لا تثير الأفلام العربية عادة أي حماس لدى مرتادي دور السينما ولا تفتح شهيتهم على الاطلاق. والسبب في ذلك يعود أساسا الى تفاهة اطروحاتها والتكلف الشديد في ايصال أفكارها الى المشاهد، ولذلك يصبح الاقبال عليها ضعيفا في مقابل التهافت على أفلام هوليوود.
ويزداد الأمر سوءا حين تكون قصة الفيلم رومانسية اذ من المتعارف عليه ان الأفلام العربية والمصرية منها خصوصا ، تنقل إلينا صورة مملة ومتكلفة وبعيدة نوعا ما عن عاداتنا الخليجية المحافظة على مستوى العلاقات والمشاعر وعلى مستوى الحب والرومانسية، لكن الرغبة في الاطلاع على نتاجات فنية مختلفة عن نتاجات هوليوود قد تدفع البعض الى اللجوء الى أحد البدائل القليلة المتوافرة في دور السينما لدينا ألا وهي الأفلام المصرية. ثم يواجه هذا المشاهد اليائس صعوبة اخرى في الاختيار بين ما هو متوافر من هذه البدائل فتراه تارة يلجأ الى اسم بطل محبب اليه او يركز على اسم المخرج او ربما اسم الفيلم، والمشاهد في كل ذلك يبحث يائسا عما يحترم عقليته ومثله ووقته الذي يقضيه امام الشاشة. فيلم «قلب جريء» لن يكون بالتأكيد أحد خيارات مشاهد يركز في بحثه على اسم ممثل او مخرج او عنوان فيلم فالممثلون جميعهم ليسوا من الصف الأول وكذلك المخرج. اما عنوان الفيلم فهو يعطي المشاهد ايحاء بفيلم وطني على غرار «رأفت الهجان» او فيلم جريء أخلاقيا، وكلاهما لا يتعطش لهما المشاهد لكثرة العروض، ولكي لا أبخس الفيلم حقه سأنقل اليكم مشاهداتي وانطباعاتي تاركة لكم الحكم الأخير.
الفيلم يحوي على رأس قائمة أبطاله مصطفى قمر وياسمين عبد العزيز وحسن حسني، مصطفى: مغن يحب البعض اسلوبه في الغناء لكنه فشل في أول عمل سينمائي ظهر فيه مع أحمد زكي وهو فيلم «البطل»، أما ياسمين فهي الفتاة الشقية «الدلوعة»، وللانصاف، خفيفة الدم، شاهدناها في عدد من المسلسلات التي أدت فيها أدوارا ثانوية، اما حسن حسني فهو ممثل قدير سينمائيا وتلفزيونيا لسنا بحاجة إلى استعراض قدراته، وقد ذكرت اسمه بعد اسم مصطفى وياسمين اعتمادا على أهمية دوره في الفيلم.
يبدأ الفيلم بمشهد نرى فيه «الدكتور» جمال (مصطفى قمر)، العالم المصري الذي اكتشف علاجا لمرض الجمرة الخبيثة، والذي تطارده عصابات مختلفة رغبة منها في شراء اكتشافه، لكن «الدكتور» الذي يمتلئ شجاعة ووطنية وحبا لمصر يرفض كل محاولات الترهيب والترغيب، الأمر الذي يعرضه لتهديدات كثيرة. ونتابع بلهفة وتوتر ما يحدث لـ «الدكتور» جمال في الدقائق الأولى من الفيلم التي كانت مثيرة فعلا بفضل براعة المخرج (غير المبتكرة) وتمكن مصطفى قمر من اداء الدور بشكل رائع، وان كان الأمر لا يخلو من بعض الأخطاء الفنية والتي يتعلق معظمها بالنص، ، لكن الناتج هو توافر مشهد مثير يشد أعصاب المشاهد ويجعله قلقا على مصير الدكتور جمال.
تنتهي الدقائق الأولى لننتقل الى عالم مختلف تماما فمن احدى الدول الأوربية (اعتقد انها اليونان) نعود الى مصر لنرى رامي (مصطفى قمر) وهو شاب عابث ومستهتر يكسب رزقه من عمليات النصب والاحتيال، ويعيش مع صديقه (أحمد عيد) الذي يحاول عبثا دخول عالم التمثيل لكن الحظ لا يسعفه. ننتقل بعد ذلك الى عائلة الدكتور جمال التي تتكون من والده (حسن حسني) دكتور في الاقتصاد ومالك شركات كبرى وابنة عمه (ياسمين) التي تعمل مع عمها في ادارة شركاته، ونرى الأب وابنة العم يواجهان مشكلات قد تؤدي الى انهيار الشركات، يتوقف حلها على ظهور الدكتور جمال الذي اختفى بعد المشهد الأول من الفيلم، تصل العائلة الى رامي وتطلب منه تقمص شخصية الدكتور جمال. يوافق رامي ويؤدي دوره بإتقان ما يؤدي إلى حل جميع مشكلات العائلة، كما تنشأ بينه وبين ياسمين علاقة حب لينتهي الفيلم أخيرا باعلان وفاة الدكتور جمال وبقاء مصطفى وياسمين معا.
سيناريو الفيلم ضعيف وباهت ومكرر، فالفيلم لا يقدم اي جديد على مستوى الفكرة بل هو تجميع لأفكار من عدة أفلام قديمة وحديثة، يعود بنا الى الأفكار التافهة في سينما الخمسينات كالتشابه التام بين الدكتور جمال ورامي وقدرة رامي النصاب على تقمص دور عالم مصري كبير معروف عالميا ورجل أعمال مستقيم وناجح، هذا عدا عن المبالغة في استعراض حياة رامي ومغامراته وعبثه.
اما على مستوى الاخراج فقد قدم محمد النجار عملا لا بأس به بل ونستطيع وصفه بالمتقن في بعض المشاهد الا ان ناتجه لم يتناسب مع طموحات المخرج، فالواضح انه كان يريد انتاج فيلم على غرار أفلام هوليوود مستخدما الكثير من تقنيات التصوير اللازمة لذلك لكن الناتج هو فيلم هندي بمعنى الكلمة، ولا أقول ذلك استهجانا بالأفلام الهندية إذ ان الكثير منها يعالج قضايا ذات أهمية للمجتمع الهندي على الأقل.
لكن أفضل ما جاء في الفيلم هو اداء الممثلين الذين تمكن معظمهم من تقمص أدوارهم بشكل جيد الى حد ما، فمصطفى قمر كان ممتازا في ادائه دور الدكتور جمال ورائعا حين أدى شخصية رامي (بكل نقاط ضعفها) وان كان قد أخفق في ايصال بعض الانفعالات وخصوصا حين يتعلق الأمر بمشاعر الأبوة وحنانها لكنه عموما كان جيدا. أما ياسمين فقد كانت مفاجأة، فقد ظهرت بشكل مختلف تماما عما ألفه المشاهد فليست هي الفتاة المراهقة الشقية لكنها هنا فتاة ناضجة قوية الشخصية استطاعت ان تنقل إلينا قوتها ونضجها من خلال نظرات عينيها التي أحسست بتغير كبير فيها، ربما لتميز هذه الممثلة الشابة وقدراتها التي لم تكتشف بعد ما يجعلها قادرة على التحكم في جميع عضلات وجهها وعينيها لتتقن الدور وربما لتغير طرأ على ياسمين نفسها التي كانت متزوجة وتحمل طفلها أثناء تصوير الفيلم، عموما كانت مدهشة ورائعة الا في بعض المشاهد التي لا تلام فيها بل يعود السبب الى ضعف نص كاتب السيناريو «أحمد البيه».
ومن عوامل قوة الفيلم الأخرى موسيقى «محمد نوح» التصويرية التي صاحبت المشاهد والتي جاءت متناسبة مع كل مشهد لتنقل الينا مشاعر الأبطال وانفعالاتهم ولتأخذنا الى عالم الفيلم وحوادثه.
على رغم كل نواقص الفيلم فإنه نجح في تقديم ثلاثة وجوه واعدة للسينما المصرية، هي: مصطفى قمر وياسمين عبد العزيز وأحمد عيد الذي أدى دور صديق رامي والذي تألق كممثل كوميدي أضحكنا جميعا بخفة ظله غير المتكلفة والتي تعود بنا الى ايام زمان إذ الفكاهة «على أصولها».
لن تشعروا بالندم بعد مشاهدتكم الفيلم. فهو فيلم لا بأس به على رغم كل نواقصه ومحاولة لم تنجح هذه المرة لكنها ستنجح يوما حين يدرك المخرجون المصريون انهم ليسوا بحاجة لرداء هوليوود للوصول الى قمة النجاح فلديهم من الامكانات التمثيلية على الأقل ما يكفي لتحقيق هذا الأمر
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ