العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ

لكي لا تكون جمعيّة الصحافيّين الشاهد الضّرير!

هل انتهت الآمال إلى لعب الورق بعد منتصف الليل؟!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما جيء بملكة فرنسا إلى المقصلة وتلي عليها الحكم : «باسم الشعب والحرية والقانون ينفذ حكم الإعدام»، قالت: «كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الحرية». وسرعان ما هوت المقصلة على رقبتها فتدحرج الرأس الحليق ليسقط في سلة تكوّمت داخلها رؤوس أخرى.

قصة إجهاض جمعية!

كان الإعلان عن نية تشكيل جمعية للصحافيين، بعد ربع قرن من الممانعة، من الإشارات الرسمية الأولى في اتجاه حلحلة الوضع الداخلي. وحين حضرت الانتخابات التي نظمت في سبتمبر/أيلول 2000 في نادي الخريجين، شعرت بأنها عملية «جسّ نبض»، ستتلوها انتخابات على مستوى البلاد قريبا.

في يوم انتخابات الجمعية استبشرنا خيرا بحضور ما يقارب ثلاثمئة عضو، ليس لأن الجمعية ستجمعنا كزملاء مهنة وأصحاب همٍّ مشتركٍ فحسب، بل لما كانت تحمله من آمال عريضة للجميع. وكان هناك جزء من العاملين في الصحافة «غيراليومية» مثلنا يعيشون في عزلة تامة عن باقي الجسد الصحافي، فكنت أمنّي النفس بأن تجمعنا الجمعية بالزملاء الآخرين وتضعنا في آخر المستجدات.

المهم ان الجمعية تأسست، وبعد شهور تم استئجار مبنى جميل في موقع قريب في أحد اطراف العاصمة.

المشكلة التي لم أكن أدركها شخصيا في ذلك الوقت هي ما سبّب أكبر انشقاق في الجمعية. وكان السؤال المتردّد حينها بكثرة: كيف يكون رئيس الجمعية هو نفسه صاحب مؤسسة صحافية كبرى؟ ماذا لو اختلف الصحافي مع المؤسسة أو أحس بالظلم؟ وسمعت البعض يردد: من الذي سينصفني إذا كان «فيك الخصامُ وأنت الخصمُ والحكمُ» كما قال أبو الطيّب المتنبي؟ وطبعا كان الردّ جاهزا: الباب مفتوح وأنا صحافي قبل كل شيء وإلى ما هنالك! مما لا يحل إشكالا ولا يقنع أحدا ولا ينصف مظلوما.

ولما عُيّن رئيس الجمعية وزيرا كان من المحتّم أن يستقيل من رئاسة الجمعية (كما تقضي الأعراف)، وذلك ما لم يتحقق إلا بعد مرور عدة أشهر، تجمّد فيها وضع الجمعية تماما. وبعد وصول رسالة الاستقالة بـ «الفاكس» - كما قيل - تمت الدعوة إلى انتخاب رئيس جديد للجمعية، وحضرنا...لنكون أمام أول مكاشفة توضّح ما آلت إليه الأوضاع: إذ لم يزد عدد الحضور على 140 عضوا... فأين ذهب الـ 160 الآخرون؟ومن المسئول عن تنفيرهم؟ وتم انتخاب الرئيس الجديد بالتزكية، كما يحدث في انتخابات الرئاسة في دولنا العربية! في ظل «شبه مقاطعة» من العاملين في المؤسسة الصحافية الأخرى.

وهكذا ظل الوضع مجمدا، وعندما أتكلم في هذا الموضوع فلكوني متابعا للجمعية منذ نشوئها، وما زلت أحمل العضوية رقم 49. و يؤسفني أن أزور المقر مرارا فلا أجد أحدا من الأعضاء أو الإدارة، غير حارس المبنى الهندي الذي قامت بيني وبينه ألفة وصلت إلى حدّ بوحه لي بمشكلاته العائلية في بلاده! وعندما أزوره بين فترة وأخرى يهش ويبش لي كأنه يلتقي بصديق من أيام الطفولة وهو يعيش في عزلته بين جدران الجمعية! وكنت أسأله عن الزوار فيكون جوابه: الشهر الماضي جاء رجل غربي وجلس لفترة نصف ساعة مع المسئولين، أو قبل شهرين جاء رجل يلبس عمامة ومعه المسئولون وعقد مؤتمرا صحافيا وحضر مصور التلفزيون أيضا، وهكذا. ومرة حكى لي عما تعرض له المقر من سرقة التلفزيون وجهاز الاستقبال ومجيء الشرطة للتحقيق في الحادث، ما يصلح لتحقيق صحافي مثير!. وعندما اسأله عن الأعضاء يقول: فقط ليلة الجمعة يزور المقر أحيانا ثلاثة أو أربعة أشخاص بعد منتصف الليل يلعبون الورق لمدة ساعة ثم ينصرفون!

طرد المرأة من البيت!

هل هذا ما كنا نطمح إليه؟ هل انتهت آمالنا إلى هذا الوضع؟ أم إن السؤال أكبر وأوجع، يتعلق بصلب تكوين الجمعية؟ بل والأهداف من وراء إيجادها؟ وهل الدور المرسوم لها أن تكون منبرا رسميا للترويج لسياسات الوزراء الذين تثير سياساتهم سخط الشارع وتؤلّب قطاعات كبيرة من الناس؟ وهل يقبل الصحافيون الاستمرار تحت مظلة جمعية يقتصر دورها على هذا الدور المذموم؟

الجمعية كانت حلما، طالما تعب الذين سبقونا على هذا الدرب الشائك لتحقيقه، فكانت المضايقات والتضييقات والتعجيزات حتى ملوا الأمر كما صرح بعضهم في كتاباته ولقاءاته التلفزيونية قبل حين. ولما نضج الأمر وحان وقت القطاف سقطت الثمرة في حضن من لم يتصبب من جبينه (حبّة) عرق واحدة أثناء البذار. ومن لم يتعب في الحرث لن يهمه ان ينتهي أمر الجمعية إلى ما يشبه «القهوة الشعبيّة»، أو دكانا للتصريحات والتبريرات غير المقنعة للسياسات المثيرة للجدل والحنق، او لاستقبال الوفود الخارجية لإثبات أن لدينا حرية وجمعية صحافيين «ديلوكس»، ولكي يثبت أن آخر قطع الأثاث المطلوبة وضعت في الركن المطلوب، أما إذا تعرض صحافي للتهديد فـ «الوقوف على التل أسلم»!

في محاولات إنشاء النقابة لم اقتنع بالانضمام إليها، فالوسط الصحافي من الصغْر بحيث لا يتسع لجمعيتين، وفي الدول الكبرى تكون قوة الاتحادات والنقابات في اتحادها لا تفرّقها وتشرذمها، ولكن مادامت طريقة التعامل السائدة هو ان تمشي معي وتحت سلطتي حسبما أريد وإلا «الرجّال إذا ما عجبته امرأته يطردها من البيت»... فهذا ما لا يقبله من يحترم نفسه.

في السابق كنت ألوم الزملاء الساعين لإنشاء نقابة مستقلة باعتباره جهدا ضائعا، أما اليوم فأعذرهم بعد أن تكشّفت الحقائق وزالت الأوهام. وعندما تكشفت طريقة استخدام السلطة والنفوذ، ولغة التهديد والوعيد، و«العصا لمن عصا»... وطبعا كل ذلك تحت مظلة القانون! و«اللي ما يسمع كلام هذا القانون والذي يجد نفسه غير قادر على ممارسة مسئولياته عليه أن يبحث عن عمل آخر»!

الخلاف ليس في فرض سلطة القانون، ولكن أي قانون؟ هل القانون الذي يصاغ على طريقة «شاوروهم ثم خالفوهم»؟ القانون الذي سيضحك علينا العالم عندما يقرأ ما تتناقله وكالات الأنباء عن جرجرة رئيس تحرير صحيفة يومية إلى المحكمة لأنه نشر خبرا بعد تسعة أيام من تناقله في وكالات الأنباء الفرنسية والألمانية، ولم يبقَ بيت في البحرين لم يسمع به... ثم تحاسب الصحيفة لنشرها «سرّ الأسرار» أو تجاوزت «قدس الأقداس»! هذا والمتهمون اليوم أخلي سبيلهم وعادوا إلى أهليهم سالمين.

رحمة بسمعة البلد بعد أن حوّلته «سياسة التهديدات المقنّنة» إلى موضوع تتناقله الوكالات، ليقرأ العالم ما يحتويه القانون من «نصٍّ غريب»، وما يشكّله قانون المطبوعات من مخالفة صريحة للدستور نصا وروحا... وما وُوجه به من انتقادات واسعة النطاق من الجسم الصحافي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير داخل البلاد وخارجها.

أتمنى، وكلي أسى، لو تتوافر مخيلة تمتلك سنتيمترا «تاريخيا» واحدا، لتحاول تخيل ما سيقرأه الجيل القادم في هذه الحرب الصاخبة ضد حرية الكلمة والرغبة الشرسة في تحجيم حرية التعبير، التي تجري باسم القانون وكأن هناك من الصحافيين من يدعو إلى إشاعة الفوضى والانحلال وتدمير البلاد!.

هل ثمة أمل؟

على رغم كل ذلك مازلت آمل أن يبقى المجال مفتوحا لاجتماع الصحافيين جميعا من الصحف الثلاث، بمن فيهم المنتسبون إلى الصحيفة الجديدة المرتقبة إلى كيان واحد، يحمي مصالحهم ويدافع عن حقوقهم ويكسبهم الاحترام بدل هذه الحال التي جعلت من الجمعية دكانا للتصريحات الرسمية، أو جزءا من الأثاث والديكور، وكأن التلفزيون والإذاعة والوزارة التي لا يطمح في المنافسة عليها أحد ... كلها لا تكفي فيتم اللجوء إلى جمعية خاصة ليس من مهمّاتها أو أهدافها أو طموحات أعضائها ومنتسبيها الترويج للآراء الشخصية، في ظل غياب كامل للمدّعى عليهم، المتهمين مسبقا، والمجرّمين لاحقا، بدعوى حماية الوطن ومكتسباته، وكأن هؤلاء غزاة من الكواكب الأخرى...وليسوا من أبناء الوطن العاملين على رفعته وعزته والحريصين على سمعته. فإلى متى يكون هناك إدراك إلى ما ينتهي إليه الإصرار على هذه السياسة، من سقوط رأس آخر في السلة...ذلك هو رأس حرية التعبير، ولتكون الجمعية هي الشاهد الصامت الضرير

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً