العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ

إيران... والهجوم الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا تريد واشنطن بالضبط من طهران؟ هناك «مروحة» من المطالب تدور على نفسها إلا أن هناك في النهاية نقطة ارتكاز واحدة لابد أنها تشكل أساسا للمشكلة بين البلدين.

تقول واشنطن انها تريد رقابة دولية على البرنامج النووي الإيراني بذريعة أن طهران تخطط «سرا» لانتاج سلاح الدمار الشامل في فترة عقد من الزمن. إيران تنفي التهمة وتؤكد أن برنامجها هو لانتاج الطاقة السلمية وهو يلبي حاجتها للطاقة البديلة عن النفط والغاز.

هذه هي نقطة الارتكاز التي تستند إليها واشنطن للهجوم الدولي على طهران مستخدمة نفوذها في «وكالة الطاقة الدولية» للتشهير بإيران وإثارة الرأي ضدها من خلال ضغوطها أو علاقاتها الخاصة مع الاتحادين الأوروبي والروسي. حتى روسيا وفرنسا بادرتا إلى مطالبة طهران بالانصياع لمطالبة وكالة الطاقة إيران بضرورة توقيع البروتوكول الإضافي الذي يسمح لفرق التفتيش بشن غارات أو زيارات غير متفق عليها لمؤسسات الطاقة التي تشرف عليها الوكالة نفسها بالاتفاق مع موسكو.

هذه الحملة الأميركية (الدولية الآن) بدأت تأخذ أبعادها السياسية والاقتصادية، وهناك جملة من التهديدات من الاتحاد الأوروبي إضافة إلى مجلس الأمن باتخاذ إجراءات صارمة (مقاطعة وحصار وقطع علاقات) في حال لم تستجب طهران للضغوط وشروط وكالة الطاقة ومطالبها الجديدة.

هل هذا هو موضوع الخلاف أم أن مسألة التفتيش (كما حصل مع العراق) مجرد ذريعة لبرنامج سياسي آخر يبدأ بالبحث عن «أسلحة دمار» وينتهي بالحصار والمقاطعة وأخيرا بشن حرب تؤدي إلى تدمير البلاد بذريعة ليست بالضرورة أن تكون صحيحة. والسؤال: هل تريد الولايات المتحدة تدمير إيران أم تدمير برنامجها النووي؟

بين المسألتين يصعب تقدير الموقف الأميركي. فالأمر حصل في العراق ويمكن تكراره في إيران وفي أي بلد آخر مادامت القوة الموازية دوليا للولايات المتحدة غير موجودة... وإذا وجدت فإنها تحتاج إلى الارادة السياسية في المواجهة. وهذه غير متوافرة حتى الآن لا في الصين ولا في روسيا وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي لايزال في وضع النمو والتطور ولم يصل بعد إلى مرتبة «الاتحاد» فعلا.

الإدارة الأميركية في وضع صعب وهي في صراع مع الوقت لأن الانتخابات الرئاسية اقترب موعدها وتريد أن تنهي أكبر قدر من برنامجها الهجومي الذي أعلنت عنه بعد وصول الحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض وبدأت تنفيذه عمليا بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وبسبب عامل الوقت وضغوط الحاجات المحلية على السياسة الدولية تلجأ الإدارة إلى الاسراع في استغلال «الفراغ الدولي» والاستفادة من احتلالها لدولة العراق والسيطرة على أراضيه وحدوده للانطلاق مجددا نحو خطوة ترى فيها مجرد استتباع لتلك الخطوة التي نجحت فيها بأقل الخسائر وعلى رغم أنف الأمم المتحدة ودول العالم.

أميركا إذا في عجلة من أمرها وهي تعمل على ممارسة سلسلة ضغوط دفعة واحدة في العراق (ضد المقاومة) وفي دول الجوار (إيران وسورية وأحيانا السعودية وتركيا) وكذلك في فلسطين (القضاء على حماس شرطا للسلام وفق خريطة الطريق).

وبسبب اسراع واشنطن في خطواتها نجد تداخل مطالبها واختلاط أهدافها. فهل هي مثلا تريد فعلا رقابة دولية على البرنامج النووي الإيراني أم تتخذ المسألة ذريعة لتدمير ذلك البرنامج بضربات صاروخية وجوية خاطفة.

وفي حال وافقت إيران ووقعت البروتوكول الإضافي للاتفاق مع وكالة الطاقة الدولية هل تكتفي واشنطن بهذا القدر من الأرباح أم أنها ستواصل ضغوطها على طهران لكسب المزيد من النقاط في برنامجها الهجومي.

موسكو وباريس نصحتا طهران توقيع البروتوكول الإضافي حتى لا تستفز واشنطن وتتذرع بالمسألة لاتخاذها نقطة اصطدام تشن بسببها هجومها على المؤسسات الإيرانية الاقتصادية والمدنية تحت شعار أنها ربما تكون مختبرات ومراكز انتاج للطاقة النووية الحربية.

نصائح موسكو وباريس قد تكون سليمة لتدارك الخطر الأكبر، ولكن ما الضمانات التي تستطيع روسيا وفرنسا تقديمها لإيران في حال وافقت على توقيع البروتوكول الإضافي. وهل باستطاعة العاصمتين الروسية والفرنسية إعطاء ضمانات لطهران بأن التوقيع هو نهاية الجولة وليس خطوة أولى لجولات جديدة وتوقيعات جديدة. ألم يتكرر الأمر نفسه مع العراق واستجاب النظام مرارا لنصائح موسكو وباريس، وحين جاء الجد لم تتحركا لوقف الهجوم التدميري الشامل؟

المشكلة الآن أن صدقية روسيا وفرنسا باتت على محك التجربة الدولية. وتلك الصدقية بحاجة الآن إلى الترميم بعد الذي حصل في حرب أميركا على العراق.

هناك مشكلة في صدقية روسيا وفرنسا مضافا إليها عدم وضوح جدول أعمال الإدارة الأميركية في الشئون المتعلقة بإيران. فهل تريد واشنطن وقف برنامج طهران النووي أم مراقبته أم تدميره؟ أم أن واشنطن تريد من وراء فتح هذا الملف الوصول إلى ملفات سياسية أخرى تبدأ بمنع طهران من التدخل في ترتيب مستقبل الدولة في العراق، ووقف دعمها المعنوي لحزب الله في جنوب لبنان، وقطع علاقاتها مع المنظمات الفلسطينية، ودفعها إلى الموافقة على «خريطة الطريق» وعدم تعطيل المشروع السلمي الذي تريده أميركا في المنطقة وفق التصور الإسرائيلي وبحراسة جيوشها في المنطقة والعراق.

السؤال فعلا ماذا تريد واشنطن بالضبط من طهران؟ وهل ملف البرنامج النووي هو نهاية المطاف أم بداية طوفان المطالب التي تنطلق من الأشياء الصغيرة لتنتهي في مشروع كبير أقله ذلك التأييد العلني الذي أبداه الرئيس جورج بوش للمظاهرات الطالبية معتبرا إياها بداية التغيير.

المسألة فعلا ضائعة وحتى الآن لا يمكن حصر الضغوط الأميركية ومطالب واشنطن في نقطة ارتكاز واحدة إلا أن الواضح من مجموعة «مروحة» المطالب أن أهداف إدارة البيت الأبيض واسعة النطاق وتتجاوز حدود توقيع طهران البروتوكول الإضافي الذي طالبت به وكالة الطاقة الدولية. الملف كبير وخطورته أنه بدأ من النقطة نفسها التي تذرعت بها واشنطن لضرب بغداد. والأخطر من ذلك أن اعتراضات «دول الضد» وتحديدا فرنسا وألمانيا وروسيا حتى الآن أسوأ مما كانت عليه حين بدأت واشنطن تحضير أسلحتها لمحاربة العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً