تعد هي الحل في ضوء المستحقات التي تم تجاهلها كثيرا ولفترة طويلة.
لعل التوصيف الذي نراه اليوم للمشكلات الماثلة أمامنا، هو أن الضغوط في السابق كانت إما داخلية وإما خارجية، أما الجديد الذي يتبلور يوما بعد يوم، فهو أن الضغوط هذه المرة من الداخل والخارج على حد سواء، فلم تعد فكرة احتواء الخارج مع تساكن الداخل ممكنة، ولا احتواء الداخل مع تساكن الخارج قابل للنجاح.
المسكوت عنه هو أن ما جرى لنا اكبر مما نرى، والمقبل يحمل لنا الكثير، لقد عطلنا التنمية الحقيقية في مجالات شتى، من اجل معالجة العابر من المشكلات، وتبين أن علاج اليوم القصير في الرؤية هو مشكلة الغد المتفاقمة.
ما هو مفقود وما يسبب العلل التي نشتكي منها هو ثنائية تشتمل على غياب فكرة المؤسسة وفكرة المساءلة، وفي غياب الاثنتين تبقى الأمور فردية وموسمية، تعتمد على ثقافة شفهية تخضع للأمزجة وتترك لنا بعد ذلك كمية من التلاوين الإشكالية ذات المنحى المعقد، مع البكاء على الفرص الضائعة.
بيت القصيد إن لم يتم الإصلاح المنشود بتفرعاته المختلفة الذي أصبح معروفا للداني والقاصي، فإن الإصلاح سيصدر لنا من الغير إما بالضغط وإما بالمثل، والهرب من استحقاقات اليوم لن يكون هروبا بعيدا لا في الزمان ولا في المكان
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ