كتبت - قبل فترة - أن السياسة ابتلعت الثقافة، وأن الثانية خبت لمصلحة الأولى، في حين تفوقت السياسة، وأصبحت خبز العامة والخاصة... فتوارى من توارى، وخفت بريق زمرة لا بأس بها، وكان عبدالله جناحي نموذجا صالحا لاختبار هذا القول، فبعد أن سجل حضورا قويا في فترة من الفترات، وجدناه قد ترك الجمل بما حمل، واكتفى بكتابات ذات طابع سياسي ملتصقة بمجريات الحوادث، بعضها يكاد يكون ملاحقة لاهثة لحدث يومي عابر، أو وليدة هاجس لحظوي معين، أو بأخرى ذات طبيعة اقتصادية تبحث في مسألة دولة الرعاية الاجتماعية، والاقتصاد المركنتلي... مخلفا وراءه آثار وبصمات اقتربت بشكل أو بآخر من جماليات نصوص شعرية وسردية معينة.
وقبل أيام قليلة جدا تساءلت أين عبدالله، لاسيما وأنه كان دينامو أسرة الأدباء، وأحد محركيها، وصانعي الحدث فيها... وكان قد حقق ما لم يحققه غيره بحصوله على جائزة في النقد الأدبي، عن أول إصدار له في مسابقة أقيمت في الشارقة قبل سنوات قليلة... بما كان ينبئ بولادة مشروع ناقد، بعد أن اكتفت الساحة بما عندها... ولم يمض على سؤالي سوى سويعات وإذا بباكورة إصدارات جناحي بين يدي.. وبتصفح سريع لكتابه «لعبة الاختراق» حتى تداعت أطياف كثيرة، وذكريات أكثر... فقلت نعم هذا الكتاب الذي كان من المفترض أن يصدر قبل سنوات.
يقع الكتاب في خمسة فصول، وباستثناء الفصل الأول، فإن باقي الكتاب يبحث في جماليات بعض تجارب قاسم حداد ممثلة في دواوين: «القيامة» و«يمشي مخورا بالوعول» و«قبر قاسم» و«عزلة الملكات». أما الفصل الأول فقد قرأ فيه تجربة «مدائح» لأمين صالح، ولم يفوت قراءة تقاطعات صالح بحداد في غير سياق... وهذه تحية مبدئية نرسلها إلى جناحي، بهذه المناسبة على أن نعود إلى الكتاب بشكل مفصل في سياق آخر.
عبدالله جناحي - لعبة الاختراق
بيروت: دار الكنوز الأدبية، 2003 م، 171 صفحة