العدد 290 - الأحد 22 يونيو 2003م الموافق 21 ربيع الثاني 1424هـ

الخليج بعد غزو العراق

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يمثل مفهوم الأمن هاجسا رئيسيا لكل دولة ويزداد هذا الأمر صعوبة وإلحاحا إذا كانت الدولة تقع في مكانة استراتيجية أو في منطقة احتكاك دولي أو محاطة بجيران لا يتقبلون وجودها أو سياساتها أو تتعارض مصالحهم مع مصالحها.

ولا شك في أن التطورات في منطقة الخليج تعكس وضعا بالغ الدقة لأكثر من اعتبار:

الأول: الموقع الاستراتيجي للمنطقة كممر لطرق بحرية وجوية.

الثاني: المكانة الاستراتيجية للمنطقة بحكم امتلاكها ثروات طبيعية بالغة الأهمية وفي مقدمتها النفط، والغاز الطبيعي.

الثالث: وجود مطامع اقليمية بالنسبة إلى المنطقة أو في بعض دولها.

الرابع: وجود مطامع دولية وخصوصا من القوى العظمى.

الخامس: ضعف البنية السكانية والعسكرية والتكنولوجية للمنطقة.

السادس: وجود تصورات وسيناريوهات متعددة تسعى الى التأثير على المنطقة ورسم خريطتها المستقبلية.

السابع: الوجود الثقافي والسياسي الأجنبي في المنطقة ما يترك أثره في بنية النظم وتماسكها.

الثامن: التطورات الجديدة المتصلة بالغزو الاميركي البريطاني للعراق وعدم استقرار الأوضاع فيه.

التاسع: السياسة الاميركية الراهنة المستندة إلى عنصرين: ايديولوجية الهيمنة بحكم كونها القوة العظمى الوحيدة، استراتيجية الأمن الاميركية التي أدخلت عناصر جديدة في الفكر السياسي والاستراتيجي، كما أحيت مفاهيم قديمة، ومن ذلك:

أ- من ليس معي فهو ضدي (أو مع الإرهاب).

ب- رفض مفهوم المساواة بين الدول الذي يمثل اساس التنظيم الدولي بل أساس العلاقات الدولية منذ مؤتمر وستفاليا العام 1648.

ج- رفض مبدأ السيادة المطلقة وإعطاء حق التدخل في الشئون الداخلية للدول مفهوما جديدا أطلق عليه التدخل الإنساني.

د- جعل الشرعية الدولية مرتبطة وجودا أو عدما بالقرار السياسي الاميركي.

من كل هذه الاعتبارات، وغيرها يمكن ان نتصور أهمية موضوع الأمن الوطني وحساسيته في الوقت نفسه خصوصا لتقاطع هذه العوامل المتنوعة مع مصالح ذاتية وطنية تسعى النظم السياسية في المنطقة إلى الحفاظ عليها وحمايتها.

ولا شك في أن التناول العلمي لظاهرة بهذا التعقيد والتنوع مثل ظاهرة «الأمن الوطني في عالم متغير» تقتضي معالجة خاصة وتستدعي تنوعا في المنهج والادوات البحثية. ونشير في البداية إلى ثلاث ملاحظات أساسية هي:

الأولى: ان هناك تغيرات جوهرية في عالم اليوم وان بعضا من تلك التغيرات لم يستقر بصفة نهائية، أي اننا امام مرحلة قد تكون انتقالية إذ يتسم الوضع الدولي بما يمكن ان نطلق عليه السيولة في الاوضاع والمواقف:

Fluidity Situations Positions Orاي ان كل ظرف في النظام الدولي الراهن مازال يحسب أوضاعة ويقيم الأوراق التي لديه.

الثانية: يترتب على تلك المتغيرات وسيولتها ان مفهوم الأمن الوطني، أو بالاحرى المبادئ التي تعمل في ظلها الدولة لتحقيق أمنها تتسم بنوع من السيولة. لعدم استقرار الأوضاع وصعوبة التنبؤ بالتطورات المستقبلية، وهذا يستدعي المراقبة المستمرة واليقظة التامة وبلورة بدائل وسيناريوهات متعددة.

الثالثة: صعوبة التنبؤ بتداعيات غزو العراق لا تنطبق على دول المنطقة العربية أو على دول الخليج بل أيضا على الدول المحتلة للعراق. إذ انه من استقراء السوابق التاريخية لاحتلال أية دولة ان الاحتلال يخلق رد فعل مضاد له يتمثل في المقاومة وتزداد هذه المقاومة مع استمرار الاحتلال وعنفه في التعامل مع أهالي البلاد.

ويزداد الأمر غموضا في ان السياسية الاميركية دأبت على اتباع منهج السيناريوهات البديلة، والتي يصعب الوصول بالتأكيد الكامل والتام اليها، فليس معروفا على وجه الدقة لماذا تترك الولايات المتحدة الاوضاع في العراق في حال ترد وتدفع المواطنين لرد فعل مستمر سواء في القتال ضد الاحتلال او التصارع بين الفئات والقوى السياسية العراقية. هل الهدف تقسيم العراق إلى اكثر من دولة؟ أم الهدف الوصول إلى دولة موحدة فيدرالية؟ أم العودة إلى المركزية التي سادت في فترة حكم صدام حسين؟ وما أثر كل هذه الخيارات على اوضاع الاعراق والاديان؟ وما ارتباط ذلك بخطط الولايات المتحدة تجاه إيران وسورية والفلسطينيين و«إسرائيل» والسعودية وغيرها؟ وايضا ما أثر ذلك على أسعار النفط وسياسات الأوبك وعلى الاوضاع العسكرية في الخليج والوجود الاميركي سواء في شكل قواعد عسكرية أم جوية أم بحرية؟ نقول كل هذه الأسئلة التي مازالت تحتاج إلى الاجابات، والوصول الى الإجابات الدقيقة ليس أمرا سهلا في هذه المرحلة، ويمكن تقسيمها خمسة أقسام رئيسية:

الأول: المتغيرات الرئيسية المتصلة بنظرية الأمن والعلاقات الدولية:

نتج عن التطورات المتلاحقة على الساحة الدولية وفي مقدمتها اختفاء القطبية الثنائية وانهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته ثلاثة متغيرات مهمة هي:

الأول: بروز الولايات المتحدة باعتبارها القطب الدولي الوحيد المهيمن على مقدرات العالم. فهي صاحبة القرار في السلام أو في الحرب أو كما يقال هي قادرة على الفعل وعدم الفعل Make Or Break فإذا قررت التدخل في العراق مثلا لا يستطيع أحد منعها. وإذا قررت معارضة إلغاء العقوبات عن ليبيا أو العراق قبل الغزو فإن القوى الأخرى لا تستطيع إلا أن تمتثل طوعا أو كرها لإرادتها.

الثاني: ظهور تغيرات ثقافية وعقائدية ذات بعد استراتيجي. وتتمثل أهم تلك التغيرات في:

1) فلسفة الصراع الدولي الذي أطلق عليه في هذه المرحلة صراع الحضارات Clash Of Civilization

2) مفهوم مقاومة الإرهاب والقضاء عليه في الدول العربية والإسلامية أي الربط بين المفهوم وبين الإسلام والعروبة.

3) مفهوم حقوق الأقليات العرقية والدينية وما يترتب على ذلك من نزعات انفصالية (كما حدث في الاتحاد الروسي أو اندونيسيا أو يوغسلافيا).

الثالث: بروز التغيرات الجيواستراتيجية:

لقد تأثر العالم ومنه منطقة الشرق الأوسط بالتغيرات الجيواستراتيجية التي أدت إلى بروز أهمية كتل وتجمعات دولية، وتهميش تجمعات أخرى، ومن ثم تغير أدوار الدول وتأثر المواقع الجيواستراتيجية وفي مقدمة ذلك الآتي:

1- تفكك الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية واختفاء حلف وارسو ومن ثم تعرض الميزان الاستراتيجي الدولي للاختلال وترك ذلك أثره على المواقع والدول كافة.

2- بروز الاتجاه الجديد في حلف الأطلنطي بالتوسع شرقا وضم معظم الدول الاوروبية من ناحية، وتوسيع دوره العالمي في مناطق أخرى وخصوصا في جنوب أوروبا وإلى حد ما في الشرق الأوسط (غزو العراق والمظلة الاطلنطية لحماية تركيا). وقد عزز ذلك من دور الولايات المتحدة التي اصرت على فرض وجهة نظرها بزعامتها للحلف من خلال السيطرة وليس مجرد القيادة.

To dominate and not only to lead the Alliance

3- تعزز التوجه الاقتصادي الدولي الحر بتعاظم دور منظمة التجارة العالمية بالاضافة إلى الدور التقليدي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

4- زيادة أهمية ومكانة ودور تجمعات الدول الكبرى وفي مقدمتها دور مجموعة الدول الثماني المتقدمة (ضمت بعد ذلك روسيا لتصبح ثمانية. زائد واحد + 1) وأصبحت تمسك بجميع الخطط في الاقتصاد العالمي.

وظهور دور مجموعة الأسيان ( النمور الآسيوية) ومجموعة الأيباك (آسيا والباسفيك والاتحاد الأوروبي) .APEC

وفي مقابل ذلك وعلى النقيض ما سبق تراجعت مكانة التجمعات التي تضم الدول النامية مثل عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 ومجموعة الـ 15 ومجموعة الدول الثماني النامية (دول إسلامية) .D-8

كما تم تهميش أي دور سياسي للمنظمات الاقليمية للدول النامية سواء جامعة الدول العربية أو حتى المؤتمر الإسلامي أو منظمة الوحدة الافريقية التي أصبح اسمها الاتحاد الافريقي، أو حتى منظمة الدول الاميركية. ولم يسمع لهذه التنظيمات صوت أو يظهر دور في الأزمات الكبرى مثل غزو العراق في مارس/ آذار 2003 أو في التدخل في كوسوفو قبل ذلك او في عملية مقاومة الإرهاب الدولي واقتصر دورها على بيانات إنشائية ليس لها صدى حتى في الإعلام العالمي.

5- تراجع دور المنظمات الدولية المتخصصة في مساعدات التنمية للدول النامية مثل منظمة التجارة والتنمية UNCTAD أو وكالة التنمية الدولية IDA وذلك لصالح نادي باريس للدول الدائنة أو المساعدات المشروطة بقيود جديدة مثل الحكم الصالح Good Governance والديمقراطية وحقوق الإنسان ونحو ذلك.

6- تخلى عدد من الدول النامية عن سياساتها ومواقفها في المجالات السياسية أو الاقتصادية ولعل نموذج ليبيا وتوجهها الافريقي على حساب التوجه العربي بل وإعلانها يوم 12/6/2003م. التخلي عن الاشتراكية والاتجاه للرأس مالية وإلغاء القطاع العام كذلك اتجاه ايران إلى خصخصة التعليم ونحو ذلك ليست إلا نماذج من اتجاه عام في مختلف الدول في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.

القسم الثاني: مفهوم الأمن:

1) تعريف الأمن ومستوياته

مفهوم الأمن مفهوم معقد لما يتسم به من بساطة التعبير وغموض المدلول عند تطبيقه في مجال السياسة الدولية.

فالأمن هو العمود الفقري في سياسة أية دولة وهو مبرر وجود الدولة ككيان سياسي، ويعتقد انه المهمة الاولى للدولة أي تحقيق الأمن والخروج من حال الفوضى وشريعة الغاب كما أشار الى ذلك مفكرو عصر النهضة الاوروبية أمثال توماس هوبز وجون لوك وروسو وغيرهم فهو محور العقد الاجتماعي في فكر السياسي التقليدي. ولن نتعرض للتعريفات المتنوعة بشأن هذا المفهوم ما يرد في المؤلفات الكلاسيكية والاكاديمية في هذا الصدد ولكن نكتفي بإبراز هم سمات المفهوم في ابسط صورة الا وهو «غياب الخوف واختفاء التهديد وسيادة الاطمئنان النفسي» أي انه يتسم بسمات ثلاث مادية وسيكولوجية وهي:

1- غياب الخوف من المجهول.

2- اختفاء التهديد من الآخر.

3- سيادة الاطمئنان وهو محصلة السمتين السابقتين.

ولتحقيق ذلك لابد من توافر مجموعة المقومات وفي مقدمتها الآتي:

الأول: وجود اجراءات تتخذها الدولة في مجالات الاقتصاد والاجتماع والعسكرية.

الثاني: أن تكون تلك الاجراءات ضمن نطاق إمكانات الدولة على المستوى الفردي، أو في اطار عدة دول (على المستوى الجماعي أو الاقليمي).

الثالث: وجود تخطيط شامل يشمل الحاضر والمستقبل القريب والبعيد.

الرابع: ان كل هذه الاجراءات تأخذ في الحسبان المتغيرات الدولية المحيطة بالدولة. ولأن حقيقة الأمن لها بعدها المادي والبعد النفسي فأنه يترتب على التعريف والمقومات ثلاثة من السلوك للدول في المجتمع الدولي وهي:

1- السعي للتوسع والعدوان بدواعي تحقيق الأمن ونموذج ذلك السلوك الاسرائيلي في جنوب لبنان أو في الاراضي الفلسطينية.

2- الانخراط في التسلح بدواعي الأمن أو أن الخصم لديه سلاح ما مما يدفع لسباق التسلح خصوصا بين الدول المتنافسة أو المتصارعة.

3- الانخراط في التحالفات والتحالفات المضادة.

ويتصل بما سبق تحديد مستويات ثلاثة للأمن:

الأول: الأمن الدولي: وهو مفهوم ظهر في المنظمات الدولية وارتبط بثلاثة عناصر أولها: وجود جهاز دولي لردع العدوان (مجلس العصبة/ مجلس الأمن)، ثانيها: وجود تنظيم لتجريم العدوان (القانون الدولي)، ثالثها: وجود إجراءات لدحر العدوان (مجلس الأمن في الفصل السابع).

الثاني: الأمن الإقليمي في إطار المنظمات الإقليمية أو الترتيبات كما جاء في الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة.

الثالث: الأمن الوطني والذي هو مسئولية الدولة في المقام الأول. وهو أكثر المستويات ضعفا من ناحية في حال الدول الصغيرة وأكثرها فعالية لأنه يعتمد على القوة الذاتية للدولة وعلى قرارها السياسي. وهو ما تصر عليه «إسرائيل» والولايات المتحدة في رفض ترك أمنه أو القرارات الخاصة بها لدولة أخرى بما في ذلك التنظيم الدولي أو تحالف مع دولة أو دولة صديقة.

2) المفاهيم المتصلة بالأمن:

وقد تطورت تلك المفاهيم في إطار الأمم المتحدة وأخذت شكلا مؤسسيا في أجندة السلام التي قدمتها أمين عام الأمم المتحدة السابق بطرس بطرس غالي 1992 وارتبطت تلك المفاهيم بظاهرتين:

الأولى: العودة إلى الوفاق الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

الثانية: الأمل في بناء عالم جديد على أساس ما سمى بالشرعية الدولية وفي مقدمة تلك المفاهيم الآتية:

- صنع السلام Peace - Making أي العمل للتوفيق بين الأطراف المتصارعة في إطار الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة «عملية الأمم المتحدة في الصحراء الغربية».

- حفظ السلام Peace - Keeping أي نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في الميدان بموافقة الأطراف المعنية (عسكريين - شرطة - مدنيين).

- بناء السلام P. - Building أي تعزيز الهياكل في الدولة لتحقيق السلام والعودة من حال الحرب (نموذج عملية الأمم المتحدة في كمبوديا - نايبيا).

- الدبلوماسية الوقائية Preventive Dip أي استباق التطورات والمنازعات لمنع تفاقهما من خلال مراقبة المواقف المتأزمة (ناجورنوكاراباخ بين أرمينيا وطاجيكستان)، وبعثة مراقبة في جنوب افريقيا بعد الاتفاق بين السود والبيض لإنهاء النظام العنصري في الدولة.

- انفاذ السلام - P.enforcement من خلال استخدام القوة المسلحة بالاستناد الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

3) أطر الأمن القومي للدولة:

الأول: الإطار الدولي: وهو يمثل البيئة الدولية للأمن إذ يضطلع التنظيم الدولي مثل الأمم المتحدة بمهمة تحقيق الأمن الدولي ووقف أي عدوان يؤثر على أمن المجتمع الدولي أي الأزمات الكبرى التي تشمل أو تؤثر على عدة أطراف.

- مع تطور الحوادث دخلت ضمن هذه القائمة حوادث الإرهاب واختطاف الطائرات وأنواع جديدة من الأمن مثل أمن البيئة وغير ذلك.

- المسئولية الرئيسية هنا تقع على المنظمة الدولية ممثلة في مجلس الأمن باجتماع آراء الدول الدائمة العضوية (أي تحالف المنتصرين في الحرب العالمية الثانية).

الثاني: الإطار الإقليمي: أي المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية.

الثالث: الإطار دون الإقليمي: مثل مجلس التعاون الخليجي الذي تكون في العام 1981 في غمار الحرب العراقية الإيرانية.

الرابع: الأمن الوطني أي الخاص بالدولة هو أساس مفهوم الأمن بمعناه الحقيقي ويتأثر بعناصر القوة الشاملة للدولة.

4) مصادر التهديد للأمن الوطني:

وهذه المصادر يمكن تقسيمها عدة أقسام أما على أساس مستوى المصدر وأما على أساس النوعية.

أ- فمن حيث المصدر: نجد التهديد الخارجي المقبل من دولة أو عدة دول، والتهديد الداخلي الناجم عن عدم استقرار النظام السياسي ووجود قلاقل واضطرابات وحروب أهلية.

ب- من حيث النوعية: يمكن أن تنقسم إلى مصادر رئيسية أو أساسية ومصادر ثانوية. ويحدث في بعض الأحيان التناوب بينها، فمثلا تعد «إسرائيل» مصدر التهديد الرئيسي للأمن العربي ولكن بعد غزو العراق للكويت اختلف الأمر فأصبح العراق في ظل صدام حسين يعد مصدر التهديد الرئيسي وهكذا.

5) عناصر القوة الشاملة للدولة:

وهذه العناصر يرتكز عليها مفهوم الأمن الوطني وتتمثل هذه العناصر في:

- الأوضاع والأنشطة الاقتصادية للدولة من حيث إنتاج السلع والخدمات في مجالات الصناعة والتجارة والصناعة والخدمات المتنوعة.

- مدى التقدم التكنولوجي في الدولة.

- مدى توافر الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمواد الخام والمعادن.

- وضع السكان من حيث العدد والنوعية التعليمية والثقافية والتركيبية العرقية والدينية.

- الموقع الجغرافي للدولة من حيث إطلالها أو عدم إطلالها على البحار والمحيطات أو المنافذ المائية.

- مدى استقرار النظام السياسي ومقدرته على استيعاب القوى المجتمعية ومدى صلابته.

- مدى توافر القوة العسكرية لردع العدوان أو لمنعه.

- وضع القيادة السياسية وما تتمتع به من شخصية كارزماتية أو مقدرة على التجدد أو الشيخوخة وعلاقاتها بالنخب المختلفة في المجتمع.

القسم الثالث: اثر المتغيرات الدولية على مفهوم الأمن:

ويشمل هذا القسم موضوعين رئيسيين:

الأول: اثر المتغيرات الدولية على الأمن القومي العربي الذي تبلور في إطار جامعة الدول العربية منذ توقيع معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في العام 1950م التي أدت في مرحلة لاحقة إلى إنشاء المجلس الاقتصادي ثم تحول ليصبح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والتوصل إلى عدة اتفاقات للوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة وظل معظمها حبرا على ورق. وقد اعتمد هذا المفهوم من الأمن القومي على دعامتين: اقتصادية وعسكرية وكلاهما لم تحقق شيئا كبيرا وبقيت معظم القرارات من دون تنفيذ: حتى جاء غزو العراق للكويت العام 1990م وأعقبته تحرير الكويت فتقدمت مصر بمبادرة في إطار جامعة الدول العربية لإعادة صوغ مفهوم الأمن القومي العربي، وتم إعداد دراسة مفصلة ومناقشتها ثم وضعت على الرف مرة ثانية، إلى أن جاء الغزو الأميركي للعراق العام 2003 وظهرت عدة أسئلة أين الأمن القومي العربي وقد أغفل الذين طرحوا السؤال أن الدول العربية ذات السيادة لم تقم بما ينبغي أن تقوم به من أجل تحقيق المفهوم سواء بتنسيق الخطط العسكرية وتوحيد العقيدة القتالية والتدريبة العسكرية المشترك وبناء صناعة عسكرية، ولا هي قامت حتى بالجانب الاقتصادي المشترك وبناء صناعة عسكرية، ولا هي قامت حتى بالجانب الاقتصادي المرتبط بالأمن القومي. وهكذا ظل المفهوم أقرب للتمنيات منه للحقائق الملموسة.

وهذا لا ينفي استخدام المفهوم والمواثيق المرتبطة به من حين لآخر في بعض الأزمات ولكن ذلك كان نتيجة قرار سيادي للدول الأعضاء أكثر منه تطبيقا حقيقيا لعمل جماعي منسق على أساس مؤسسي كما هو الشأن مثلا في اتفاق حلف الأطلنطي أو غيره من التنظيمات العسكرية المتصلة بالأمن الإقليمي لدول معينة.

الثاني: طبيعة التفكير في موازين القوى وأثرها على الأمن الوطني. وهنا يهمنا الإشارة إلى تطوير وضع الأمن الدولي في العصر الحديث في أربع مراحل:

الأولى: أن الأمن الدولي في المفهوم التقليدي في أوروبا في القرنين 18 و19 قام على أساس توازن القوى الأوروبية. أي تعدد القوى والعمل على منع أية قوة من أن تحصل على مزايا أو تفوق يخل بهذا التوازن. وقد أخفق هذا المفهوم بقيام الحرب العالمية الأولى في العام 1914م.

الثانية: أن الأمن الدولي في عصر التنظيم الدولي سواء عصبة الأمم أو بعدها الأمم المتحدة قام المفهوم على أساس ردع العدوان. وقد أخفقت العصبة بعد غزو إيطاليا أثيوبيا وغزو اليابان كوريا ومنشوريا ثم التوسع الألماني في أوروبا واندلاع الحرب العالمية الثانية.

أما في عهد الأمم المتحدة قد قام الأمن الدولي على أساس اتفاق الدول دائمة العضوية وتوازن الرعب النووي. وقد حقق ذلك نجاحا في منع الحرب العالمية ولكنه أخفق في ثلاثة أمور:

1- منع نشوب الحرب الباردة والاستقطاب الدولي.

2- تجميد المشكلات الدولية التي أصبحت مزمنة نتيجة الاستقطاب الدولي مثل مشكلة فلسطين - كشمير - قبرص - جنوب افريقيا - ناميبيا - الكوريتين - الألمانيتين ونحو ذلك.

3- الإخفاق في حل المشكلات الاقتصادية (الديون - البيئة - التنمية) على رغم ما تشكله من خطورة بالغة على الأمن الدولي.

إلا أنه ساعد على ظهور نتائج إيجابية منها:

1- تحرير البلاد المستعمرة من خلال حركات التحرر الوطني ومساندة المعسكر الاشتراكي لها.

2- بلورة مفاهيم دولية جديدة مثل التعايش السلمي - عدم الانحياز.

3- إيجاد توازن دولي مما حال دون سحق الدول النامية التي لعبت دورها لحفظ التوازن والاستفادة منه.

الثالثة: مرحلة انتهاء الاستقطاب الدولي: وفي هذه المرحلة أمكن تحقيق الانفراج في بيئة الأمن الدولي والإقليمي وحل الكثير من المشكلات المزمنة مثل كمبوديا - نيكاراجوا - ناميبيا - جنوب افريقيا - الألمانيتين - سور برلين.

كما برزت للصدارة قضايا أمنية جديدة منها:

1- الصراعات الأثنية والعرقية في يوغسلافيا السابق وفي الاتحاد السوفياتي السابق.

2- قضايا حقوق الإنسان والتدخل الإنساني والقضايا الاجتماعية الأخرى وربطها بالأمن.

3- ذوبان الجليد في بعض المشكلات المزمنة مثل كوريا - الصراع العربي الإسرائيلي.

الرابعة: مرحلة الأحادية القطبية: وقد تعززت هذه المرحلة بصفة خاصة بعد الهجوم الإرهابي في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/ أيلول 2001م وتحول الولايات المتحدة إلى:

- سياسة الاستراتيجية الأمنية الجديدة ذات الطابع الهجومي.

- التركيز على قضايا الإرهاب الدولي.

- الحروب الأميركية ضد دول العالم الثالث وخصوصا الدول الإسلامية كما في أفغانستان ثم العراق بدعوى القضاء على أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 290 - الأحد 22 يونيو 2003م الموافق 21 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً