العدد 291 - الإثنين 23 يونيو 2003م الموافق 22 ربيع الثاني 1424هـ

أعادت أوروبا إنتاج نفسها ثقافيا ردا على الاستهلاكية الأميركية

فواز طوقان في حوار مع «الوسط»:

يتحدث البعض عن زمن تستحيل فيه الموسوعية، وتستعصي فيه الثقافة، فلا مجال أمام الإنسان إلا التخصص، ولا شأن له في أن يأخذ من كل علم بطرف، فإما أن يحيط بما هو معني به أو أن يكون في ذيل القافلة - هذا إذا قلنا جدلا أنه في القافلة - ويتحدثون أيضا عما يسمى بمرحلة (موت المثقف) ويقولون لقد ولّى ذلك الزمن الذي يبهرك فيه متكلم بمعلوماته ومعارفه، فالتقنيات الحديثة أتاحت للجميع الحصول على أية معلومات وفي أي وقت. إلا أن محاوري يفند هذه الآراء ليس بقوله فحسب وإنما بتجربته.

ويتجسد ذلك أمامك عندما تجلس إليه أو تحضر درسه إذ يبهرك بسعة مداركه، وتنوع معارفه، وقوة ذاكرته، فتجد نفسك أمام نموذج فعلي لـ (المثقف)، من نتحدث عنه أو بالأحرى من يتحدث إلينا هو عضو هيئة التدريس بجامعة البحرين ورئيس اللجنة الثقافية السابق فيها فواز أحمد طوقان... التقته «الوسط» لتحاوره فيما يأتي:

الخلفيات الثقافية

والمراحل الأكاديمية

عن سيرته الذاتية في البعد الأكاديمي يقول فواز طوقان: السيرة الذاتية لأستاذ جامعي تكون عن خلفيته العلمية وإنجازاته في حقله. أنا درست في الجامعة الأميركية في بيروت بكالوريوس في الأدب العربي ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية ودرست في جامعة ييل في درجتي الماجستير والدكتوراه في ذلك الوقت كنت أيضا زميلا في الجامعة أدرس وأدرس أيضا. وتخصصت للماجستير في موضوع تاريخ الحضارة عامة، وفي الدكتوراه تخصصت في الترجمة النقدية بمعنى نقل نص إلى نص آخر إلى لغة أخرى، ومحاولة تبيان المشكلات التي تحدث في نقل اللغة من صعيد إلى صعيد، وكانت رسالة الدكتوراه عبارة عن ترجمة نقدية لنصوص في السياسة بشأن الدولة (الآداب السلطانية) فيما يتعلق بنظرية الحكم وهي نصوص قديمة وحديثة مثل نصوص ميكافيلي وابن المقفع وابن خلدون وهي تتعلق بفنية الحكم والترجمة النقدية، وقد أفضت بي إلى موضوع الترجمة عامة فبدأت أدرس الترجمة وأنقل كتبا للعربية والعكس بالعكس. هذه الخلفية الدراسية تأثرت فيها شخصيتي الثقافية. وكان لابد من توسيع المدارك وتوسيع الخلفية الثقافية حتى تستطيع أن تؤدي دورك كناقد، عندما تنقد نصا من النصوص عليك أن تكون محيطا بخلفية ثقافية واسعة، ولابد أن توسع خلفيتك الثقافية، فقد كنت أ قرأ بكثافة وذلك بإيعاز من أساتذتي حول العصور الوسطى، وعصر النهضة من حيث الآداب والآثار والتاريخ والحضارة وموضوعات كثيرة أخرى. وفي حينها كانت تبدو لي خارجة عن ما يسمى بالتخصص، لكني وجدت في النهاية أني تعلمت منهجا في نقد النصوص ونقد الحوادث والبحث دائما عن الخلفيات المؤدية إلى الحدث، وليس مجرد رواية الأشياء أو النظر إليها بصورة سطحية.

التهويم في مجالات شتى

ويسترسل طوقان في سرد تجربته قائلا: ودرست في الولايات المتحدة موضوعات متعددة ومختلفة مستعملا المناهج الفكرية والمناهج العلمية التي تدربت عليها في مرحلة الماجستير والدكتوراه، فلقد درست مثلا الدين الإسلامي إلى طلبة غير مسلمين - طبعا - لجهة كيف تنقل الأفكار الإسلامية المغايرة بشكل تام للمجتمع، فاضطررت أن أدرس الدين المسيحي وأوسع معلوماتي فيه ومداركي حتى أستطيع أن أقرب مفاهيم الإسلام إلى إنسان يعتقد بالمسيحية، ودرست موضوع الأدب المعاصر مثل أدب جبران خليل جبران في سياق الأدب المقارن، ولكتاب غربيين كتبوا عن الوطن العربي من مثل دريل الذي كتب (رباعية الإسكندرية) فالرجل أوروبي كتب عن الإسكندرية باللغة الإنجليزية فنقل المجتمع المصري في الإسكندرية إلى القارئ الغربي، ويأتي دوري كأستاذ لتقريب النص للعرب، وفي الوقت نفسه قربت نص «النبي» الذي كتبه جبران خليل جبران إلى القارئ الأميركي مع أن جبران عاش في أميركا لكنهم لا يتذوقونه. واعتبر نفسي من أوائل الذين أسهموا في محبة الأمريكان لجبران. كما عنيت في دراسة موضوعات قلقة فدرست موضوعات قضايا الشرق الأوسط مثل قضية الأقليات فصرت أدرس مثلا «اليهود في الدول العربية» «النصرانية في الدول العربية» «الأكراد» ودخلت في متاهات كبيرة أبعدتني كل البعد عن التخصص الأولي، فوجدت نفسي في النهاية أني تعلمت في الجامعة الأميركية وفي جامعة ييل بالولايات المتحدة مناهج في بحث طرق التفكير، وطرق النقد ولم أتعلم مادة، لأن المادة موجودة ومتوافرة غالبا ، لذلك كنت أتحدى أحيانا بأني أدرس مادة النحو العربي، ولقد درست النحو ثلاث سنوات، وهذا ليس من اختصاصي... وكان هاجسي كيف تباشر عملية نقل مادة جامدة في كتاب وتقربها إلى إنسان لا يفقهها، فصار ذلك عندي تحديا كبيرا، وصرت أبحث عن أشياء مهمة غائبة مثل العمارة الإسلامية، التي كتبت فيها وأنجزت عنها أفلاما وثائقية، تفوق الثلاثين فيلما وثائقيا أقوم بكتابة نصوصها، وبعضها قمت بإخراجها شخصيا حول قبة الصخرة والأندلس ومسجد سلطان حسن في مصر وعن الأزهر وغير ذلك.

وكان الهم الأساسي في كيفية توظيف المناهج والغوص في الكتب ومحاكمتها وانتقاء ما هو ضروري منها، مثل مسألة ان العمارة الإسلامية لا تتخلف عن العمارة العالمية. ثم إنني قرأت في الفلسفة قراءات معمقة جدا لأني مثلا أعجب لفترة بأبي حيان التوحيدي، فدخلت في عمق الثقافة الفلسفية ثم طرحت على نفسي وزملائي لفترة من الزمن موضوع « هل هنالك فلسفة إسلامية، فالفلسفة إلحاد». وهل توجد فلسفة إسلامية أو مسيحية؟ فوجدت أن علم الكلام فلسفة ودخلنا وتبحرنا في هذا الموضوع حتى أعتقد أني ملم فيه إلماما واسعا (...) وولجت منه إلى ابن حزم الأندلسي هذه العقلية الجبارة وبدأت أتساءل عن تمسكه بحرفية النص ورفضه للتأويل واتباعه منهجا حرفيا في فهم النصوص، فوجدت بعد البحث أنا له نظرات عميقة في الأديان الأخرى. وهكذا درست موضوعات تنقلت فيها ما بين الأدب، والتاريخ، وتاريخ الحضارة، واللغة، والاستشراق، واللغات القديمة، والنقوش، واللغة المعاصرة، ثم توجهت إلى الإعلام والنظرية الإعلامية وتطبيقاتها... هومت تهويما واسعا في أماكن كثيرة.

الثقافة في رأي طوقان

وأمام شخصية موسوعية كان لبد لنا أن نطرح سؤالا عن الثقافة وتعريفها، وعن ذلك يقول طوقان: الثقافة هي الإلمام بكل ما أنتجه الفكر الإنساني مما ليس من العلوم التجريبية. وله أقسام، القسم الأول ما يتصل بالعقيدة بالدين والفلسفة ودراسة ما يتصل بهما من أساطير قديمة إلى آخره. والإلمام بهذا القسم هو بند من بنود الثقافة ويشمل الأديان الأساسية - غير أن تكون مسلما - أن تكون ملما بالإسلام كمعطى حضاري، وكذلك المسيحية والبوذية والهندوسية والكنفوشيوسية (...) على سبيل المثال عندما درست الآوية- وهي إحدى الطرق الفكرية الروحية - وجدت تشابها شديدا بينها وبين الصوفية، حتى كلمة الآو تعني الطريق، والصوفية هي الطريق نحو الاتصال والكشف. والقسم الثاني هو دراسة ما حدث في الدنيا، التاريخ وما يتصل به، ومجريات الحوادث، سواء التاريخ القديم أو الحديث، وما يتصل به من علوم كثيرة كالآثار والجيولوجية وغيرهما. والقسم الثالث هو الفن الذي هو الإبداع سواء كان بالكلمة أم بالصورة أم باللحن أم بالحركة... الفن في الأدب نثره وشعره، الفن في الموسيقى والغناء وما إلى ذلك والقسم الرابع هو المعارف الاجتماعية، كل ما أنتجه العقل البشري في ما يرتبط بالعلوم الاجتماعية مثلا علم الاجتماع في بعد عادات الشعوب، وقضايا القانون.. كل ما يتعلق بالإنسان في علومه الإنسانية، كدراسة علم الأجناس (الأنثربولوجيا) . هذا هو القسم الرابع، لكن في العصر الحديث يجب على المثقف معرفة ما أنتجه الإنسان في ما يتصل بالطبيعة والتطور التكنولوجي ولا أقول المعرفة التخصصية إنما لابد وأن يكون للمثقف معرفة ولو أولية عما يحيط به، وعما يتعامل معه. وإلى هنا أخذنا العقائد والتاريخ والفن وعلوم الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا كل هذه مجتمعة تمثل ركائز الثقافة.

الطالب الجامعي

وتكوين البنية الثقافية

وإلى ما ذكره من أقسام لابد وأن يلم بها المثقف يضيف طوقان دوائر أخرى يرى أنه من الضروري البدء بها إذ يقول: عليه أن يبدأ بدوائر صغيرة، أولا دائرته المحلية، ثم دائرته الوطنية، ثم دائرته القومية، ثم الإسلامية وأخيرا الإنسانية. فإذا ما أراد أحد مثلا أن يصقل مفاهيمه بشأن الموسيقى، فعليه أولا أن يعرف أغاني البحرين، ما هي موسيقى الأعراس الشعبية الخليجية ثم ينتقل إلى الموسيقى العربية كالمقامات العراقية (النهاوند، الرست، صدى) ثم ينتقل إلى العالم. أما إذا كان يستطيع أن يعرف سمفونيات بيتهوفن ولكنه لا يستطيع التعرف على أهزوجة البحر فإني لا أعتقد بأن هذا ( مثقف ). ومن هنا فإن على الطالب الجامعي أن يتوجه إلى المصادر الثقافة لأن العلم الذي يكتسبه هو شيء ضروري للمعرفة ولتنمية الوطن ولكن المجتهد العامل والعالم لابد ألا يكتفي بذلك فعليه أن يصقل شخصيته من الناحية الثقافية. ومن هذا المنطلق فإن الجامعات هي أفضل مكان لبدء عملية الصقل هذه، ويجب على الطالب أن لا يغفل هذه الناحية. وتبدأ الثقافة الجامعية من المقررات الجامعية إذ تضع (الثقافة الإسلامية، وتاريخ البحرين، الفلك) وما إلى ذلك - متطلبات الجامعة والكلية بصورة عامة- يجب أن تتماشى مع ما بدأناه في العلوم أو الاجتماع أو التاريخ أو الأدب القديم ثم يدخل الطالب في تخصصه، ولكن ذلك لا يكفي فعلى الجامعة أن تقدم للطالب - على مستوى النظام الجامعي ومستوى الفلسفة الجامعية بصورة عامة - نشاطات لا منهجية في ثلاث دوائر، الدائرة الأولى النشاط الاجتماعي كالزيارات والرحالات ثم دائرة النشاط الرياضي وأخيرا دائرة النشاط الثقافي، وبذلك تنصقل شخصية الطالب بهذه النشاطات اللامنهجية، وهنالك لا بد من وجود نواد للقصة وللرسم والفنون وللشعر ثم هنالك ورشات عمل في إلقاء الشعر أو كتابة المقالة أو قراءة اللوحة الفنية. غير أن اللجنة الثقافية في الجامعة أو عمادة شئون الطلبة لا تستطيع أن تغطي جميع تلك المرتكزات التي ذكرناها وعلى الطالب أن يواضب على القراءة والدراسة والاستماع. وإني أقول أنه كان علينا في اللجنة الثقافية منذ البداية أن نعزز - وأنا أتحمل جزءا كبيرا من مسئولية هذا الكلام- مكتبة الجامعة بوسائل سمعية بصرية ونطالب أن تكون هناك مادة تعار للطلبة، على سبيل المثال نأتي بشريط عن بدر شاكر السياب، نقرأ قصائده أو نماذج من الشعر العربي، بصوت محمود ياسين مثلا، هذا الممثل الذي أتى البحرين وقرأ معلقة طرفة بن العبد .. وهذا ما افتقرت إليه مكتبة الجامعة، وكان علينا أن نعمد إلى إغنائها في هذا الجانب.

الحال الثقافية

لدى الطالب الجامعي

وبشأن الحال الثقافية كما تبدت لفواز طوقان من خلال تجربته يقول: هنالك معركة طاحنة قائمة بين الأساتذة أنفسهم من جهة وبين الطلاب من جهة ثانية وبين الطرفين مجتمعين، هل الطالب اليوم مثقف، أم أن ثقافة العصر الحديثة هي ثقافة ضحلة وبعيدة كل البعد عما يشتهيه الأساتذة؟! من خلال الممارسة والاحتكاك يتبين أن في مجموعة واحدة من أربعين طالبا مثلا تكون هناك حفنة صغيرة على عدد أصابع اليد الواحدة على المستوى الثقافي والباقون غير مثقفين. هل يعود هذا إلى ضعف البنية الثقافية أم أن ثقافة هذا الجيل هي كذلك؟ بمعنى أن الطالب يعد نفسه مثقفا ومعطيات الثقافة لجيله هي هذه - أن يمسك الخلوي ويتصل بصاحبه، وأنه يتعامل مع الكمبيوتر، ويستخدم ألعاب الفيديو (البلي ستاشن)، ويعرف أسماء المغنين ويشاهد الفيديو كليب وما إلى ذلك - هذا الصراع لم يحسم بعد، وهو ليس جديدا، لعلي قرأت قديما على لوح سومري، أرانيه أحد أساتذتي، ومضمونه أن هنالك أستاذ يبعث برسالة إلى أستاذ ثان في بلد أخرى يحدثه عن عزوف الطلبة عن الدرس والقراءة، ويشكوا له ضياع العلم والثقافة، هذا النص من أربعة آلاف سنة، والشكوى من الأساتذة على الطلبة مستمرة. هذا ما يقودنا إلى التساؤل هل الإنسان يمكن أن يكون مثقفا وإلى أي حد ؟! هذه قضية جدلية (...) ولكن التجربة تفضي إلى القول بأن ثقافة هذا الجيل ضحلة، وهذا ما توصلت له التجربة، فلقد أجري بحث استطلاعي إذ تم توجيه أسئلة للطلبة- في بلد عربي عن معدل القراءة وعن آخر كتاب قرأه كل طالب، فاتضح أن هنالك من لم يقرأ كتابا في حياته، وعن أسماء أدباء وشعراء فلم يعرفوهم فأحدهم نسب نزار قباني إلى الغناء وآخر نسب شوقي إلى غير ذلك. وقد كانت فضيحة بمعنى الكلمة.

ويسترسل طوقان هذه الحال تعم -حسب تجربته- كل الوطن العربي، وإلى ذلك يردف قائلا : وهذه الحال هي في أغلب الجامعات العربية، إن لم نقل فيها كلها، ففي العشر سنوات الأخيرة تنقلت بين ثلاث جامعات، فوجدت الحال هي هي؛ فهنالك فئتان، الأولى مثقفة وواعية وقارئة وهي قليلة، والثانية وهي تمثل الغالبية العظمى همها الدراسة للحصول على الشهادة الجامعية، بأية وسيلة من دون بذل جهد لذلك. والفئة الأولى منها ما هو منتم إلى حركات سياسية أو اجتماعية ومنها ما هو متأثر بجو عائلي أو أسري. غير أن الفئة الأخرى - ويتركز اهتمامي عليها- هي لا ترفض أن تتثقف، ولكنها لم تتعرض إلى النار الكاوية التي تجبرها أن تتثقف، فالمناهج لا تطلب من الطالب الثقافة، والوظيفة لا تطلب من الطالب الثقافة، التميز في المجتمع لا يطلب الثقافة، بل إنا مفهوم الثقافة اجتماعيا وبصورة عامة مع العصر الحديث يميل إلى وصفه بالفيلسوف الذي يعرف أشياء أكثر من اللزوم لا أهمية لها. في حين أن الجامعات الغربية تفرض مقررات على طلابها فيما يرتبط بالدراسات الحضارية (culture studies) ليس حكرا على حضارتهم فقط بل تمتد إلى دراسة الحضارات الأخرى، وهذا ما لم توله جامعاتنا الاهتمام المناسب له. وإن كانت بدأت تفكر في تدريس تلك المقررات بصورة جدية.

أوجه المقاربة الإيجابية

بين الطلاب العرب

وإذا ما كانت (ضحالة الثقافة) السمة الغالبة في الجامعات العربية فهل هناك أوجها للمقاربة الإيجابية، وهنا يجيب طوقان: أوجه المقاربة تتمثل فيما يرتبط بالفئة الصغيرة التي تحدثنا عنها، فلقد تتعاطى مع بعض الطلبة فتجدهم في غاية الثقافة، فهنالك من تحادثه فتراه (ابن جني) إذ تراه مطالعا محاورا لا تفوته شاردة، وتتمنى له كل الآمال والطموح التي تود أن تراها في الجيل المقبل. وهؤلاء قلة سواء في جامعة البحرين أو الأردن أو تونس وغيرها. وهذا ما يقودنا إلى التساؤل هل العالم أصبح مقودا من قبل النخبة السياسية والباقي هم من الأتباع أو الرعاع؟ فتجد النخبة المثقفة في جامعة البحرين هم قلة، وفي حدود الطلاب الذين أتعامل معهم هم لا يتجاوزون عشرين طالبا، وهذا ما تجده أيضا في الجامعة الاردنية، وهذا المشهد يتكرر في لبنان ومصر وليبيا. وقد يقول قائل إننا لسنا بحاجة إلى الثقافة فالثورة المعلوماتية الآن تهيئ لأي إنسان أن يضغط زرا فيستخرج ما يريد من معلومات وأنه ولى عهد المثقف فيما يعرف الآن بـ (موت المثقف) ولكن ليس الحصول على المعلومة نهاية المطاف إنما الأهم منه معالجة المعلومة ونقدها وتحليلها، وأن تكون وجهة نظر بشأن ما يحيط بنا، وهذا قد يتعذر على أولئك الذين لا ثقافة عندهم.

موقعنا من المعركة بين الثقافة الأصيلة والاستهلاكية

ويرى طوقان بضرورة أن يكون لنا موقعا على الخريطة العالمية انطلاقا من العمل الثقافي، وذلك بالإشارة إلى التجاذب بين الحضارات وهنا يقول: أوروبا قبل خمس عشرة سنة جابهت الحال التي نعيشها - طبعا ليس في التفاصيل- ولكنها تمثل في مجابهة ثقافية ضخمة بين الفكر الأوروبي عامة وبين الفكر الاستهلاكي الأميركي، وأنشأوا خطة استراتيجة للنهوض بالمستوى الثقافي لدى الفرد الأوربي، فعملوا مثلا محطات فضائية للمناقشات ولعرض الكتب وحتى لأفلام الكرتون تلك التي اعتبرها الأوروبيون أنها تخرب ذائقة الطفل وتقوض ما يريدون هم بناءه في أبنائهم (...) ولذلك خلقوا صناعة كرتون جديدة واستغنوا عن الكرتون الأميركي، هذه المعركة الثقافية لم تعد خفية بل هي جلية للعيان، فشكسبير عاد ليبرز، والأوبرا عادت لتفتح، والمتاحف فتحت لساعات متأخرة من الليل (...) وهذا كله لإعادة الثقة بالثقافة الأوربية. ونحن الآن أمام منعطف خطير، فهنالك هجمة لتحريف الإسلام ولصرف أنظار الأوروبيين والأميركيين عن روح الإسلام، علينا الآن أن نعمد إلى التعريف بإسلامنا بالوسائل كافة ولا أقل أن نضعه على الإنترنت كما فعل الأوربيون. التعريف بأدبنا وتاريخنا على سبيل المثال في البعد المعماري لدينا روائع لا تقترب من روعتها أي كنيسة من كنائس أوربا، قبة الصخرة التي يصفها الأوربيون بأنها سمفونية رائعة من الألوان والهرمونيا، وأنا نفسي لا أعرفها، علي أنا كمسلم أن يكون لي موقعي الذي يخصني في هذه المعركة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً