العدد 290 - الأحد 22 يونيو 2003م الموافق 21 ربيع الثاني 1424هـ

تجربة جيل التسعينات لا عدو لها وهي نتيجة خراب أيديولوجي

في ندوة أسرة الأدباء والكتاب

العدلية - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

نظمت اسرة الادباء والكتاب اخيرا ندوة بعنوان «جيل التسعينات في البحرين» حاضر فيها كل من: كمال الذيب وكريم رضي وعقب على ورقتيهما جعفر حسن وعلي الديري. وقد شهدت الندوة التي اجمع فيها المحاضران على انتفاء هوية هذا الجيل الشعري، حضورا متميزا لم نر له مثيلا منذ سنوات بعيدة جدا، وفيما يأتي أهم النقاط الأساسية التي حملها طرح الباحثين. يقول كمال الذيب: لعله من المفارقة القول ان حركة التجديد الشعري في البحرين لم يقدها جيل الثمانينات بل قادها جيل السبعينات الذي قدم نفسه مرة ثانية في تاريخ الادب المعاصر في البحرين بوصفه نموذجا للجيل الاصغر وهو امر نادر الحدوث ان يكون الجيل نفسه مرة رائدا للواقعية ومرة اخرى رائدا للحداثة الشعرية، ويعود ذلك إلى غياب الصراع بين جيل التأسيس والجيل الذي جاء بعده ما سمح للاول ان يعيد تأسيس مشروعه بل انه لايزال إلى اليوم قادرا على ان يقود ويعيد التأسيس وافضل مثال على ذلك قاسم حداد الذي يبـــدو الـــيوم من اكــــثر الشعــــراء ارتبـــاطا بالحـــداثة الشـــعرية والقـــدرة على التجديد.

وحدد الذيب ابرز الملامح الاساسية للجيل التسعيني في جملة نقاط على النحو الآتي:

- ان من اهم الملامح الاساسية للتجربة الشعرية الجديدة تمحور الذات الشاعرة حول نفسها وتلاشي فضاء الجماعة، وهي مع ذلك ليست شذوذا او خروجا عن ماهية الشعر، وانما هي استجابة من نوع ما للزمن، ولأننا في زمن لا ينشغل فيه الانسان الا بذاته اصبحت القصيدة الجديدة غير معنية الا بذاتها تعمل على توليد منطقها الخاص بمعزل عن الآخر ومعاييره، وهي لذلك وحيدة ولكنها مستعدة لوحدتها، وهي نائية بذاتها لكنها مع ذلك حاضرة، لانها رد فعل غامض، مضربة احيانا عن ايقاع العصر وتحولاته، وهذا الامر كثيرا ما يوقعها في شرك كثافة ازمنتها وسرعة الحركة والارتجال في لغتها المباغتة.

- القصيدة الجديدة في البحرين شأنها شأن مثيلاتها في غالبية البلاد العربية تحولت من نبرة عالية إلى نبرات خافتة وخفيفة. وعملت على تحويل ما هو ذهني ولغوي إلى هو مادي ملموس وعلى تحويل ما هو يومي ومألوف وعادي وهامشي ومهمل إلى قيم شعرية جديدة تؤكد ايقاعها الفردي والخاص دونما اعتماد ايديولوجي مباشر وملموس ودونما ارتباط مباشر ومعلن بالتراثي من القيم المضمونية او الجمالية الا في نطاق ضيق وفي تجارب محدودة يتبرأ منها اصحابها عند اكتشافهم مخاتلاتها.

- الا ان استنتاجا من هذا القبيل، على رغم ما فيه من اغراء، لا يصمد بالضرورة امام تجربة مثل تجربة حسين السماهيجي على سبيل المثال التي تتحول فيها اللغة الذهنية في بعض الاحيان إلى نوع من الخلاص من تكدس المحسوس بالقفز فوق اليومي والمألوف والهامشي كملاذ من نوع ما للقصيدة، إذ قد يكون الجوهري والروحي احيانا كثيرة اكثر تحليقا بها في فضاء الشعرية.

ويفضي هكذا تنوع إلى صعوبة بالغة في التعميم واستخلاص ما هو جماعي الا في بعض الاطر الشكلية او في مجرد الانتماء والمجاورة الزمنية، ما يؤكد الحاجة إلى نوع من النقد الذي يهتم بالتجارب واحدة واحدة قبل انجاز اي محاولة استخلاصية تعميمية، وهذا ما يفسر مأزق هذه الورقة الذي نعترف به.

- القصيدة الجديدة ايضا لا تقيم شرعيتها على مبدأ النفي والاقصاء والتعالي، وانما على مبدأ التجاور والتبادل والحوار، نرى ذلك جليا في تجارب حسين السماهيجي وكريم رضي بشكل اساسي، ولكن تجربتي علي الستراوي ومحمد الحلواجي تكادان تلتصقان بالافق النثري ايقاعيا، في حين تكاد تجربة الشاعر الشاب الواعد علي الجلاوي ترتبط بالنمط والتفعيلي.

وعليه فليست القصيدة النثرية افقا وحيدا للشعر، فكل الانماط خيارات غير مغلقة يتحرك بينها الشاعر وجميعها قابلة للاحتواء والتطوير والتضمين.

- ان المظهر الآخر اللافت في هذه التجارب هو الاهتمام المكثف باللغة وجمالياتها على حساب بنية المضمون، حتى لكأن لعبة اللغة تتحول إلى هدف في ذاتها.

- واذا كانت التجارب الشعرية الاولى في السبعينات قد اتسمت في كثير من الاحيان بنوع من النمطية المؤسسة على الانطلاق من ايديولوجيا مؤطرة، فإن غالبية التجارب الشعرية الجديدة التي تحاول اليوم تجاوز نمطية الكتابة المبنية على ذلك الاساس تكاد تقع هي ايضا في نوع آخر من النمطية يمكن ان نطلق عليه نمطية الفراغ. فاذا كانت التجارب الاولى تعبد نوعا من الامل، فإن غالبية التجارب الجديدة - تعبد على ما يبدو - نوعا من الوهم او تلتصق بجسم هلامي يستعصي على اي نوع من التحليل النقدي المدرسي.

- ولعل التنميط الذي وقعت فيه اكثر القصائد التي تزين المشهد الشعري الجديد اليوم هو انها لم تع بعد لحظتها الزمنية ولحظتها اللغوية بالشكل الذي يخلق لها كيانها الخاص بها وهويتها المضمونية والجمالية المتميزة والتي تسهل على الناقد تصنيفها او مقاربتها على نحو سهل. إن الكتابة الشعرية البحرينية التي انتقلت في السبعينات من تمجيد الايديولوجيا، إلى فضح بؤسها ومن الاتباعية التقليدية والرومانسية الغنائية إلى الحداثة الشعرية بكل معانيها ومكوناتها الاساسية، لم تستطع مع الجيل الجديد ان تخلق كيانها الخاص ورؤيتها المتميزة.

الا اننا، مع ذلك نجد اليوم عددا من الكتاب الفاعلين الذين يحاولون بناء نوع من التمايز عن الجيل السابق على صعيد الرؤية واللغة معا من امثال حسين السماهيجي وكريم رضي وان كان مقلا ومحمد الحلواجي حتى منتصف التسعينات كما اعتقد.

- ومع هذا فإن الحركة التي يقودها بعض الشباب اليوم من امثال حسين السماهيجي، وكريم رضي، وعلي الستراوي، وزهرة المذبوح، وفاطمة التيون، ونبيلة زباري وجعفر حسن وعلي الجلاوي وغيرهم مازالت لا تشكل إلى حد الآن في نظري اضافة نوعية جديدة من حيث التمايز عن الرعيل الاول، لا من حيث الرؤية ولا من حيث اللغة ولا من حيث القدرة على التجدد، ولاتزال اكثر التجارب الشبابية، مع استثناءات قليلة، لا تشكل الا تنويعا من حيث اللغة والشكل والايقاع عن كتابات قاسم حداد على سبيل المثال، ولم تهجس الحركة الجديدة بعد بتجديدها الخاص والنوعي غير المسبوق ولا برؤيتها الخاصة التي تتقاطع مع ما تقدم.

وانطلق كريم رضي في ورقته من تحديد اجرائي لهذا الجيل ذاكرا أنه الجيل الذي ولد في العقد الستيني من القرن العشرين، وانتظم قليلا او كثيرا في ملتقى الشباب التسعيني بأسرة الادباء، ثم في المنازل التسعينية بعد انحلال الملتقى في الاسرة غداة حرب الكويت.

وشارك في تحرير صفحة الايام الثقافية الشبابية في مطلع التسعينات او في حقيبة الادب التي كان يصدرها علوي الهاشمي في البحرين الثقافية.

وبدأ ينشر نتاجاته كتبا او صحافة في نهاية الثمانينات فبداية التسعينات. من لم يكن متوفرا على بعض هذه الصفات او كلها فليس معنيا بما اسميه تجاوزا جيل التسعينات.

فهم اذن ومرة أخرى اقول من دون تقييم بل بالجمع العشوائي:

كريم رضي، ليلى السيد، زهرة المدبوح، حسين السماهيجي، علي الستراوي، بروين حبيب، فاطمة التيتون، محمد الحلواجي، نبيلة زباري، نعيمة السماك.

وقال رضي في ورقته: أقف في وجه اصدقائي وصديقاتي الذين معهم درجت في مقتبل العمر ومقتبل القصيدة.

هم الذين ينتظرون مني الليلة كلمة حق وأي حق،

كلمة مساندة في وجه الجيل السبعيني العتيد الذي وطد الحداثة واسس اركانها

الجيل الذي مازال لا يرى في سواه وجها للحداثة الكاملة النقية البيضاء التي لا تشوبها شائبة

الحداثة التي هي الصراط المستقيم الذي يفصل الذين أنعم الرب عليهم والضالين، أهكذا اخذلكم يا اخوان عنترة؟

كنت قد سميتكم هكذا ذات هرطقة سرية

اخوان عنترة لأنه كان ينال قدرا أكبر من الازدراء وانكار البنوة كلما امعن في الدفاع عن ابيه وقبليته

وكنتم تنالون المزيد من التجاهل والتهميش كلما قلتم اننا ندين بجزء من تجربتنا الابداعية للجيل السبعيني

كنتم تزدادون افتخارا بالقبيلة السبعينية فتزداد القبيلة لكم طردا من حمى الحداثة ومما حول الحمى

لستم حداثيين مهما كتبتم بالتفعيلة او حتى بالنثر

لستم حداثيين بل ما قبل حداثيين انتم الذين تدعون انكم ما بعد حداثيين

لستم حداثيين

وفي احسن الاحوال انتم تعانون من شرخ في التجربة بين الحداثة وما قبلها

هكذا قالوا

هكذا يقولون

هكذا سيقولون

لهذا انتم ايها الاصدقاء والصديقات تنتظرون الليلة مني كلمة حق ورأفة

كلمة رفق ورفقة

ولكن

اهكذا اخذلكم ايها الاصدقاء والصديقات؟

أهذا جزاء الصحبة والرفقة في ملتقى الشباب التسعيني

أهكذا أقف أمامكن ولتسامحني السماء

مرددا مع جورج اورويل اعترافه القاتم:

«تحت شجرة الصفصات انا خنتك وانت خنتني»

الخيانة اذن

هيا اليها وليكن ما يكون

لتنهر يا معبد الثقة والآمال العريضة حجرا بعد آخر على رؤوسنا الفارغة

حجر يسقط وانا اضحك

آخر يسقط وانا اضحك

آخر

يسقط وانا اضحك

اضحك

نضحك

معا نضحك حتى الموت ضحكا

وانا اردد مع ملاك الظلمات في صحراء العدم بيان الدادائيين عشية العقد الثاني من القرن الماضي:

«ما من رسامين ولا من شعراء، ما من موسيقيين ولا من حفارين، ولا من جمهوريين ولا من امبرياليين، ولا من فوضويين ولا من اشتراكيين، ولا من بلاشفة ولا من سياسيين، ولا من بروليتاريين ولا من ديمقراطيين، ولا من بورجوازيين ولا من جيوش، ولا من أمن عام ولا من أوطان، كفى هذه السخافات والحماقات، لم يبق شيء، لم يبق شيء، شيء... شيء، ولا شيء».

لقد اخطأتم في توقعاتكم ايها الاصدقاء الألداء

ويواصل رضي:

هل قلت الجيل

الذي بالكاد يساوي كل ما انتجه من ناحية الكم - دعك من الكيف الآن - ما انتجه شاعر واحد مثل الشرقاوي او قاسم حداد.

الجيل الذي لا رؤية له

دعك من الرؤيا الآن

أمني تطلبون المساندة؟

انا الذي وقفت منذ اللحظة التسعينية الاولى وهتفت: ان لهذه التجربة معضلة كبرى

انها تجرية لا عدو لها

مازلت متمسكا بهذه النبوءة

تجربة لم تدمر احدا

لم تعصف بكوكب

ولم تحرث ارضا بكرا

الغريب انها جاءت في منعطف سحيق

كان خليقا بخلق تجربة مدمرة وم





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً