تصريحات متتالية من شخصيات سياسية واقتصادية من خارج البحرين تؤكد أن بلادنا أصبحت أكثر اجتذابا للاستثمارات بسبب انفتاحها السياسي. وهذا ما قاله متحدث باسم بنك باريبا لـ «الوسط» وهذا ما قاله متحدث آخر باسم شركة «ألستوم»، ولهذا السبب عادت أموال «سيتي بنك» وتوسعت نشاطات «بنك طيب»... الخ.
غير أن المنظمات الحقوقية عادت لتسلط الضوء على البحرين بسبب تصريحات بعض المسئولين تجاه الحريات العامة وبسبب وجود قوانين لا تتناسب مع أي مشروع إصلاحي، مثل قانون الصحافة والنشر، وبسبب منع العمل النقابي المهني سواء كان ذلك على مستوى الأطباء أو المحامين أو المهندسين أو الصحافيين، مما لا يعتبر مناسبا لطموحاتنا جميعا.
ولو فكر بعض المسئولين قليلا لاكتشفوا أنهم لا يربحون أي شيء مما يقومون به في عصر اتسم بالشفافية على مستوى العالم أجمع، وأصبحت الأخبار معروفة ومتداولة واصبح مستوى الوعي والاطلاع عاليا جدا بسبب توافر وسائل نقل المعلومة وتداولها من دون أن تتمكن أية سلطة منها مهما عملت.
بإمكان المسئولين الرد على الأسئلة بصورة مباشرة بدلا من اللف والدوران، وما فعله وكيل وزارة الكهرباء والماء خالد الخان كان أمرا جيدا لأنه أجاب على عدد من الاسئلة المطروحة في الساحة وخصوصا مع اشتداد حرّ الصيف وازدياد حاجة الناس إلى الكهرباء والماء. ونحمد الله على أن النقابة في الوزارة ستتمكن من تشكيل نفسها بعد تدخل جلالة الملك لالغاء قرار ديوان الخدمة المدنية الذي خلق للحكومة وللشعب أوجاعا هم في غنى عنها من الأساس.
واذا كانت النقابات العمالية في طريقها إلى التشكل في الوزارات فإن العمل النقابي في القطاعات المهنية مازال بعيدا. فالمحامون والمهندسون والأطباء والصحافيون وغيرهم ليس لهم على ما يبدو أمل في الحصول على ما يطالبون به. والأسوأ من بين أولئك هم الصحافيون لأن «جمعية الصحافيين» وتحركت أخيرا وكأنها تساند قانون الصحافة والنشر، بينما هناك مجموعة أخرى من الصحافيين سعوا إلى تأسيس نقابتهم ... الجمعية أو النقابة توجد في أي مكان في العالم من أجل تمثيل الصحافيين (او اصحاب المهنة) والدفاع عنهم، وليس عكس ذلك.
إن مثل هذه التصرفات والتصريحات لا تخدم الذين يقومون بها بأي حال من الأحوال، وكل ما يقومون به ينعكس سلبا عليهم، لأن العالم تغيّر كثيرا، وأصبح حتى ابن عشر السنوات يفهم هذه الأمور... ولذلك فإن الغريب ان ابن الاربعين أو ابن الخمسين يحاول قلب المفاهيم السياسية رأسا على عقب.
ماذا يضير الوزراء المعنيين بالقطاعات المهنية المختلفة لو سمحوا بتشكيل نقابات مهنية حرة؟ لماذا هذه الممانعة أو المصادرة؟
أسئلة محيرة تتكرر كل يوم ويبدو أن بعض المسئولين لا يهتمون بها اعتقادا منهم ان المطالبين بحقوقهم سيملون من المطالبة وسيخرسون وسيقبلون بأي شيء حتى لو كان مقلوبا رأسا على عقب.
وبإمكاننا ان نطرح السؤال بشكل اخر: ماذا ستستفيد البحرين لو سمح للمهنيين بتشكيل نقاباتهم من دون تدخل ومن دون مصادرة؟
الاستفادة كبيرة، فالأطباء سيساعدون وزير الصحة في تنظيم مهنة الطب، والمهندسون سيساعدون الوزراء المعنيين بالقطاعات الهندسية في تنظيم مهنة الهندسة، وهكذا الأمر مع بقية القطاعات المهنية. بل ان النقابات ستكون لها شخصياتها المعتمدة وبالإمكان التحدث باسم المجتمع المدني البحريني أمام المحافل الدولية وبذلك تؤكد للعالم مستوى الوعي والإصلاح السياسي في البلاد. والنقابيون المهنيون أكثر اتصالا بالعالم من نقابيي العمال لأن طبيعة عملهم تتطلب ذلك، ولذلك فإن سمعة البحرين ستزداد رفعة.
النقابيون المهنيون يمكن الاستفادة منهم لاحقا كما تستفيد منهم المغرب وغيرها من الدول في التعيين في مجلس الشورى. فنحن نتمنى اليوم الذي نرى فيه ان المعينين في مجلس الشورى هم أشخاص منتخبون من هذه القطاعات وبالتالي يمكن تعزيز السلطة التشريعية بنهج أكثر ديمقراطية. فالنقابيون المهنيون يمكنهم طرح آراء تخصصية في كل مجال من مجالات الحياة تقريبا لان لدينا جمعيات تمثل مختلف القطاعات والتخصصات. والنقابيون المهنيون يستطيعون بالاشتراك مع النقابات العمالية صوغ استراتيجية وطنية للتدريب على المهارات المطلوبة لسوق العمل. وكل ذلك سيساعد السلطتين التشريعية والتنفيذية في أعمالهما بعكس ما يتصوره بعض المسئولين.
الخشية أن يتعود بعض هؤلاء المسئولين على الرفض ووضع العراقيل بانتظار تدخل جلالة الملك لحل الموضوع... ومثل هذه الاساليب تضيّع الوقت ولا تخدم أحدا، حتى المسئولين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ