العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ

قراءة في تداعيات «خريطة الطريق»

حسن عبدالهادي بوخمسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تسارع الحوادث في الشارع الفلسطيني وتصاعد ايقاعها ووتيرتها خلال الأسبوع الماضي ابتداء بالعملية البطولية المشتركة من قبل أربع فصائل فلسطينية والتي فقد خلالها العدو أربعة قتلى وأربعة جرحى ومن ثم محاولة الاغتيال الجبانة الفاشلة لعضو القيادة السياسية لحركة حماس البارز عبدالعزيز الرنتيسي واستشهاد بعض الفلسطينيين فيها وجرح الكثير منهم وما تلاها من رد سريع وحاسم من قبل الحركة بتفجير أحد الاستشهاديين نفسه بحزام ناسف أودى بـستة عشر شخصا من ركاب الحافلة المتفجرة وجرح العشرات وأخيرا تلك الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة ولحد كتابة هذه الأسطر انتقاما من هذه العملية والتي أودت بدورها الى استشهاد وجرح ما يزيد عن المئة شخص.

هذه الحوادث المتسارعة تستنتج منها القراءات والانطباعات الآتية:

- ارتكاب جريمة محاولة الاغتيال الآنفة الذكر وحبر الورق التي تمت قراءتها في قمة العقبة لم يجف بعد يؤكد أن البلدوزر شارون غير معني على الاطلاق بعملية السلام لا من قبل ولا من بعد وما قبوله خطة الطريق وحضوره قمة العقبة إلا كذر الرماد في عيون من يطالبه بالتزام هذه العملية من أعضاء المجتمع الدولي وليس منهم بطبيعة الحال حبيبه المخلص جورج بوش الذي يمكنه الخروج عن بيت الطاعة الاسرائيلي خصوصا ان الانتخابات الأميركية على الأبواب مهما طغى شارون.

- تعيش السلطة الوطنية الفلسطينية أسوأ مراحل وجودها وأشد فترات حكمها ضعفا فكل الخيارات التي فرضت عليها أسهمت في ضعفها وفي هذا السوء، بدءا بفرض منصب رئاسة الوزراء وإحلالها تدريجيا عوضا عن منصب الرئيس العام ومن ثم اختيار عباس أبومازن أكثر الحمائم الفلسطينية رغبة في تسريع انهاء عملية النزاع العربي الاسرائيلي كيفما كان لهذا المنصب من قبل ياسر عرفات نفسه مجبرا لا بطلا ولا راغبا في ذلك وإن تم هذا الاختيار تحت مظلة شرعية تصديق تعيين من قبل البرلمان الفلسطيني، والهدف من كل ذلك كما هو واضح للجميع استبدال شخصية الأخير بأبومازن لتسهيل عملية تقديم التنازلات وتصفية القضية الفلسطينية (كما هو تصور الأميركيين والاسرائيليين بذلك على الأقل).

ومن ثم فرض ما يسمى بخطة «خريطة الطريق» بما فيها من اغفال واجحاف للكثير من الحقوق والثوابت الفلسطينية لمشروعه مثل حق القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وغيرها الكثير وتبنّي السلطة لها وقبولها رسميا بها. وأخيرا فرض المزيد من الاملاءات والشروط الأميركية الاسرائيلية فيما يرتبط بعملية انهاء الانتفاضة والاعتراف بحق اليهود التاريخي في دولة فلسطين وما شابه على أبومازن في قمة العقبة الأخيرة ومسارعته للاستجابة لها من خلال ما برز في تصريحاته العلنية والخطاب الذي ألقاه المتضمن بهذا الرضوخ ما جعله وحكومته في وضع لا يحسد عليه أمام جماهير الشعب الفلسطيني وسائر القوى والفصائل الوطنية المناضلة فيه.

- أحدثت محاولة القتل الفاشلة للرنتيسي الكثير من ردود الفعل العالمية الغاضبة والمنددة بشدة لها واتهام «اسرائيل» وشارون نفسه باغتيال عملية السلام و«خريطة الطريق» ذاتها من خلالها.

وللمرة الأولى يصبح الرئييس الأميركي في حرج شديد كما صرح هو بذلك - وتصدر منه تلميحات بإدانة الموقف الإسرائيلي، ما حدا بمجلس العلاقات الأميركية الاسرائيلية (ايباك) أن يقوم بالرد عليه - وهنا يحدث لأول مرة أيضا - وتدافع عن تصرف الحكومة الاسرائيلية ورئيس وزرائها شخصيا.

لكن ومع الأسف الشديد لم تقدم هذه الإدانات وهذ الاستنكار الواسع لأكثر من أربع وعشرين ساعة حينما جاء رد الحركة السريع وانتقامها في تلك العملية الاستشهادية السالفة الذكر وانقلبت الأمور بعدها رأسا على عقب وأصبحت الكفة تميل مرة أخرى لصالح العدو الاسرائيلي وراحت بيانات الشجب والاستنكار تترى وتتوالى منددة بحركة حماس وارهابها الاجرامي.

في تصوري كان بامكان حركة حماس استثمار تلك العزلة التي أوقفت «إسرائيل» نفسها من خلال التريث والصبر ولو لأيام في رد الفعل والانتقام لما حصل وأن تسمح لهذا التنديد وهذه الادانة العالمية بالدولة العبرية أن تأخذ أقصى مدى لها، وفي اعتقادي كان من الممكن حدوث شيء ما، ما بين الإدارة الأميركية وحكومة شارون، هذا غير تلك المكاسب السياسية الدولية التي قد تحصل عليها حركة حماس نفسها بنتيجة عدم استعجالها للرد وبهذه القوة التي تجاوزت الحادث نفسه كثيرا.

كلنا نتذكر تلك المرونة الهائلة التي كانت تتحلى بها حركة المقاومة الاسلامية في لبنان المتمثلة في حزب الله أثناء اشتباكاتها اليومية مع العدو الاسرائيلي.

ففي إحدى الجولات من هذا الصراع وبعد قصف شديد ومركز من قبل الطيران والمدفعية الاسرائيلية استهدف البنية التحتية اللبنانية وخصوصا محطات توليد الكهرباء وأدى إلى حدوث خسائر مادية كبيرة ووقوع الكثير من الشهداء والجرحى، كان الجميع حينها يتوقع ردا فوريا ومباشرا من الحزب، لكن فاجأهم بشدة لأنه ارتأى التمهل والانتظار والاستجابة لمطالب الكثير من الأطراف الدولية بالتهدئة - كما ورد ذلك في بيان الحزب - ما نتج عن هذا الموقف مكاسب هائلة للحكومة اللبنانية وللمقاومة الاسلامية نفسها على حد سواء. فللمرة الأولى تحصل على اعتراف رسمي عربي بها تأكد من خلال زيارة كل من الرئيس المصري حسني مبارك لبيروت - حينذاك - وإعلان تضامن مصر وشعبها مع الشعب اللبناني ومقاومته المشروعة في وجه الاحتلال الاسرائيلي، ومن خلال ذلك اللقاء الفريد والمميز الذي جرى ما بين وفد حزب الله وولي العهد السعودي سمو الأمير عبدالله أثناء زيارته هو الآخر لبيروت في الفترة نفسها بعد هذه الحوادث ببضعة أسابيع

العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً