وهكذا توجهت يوم أمس إلى وزارة العدل بالمنطقة الدبلوماسية بحسب الوقت الذي حددته الإحضارية التي بعثتها النيابة العامة لي بتهمة ارتكاب «جريمة» نشر خبر إطلاق سراح ثلاثة من المتهمين في قضية الخلية في 26 مارس/آذار الماضي. وأثناء توجهي إلى المنامة اتصلت لأتأكد من موعد انعقاد الجلسة، إذ أشارت الاحضارية إلى الساعة الثامنة صباحا. ولكن تبين لاحقا أن الساعة الثامنة تذكر في جميع الاحضاريات من دون قصد ومن دون تخطيط للوقت. فالمحاكم لا تبدأ إلا بعد الساعة العاشرة صباحا، وهذا فعلا ما حدث بعد ان وصلت إلى وزارة العدل والتقيت عددا من الذين تضامنوا مع «الوسط» دفاعا عن حرية التعبير في البحرين... وانتظرنا حتى الساعة العاشرة والثلث إذ اكتمل أعضاء المحكمة...
المفاجأة الأخرى أن المحكمة نادت باسمي واسم الزميل حسين خلف أيضا على رغم أنه لم يتسلم إحضارية تطلب منه المثول أمام المحكمة، وكان موجودا مع الآخرين الذين حضروا المحاكمة كمشاهدين...
المحامي لم يطلع على أية ورقة في ملف الدعوى، فطلب الوقت لذلك، فاقترحت المحكمة تأجيل القضية يومين، إلا أن المحامي طلب المزيد فتم تأجيل المحاكمة حتى 1 يوليو/تموز...
الذين حضروا إلى المحكمة للتضامن مع حرية التعبير عبروا عن ذلك بوسائل حضارية معتبرين أي تراجع عن الحريات العامة تحت أي عنوان ستكون له سلبيات على الحركة الإصلاحية التي يأمل الجميع أن تتوسع لا أن يضيق أفقها تحت عناوين ومسميات مختلفة.
أكثر من ساعتين من الانتظار لم تذهب سدى، فبعض الذين حضروا إلى المحكمة كانوا قد قضوا سنوات طويلة من حياتهم في السجن بعد ان حكمت عليهم محاكم أمن الدولة في الثمانينات والتسعينات. الاختلاف كبير بين الماضي والحاضر، بحسب ما قاله أحدهم... «فعندما كانوا يأتون بنا إلى المحكمة كانوا يدخلوننا باستخدام سلم ضيق وثم مدخل خلفي للمحكمة ويحيط بنا رجال الأمن والتحقيق من كل جانب ويهددوننا بأننا إذا تحدثنا بأي شيء في عما تم الاعتراف به تحت التهديد فسيعيدوننا إلى الزنزانات ويعاودون ما كانوا يقومون به»...
صحافيون ومحامون وسجناء ضمير سابقون ومهجرون سابقون ومواطنون آخرون حضروا جلسة يوم أمس ليس لمناصرة هذا الشخص أو ذاك، و لكنهم حضروا لمناصرة أنفسهم وقضاياهم التي دافعت عنها «الوسط». فصحيفة «الوسط» تأسست على أساس وطني شامل بدليل أن القضية المرفوعة ضدها تتعلق بشأن بعيد كل البعد عن الوصف الذي حاول البعض ترويجه.
سألني أحد الحاضرين: هل كنت تتوقع ما يحصل لك عندما قررت العودة إلى البحرين؟ وجوابي على هذا السؤال هو انني حددت بوضوح لنفسي ما أردت من عودتي إلى البحرين. كنت أتحدث باسم المعارضة في لندن ودافعت طوال حياتي عن قضايا الشعب، كل الشعب، وعدت بعد أن حددت دور مستقبلي... وهذا الدور هو الصحافة الحرة النزيهة. وقد كان بإمكاني أن أتخذ خيارات أسهل من الدور الذي ألعبه حاليا. فالبعض يود رؤيتي كما كنت، والبعض يحاول تفسير هذا الأمر أو ذاك بصورة شبه أكاديمية مانحا لنفسه مستوى عاليا من «النقاء» السياسي الذي لم يتلوث.
كان بإمكاني ان أتخذ هذا الموقف الأسهل، وكان أيضا بإمكاني أن أتخذ موقفا سهلا مشابها - على الطرف النقيض للموقف شبه - الأكاديمي...
عند عودتي إلى البحرين لم أضع لنفسي برنامجا يحتوي على لونين فقط، إما أبيض أو أسود، وإنما عدت ببرنامج يحتوي على ألوان متعددة... وسبب دخولي عالم الصحافة هو انني اعتقدت أن السياسة بحاجة إلى أكسجين نظيف، وأكسجين السياسة هو الصحافة... وهذا التعبير ليس تعبيريا وإنما مقولة رددها كثير من السياسيين الذين يعلمون الترابط بين المجالين. كما أن دخولي عالم الصحافة يحتاج إلى شروط تختلف عن الشروط التي تفرض على من يدخل العمل السياسي بشقيه المعارض أو الحكومي. وقد اخترت طريقي الذي آمنت بأنه سيوصلني إلى ما أسعى إليه، وهو خدمة قضايا شعب البحرين العادلة والمساهمة بشكل عملي غير أكاديمي في حركة الإصلاح السياسي.
لم أكن أتوقع أمورا كثيرة، وهذا أمر طبيعي، فلا يستطيع إلا المنظرون البعيدون عن الواقع ادعاء معرفتهم بكل شيء من ألفه إلى يائه، أما الذين يدخلون في مشروعات مباشرة مؤمنين بدورها في تحقيق جزء من أهدافهم الإصلاحية فإنهم يتوقعون كثيرا من المفاجآت على الطريق.
ومهما حصل أو سيحصل فإنني أشعر بارتياح لأنني كنت واضحا مع نفسي ومع غيري منذ بداية عودتي إلى البحرين، ولم أكن بعيدا عن التنظيرات المختلفة، التي يؤمن بها البعض، والتي احتار بها آخرون لا يعرفون كيف المخرج... ولذلك فإن جوابي إلى من سألني إن كنت أتوقع هذا أو ذاك هو إنني اخترت بنفسي النهج الذي اقتنعت بأنه يوصلني إلى مرضاة ربي وخدمة شعبي وأعلنته ومضيت سائرا فيه... «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» (الطلاق،3)
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ