العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ

أسئلة مشروعة تثيرها اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين البحرين وأميركا

من المستفيد الأكبر منها

المنامة - عبيدلي العبيدلي 

21 يونيو 2003

كشف وزير المالية والاقتصاد الوطني عبدالله حسن سيف بحضور الممثل التجاري الأميركي روبرت زوليك أن التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة الأميركية سيتم خلال العام 2004، مشيرا إلى أنه سيتم الانتهاء من كافة الانظمة المتعلقة بهذه الاتفاقية في موعد اقصاه نهاية العام الجاري.

وجاء في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير المالية والممثل التجاري الأميركي الكثير من البيانات والوعود بالمردود المالي والاقتصادي الذي ستتمخض عنه الاتفاقية. إذ ورد فيما قاله الممثل التجاري الأميركي «إن الاتفاقية ستعزز مكانة البحرين الاقتصادية من خلال فتح الأسواق الاميركية أمام الصادرات البحرينية، مما سيؤدي جذب استثمارات من الولايات المتحدة ودول أخرى إلى البحرين».

من جانب آخر أشار الوزير عبدالله سيف إلى «أن الاتفاقية تشتمل على قطاع الخدمات المتسم بالتنويع والتشابك والتعدد في أنظمته». فالسؤال الذي يتبادر إلى أذهان القطاع الخاص الذي نفترض أنه سيكون المستفيد الأول والأكبر من مثل هذه الاتفاقية، هو كيف ستتعزز مكانة البحرين الاقتصادية؟ وأي قطاع خدمات بحريني ستخاطبه هذه الاتفاقية؟ وإذا افترضنا جدلا أنه - أي هذا القطاع - واضح ومحدد في هذه الاتفاقية، فما مدى استعداده وأهليته للاستفادة القصوى منها؟ يحضرنا هنا من بين فروع قطاع الخدمات وهي كثيرة: الإتصالات والسياحة.

وقبل تناول مدى دقة ما ورد حول أي عنصر من عناصر ذلك المردود، لابد من التأكيد على أن المقصود من وراء توقيع هذه الاتفاقية والحملة الإعلامية التي صاحبتها هدف سياسي، فلابد من القول ان هذا قد تحقق، بمعنى أن البحرين استفادت من هذا الاتفاق الذي يعبر، سياسيا، عن حرص الولايات المتحدة على تمييز العلاقات الخارجية بينها وبين مملكة البحرين. ولعل ذلك حصاد جهود مكثفة بذلتها الخارجية البحرينية خلال السنوات العشر الماضية من أجل تمييز علاقاتها مع الولايات المتحدة. فالبحرين لاتملك النفط السعودي أو الكويتي أو الأماراتي أو الغاز القطري، ولا الموقع الاستراتيجي العماني. من هنا لابد أن تكون هناك مثل تلك الجهود كي تحصل البحرين عل ما حصلت عليه من الولايات المتحدة.

ما يلفت النظر في هذه الاتفاقية ما جاء في البيان الصحافي الذي وزعته السفارة الأميركية خلال المؤتمر الصحافي والذي جاء فيه «... بالاضافة إلى أن هذه الاتفاقية ستخلق فرص عمل للمزارعين والعمال الأميركيين... أما البضائع الأميركية فستستفيد من اتفاقية منطقة التجارة الحرة فتشمل اللحوم الأميركية والفواكه والخضروات والحبوب ومنتجات الألبان».

إذا كان ما ورد في التصريح ونقلته الصحافة المحلية دقيقا، فمن الطبيعي أن يتوقع قطاع الأغذية وصناعة الالبان المحلية منافسة شديدة من البضائع التي ستصدرها الولايات المتحدة كي توسع أسواقها من جهة وكي تحل جزءا من البطالة في قطاع الزراعة الأميركي من جهة ثانية.

لكن ذلك ليس بيت القصيد، إذ سنقف أولا عند ما قاله السيد زوليك وأشار إليه الوزير عبدالله سيف.

الاتصالات وعلى رغم كل الانجازات التي حققتها شركة اتصالات البحرين (بتلكو) على صعيد تشييد البنية التحتية، لكن قطاع الخدمات فيها - القطاع الذي تخاطبه الاتفاقية - يصعب القول أن بوسعه أن ينافس تلك التي توفرها دول مجاورة، وعلى وجه الخصوص دبي والسعودية والكويت. الأولى تتميز بتطور خدماتها والاثنتان تتجاوزان البحرين بفضل حجم الأسواق. لذلك ولكي يستطيع قطاع الاتصالات أن يحقق الفائدة القصوى من الاتفاقية فإنه مطالب بتطوير الخدمات التي يقدمها كي ينجح في استقطاب الاستثمارات الاميركية في هذه القناة من جهة، ولكي ينافس شركات الاتصالات الأخرى العاملة في المنطقة من جهة ثانية.

ومن الاتصالات ننتقل إلى قطاع السياحة. ولن نخوض هنا في تفاصيل واقع هذا القطاع، يكفي أن نتساءل عن مصير صيف البحرين الذي أجل من دون أن يعرف - حتى الآن - أي من الذين ساهموا فيه الاسباب وراء إلغائه أو ربما تأجيله. ففشل التجربة الأولى في هذا القطاع في الاستمرار والتطور يدفعنا للتساؤل عن مدى كفاءة هذا القطاع. فلكي يستطيع قطاع السياحة البحريني من مد قنوات التفاعل مع المؤسسات السياحية الأميركية والاستفادة منها، هو مطالب بالنظر جديا في البنى التحتية لصناعة السياحة التي ما تزال دون المستوى المطلوب لتقديم خدمات وغير مؤهل أيضا لاستقبال استثمارات. على هذا القطاع أن يغادر برامج التسويق التقليدية المنحصرة في حضور بعض المهرجانات أو المشاركة في بعض المؤتمرات أو حتى إصدار الكتيبات ذات الألوان البراقة. لقد تطورت صناعة السياحة اليوم لتندمج مع قطاعات الخدمات الأخرى ومن أهمها قطاعات الخدمات المالية والمصرفية، ناهيك عن قطاع الاتصالات. وهو أمر لانلمسه في البحرين، على رغم توفر مؤسسات مالية محلية أو عالمية تعمل في البحرين وقادرة متى ما أحسن توجيهها أن تساهم بشكل مثمر مفيد للطرفين.

ومن السياحة ننتقل إلى قطاع نقل التكنولوجيا والتأهيل والتدريب في هذا المجال، وهما من أهم القطاعات التي تحتاجها صناعة الخدمات، وهو ما لم يفصح عنه الوزير وجاء على نحو مقتضب في سياق ما قاله الممثل التجاري الأميركي. ربما تكون هذه الأمور مدرجة بشكل تفصيلي ومدروس في بنود الاتفاقية، لكن لم يؤت على ذكرها في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه عن الاتفاقية. وبالتالي فليس بالامكان رجم الغيب.

هذا المجال في غاية الأهمية وخصوصا بالنسبة للبحرين. فنحن بحاجة لكي نستطيع أن نتميز ونبز الاسواق القريبة إلى اكتساب خبرة متطورة في قطاع تقنية المعلومات الذي تمتلك الولايات المتحدة أغني خبرة عالمية فيه والمقصود بنقل التكنولوجيا ليس مجموعة من البحرينيين المتفوقين دراسيا من أرقى جامعات ومعاهد الولايات المتحدة، المقصود هنا توطين التكنولوجيا من خلال زرعها في أوسع قطاع ممكن من الموارد البشرية المحلية المؤهلة من جهة، وتطوير المؤسسات ذات العلاقة بها كي يكون بوسعها استيعابها من جهة ثانية. وإذا افترضنا جدلا أن الاتفاقية تشملها فمن الطبيعي أن نتساءل هل نحن - البحرين - مهيأون للاستفادة منها؟ لقد تجاوز عدد طلبة جامعة البحرين العشرين ألفا، ومعاهد التدريب الاساسية في البلاد ما تزال تبحث عن استراتيجية تحقق التفوق التأهيلي المطلوب وتلبي احتياجات السوق المتزايدة. فكيف بوسع الاتفاقية ان تعالج مثل هذه الأمور؟

والخلاصة: لا ينبغي أن يفهم من الكلام أعلاه أننا ضد عقد مثل هذه الاتفاقيات، أو أن الغرض هو الدعوة لوضع حد لها. إننا على العكس مع ذلك، إذ ينبغي ان تلج مملكة البحرين هذا المجال وان تسعى لعقد المزيد من الاتفاقات والتحالفات أيضا، لكننا بالقدر ذاته ندعو، ولتحقيق الفائدة القصوى منها، ولتحويلها إلى مخطط راسخ وطويل المدى، لابد من تهيئة البلاد: مؤسسات وموارد بشرية وبرامج وخطط، كي يكون بوسعها التفاعل مع مثل هذه الخطوات بايجابية وعلى نحو تستفيد منه الأطراف كافة. وهذا ما يعطى التساؤلات المثارة أهميتها وشرعيتها

العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً