عندما تستدعي النيابة العامة عددا من الصحافيين ورؤساء الصحف للتحقيق معهم في قضايا تتعلق بحرية النشر، فان ذلك يعتبر تراجعا للعملية الديمقراطية التي ازدادت وتيرتها في بلدنا. قد لا اتفق مع سياسة رؤساء بعض الصحف اليومية، بعضهم يفرض رقابة صارمة على الكاتب لارضاء سلطات الاعلام وفي اليوم الآخر يتباكى على قانون الصحافة الجديد يتحفزون لادانة كل صحافي صادق مؤمن برسالة الصحافة لغرض في نفس يعقوب.
عندما تقول الحقيقة والهدف هو ازالة الظلم عن الناس، واصلاح المجتمع من تراكمات الأخطاء، فإن بعض رؤساء تحرير الصحف «الارثوذكسيين» يعتبرون كتاباتنا «راديكالية» هدفها تشويش الرأي العام وتلويث أفكاره. لهذا لابد من ايجاد حجة أو طريقة ما لايقافهم عن الكتابة، ليس هذا فحسب بل انك تجد ان الكاتب يبعد عن صحيفته من دون أي سبب مقنع أو إنذار أو حتى لفت نظر، لما ارتكبه من جريمة نكراء في حق الكلمة الصادقة.
هذا هو الحال ومازلنا نسير على هذا المنوال، كما أن قانون الصحافة الجديد الذي يقال انه لم يعتمد اصبح في حيز التنفيذ وتعرض رؤساء صحف وصحافيين الى المساءلة تصل الى الادانة. هذا تماما ما حدث لي مع بعض الصحف اليومية المحلية، وحدث لكتاب وصحافيين بحرينيين آخرين غيورين على الوطن وليس كغيرهم من المنافقين.
اجراء استدعاء الصحافيين على غرار استدعاء الدبلوماسيين لاظهار عدم الرضا، ظاهرة غريبة على مجتمع في طور نمو ديمقراطيته. وهذا يثير مخاوفنا نحن الكتاب نظرا الى ما يترتب عليه من تراجع للعملية الديمقراطية وحرية التعبير، بما في ذلك القبول بمبدأ ابداء الرأي الآخر. هذا الاجراء يضيق مساحة حرية التعبير والنشر المتاحة الآن، ويهدد مستقبل العمل الصحافي والثقافي الحر في المملكة.
تسارع بعض الدول الخليجية لبسط حرية التعبير على مصراعيه وبوتيرة سريعة يثير بغضنا لقانون الصحافة الجديد. الجميع لاحظ التقدم الذي حققته قناة «الجزيرة» وقناة «أبوظبي» في قبول الرأي الآخر، ولاحظنا بعض الانفتاح للصحافة الاماراتية والقطرية، وتقدم المؤسسات المدنية في تلك الدول.
إذا الغرض من حرية التعبير هو وضع آلية فعالة لحماية الحقوق المدنية للفرد وخدمة المجتمع، ومحاسبة الأفراد والمسئولين المتجاوزين للقانون، فان اتهام وزير الاعلام للصحافيين نقد الصحف تجاوز المسموح بحسب قانون المطبوعات وانه سيطبق عليهم العقوبة المنصوص عليها في القانون يفقد القانون صلاحيته طالما انه يقيد الصحافي، ويتناقض مع ذلك مبدأ حرية التعبير، فبدلا من أن يحاسب مرتكبو الاخطاء، يحاسب من يكشفون لهم الاخطاء، لا ننسى أن كشف الأخطاء هو حق يغطي جميع اشكال التعبير، بما في ذلك ما يكتب في الكتب، والصحف والمجلات، وما يقال في الاذاعة والتلفزيون والافلام وشبكة الانترنت والمنتديات الخطابية وأماكن العبادة ومؤسسات المجتمع المدني لذلك سميت الصحافة السلطة الرابعة.
هذا الحق كلفه الدستور البحريني في الباب الثالث (الحقوق والواجبات) المادة (23) التي تنص على أن: حرية التعبير والبحث العلمي مكفولة، ولكل انسان حق التعبير عن رأية ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون. وميثاق العمل الوطني ايضا كفل حرية التعبير في الفقرة الرابعة من الفصل الأول (المقومات الاساسية للمجتمع) التي تنص على انه: لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو بأية طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الابداع الشخصي، وبمقتضى هذا المبدأ فأن حرية البحث العلمي وحرية النشر والصحافة والطباعة مكفولة، في الحدود التي يبينها القانون.
حرية التعبير لها حدود، وان الذين يتمتعون بحقوق حرية التعبير لديهم واجبات تجاه احترام حقوق حرية التعبير، ولديهم واجبات تجاه حقوق الآخرين، وتتقيد حرية الفرد في التعبير بحقوق الآخرين، ومن ذلك حقهم في الاحتفاظ بخصوصياتهم. وتضع غالبية المجتمعات قيودا مختلفة على ما قد يقوله الناس، فهم يمنعون الكلام الذي يعتقدون انه قد يضر بالحكومة أو الناس، لكن من الصعوبة بمكان رسم خط بين الكلام الضار وغير الضار. إذا فإن دستور البحرين، وغيره من الدساتير الديمقراطية، يدعم سلطة الصحافة الرابعة بشتى الوسائل لكشف الحقيقة وابداء رأي الناس فيها عن طريق التصويت والاستفتاء
الدول الغربية وضعت أربعة قيود رئيسية على حرية التعبير، وهي: القوانين التي تتناول القذف، والتشهير، وتمنع الكلام أو النشر الذي يضر بسمعة الشخص.
بعض القوانين تمنع الكلام الذي يخدش الحياء العام باستعمال اقوال منافية للآداب العامة أو بتشجيع الناس على ارتكاب افعال غير اخلاقية. قوانين ضد التجسس، والخيانة، وتشجيع العنف، وتحريم الكلام الذي يعرض الحياة أو الأمن القومي للخطر. قوانين اخرى تحرم الكلام الذي يتعدى على حق الناس في عدم الاصغاء اليها، فمثلا، قد يقيد قانون محلي فرعي الأوقات التي يستخدم الناس فيا مكبرات الصوت في نشر الاعلانات في الطرقات. هذه الحالات لم تحدث ونتحدى أي مسئول في السطة الاعلامية يأتينا بدليل على حدوث حالات لا تسمح بها اخلاقيات الصحافة ونشرت في الصحف البحرينية، الواقع ان هناك أخطاء صحافية ارتكبها نفر من الصحافيين تجر الى الفتنة الطائفية، وهي وبال على المجتمع وتماسكه، لكن السلطة الاعلامية تغاضت عن تلك التجاوزات، وضخمت مسائل سطحية لا تهم مجتمعا بشيء.
من المعلوم ان الحكومات الديمقراطية تقيد حرية الصحافة في ثلاثة أنواع من القضايا.
وفي مثل هذه القضايا، تعتقد هذه الحكومات ان حرية الصحافة قد تعرض الافراد، والأمن القومي، أو الاخلاق الاجتماعية للخطر. وهذه القضايا هي: قوانين ضد القذف أو الاعتداء على الخصوصية، فتحمي الافراد من الكتابات التي قد تهدد سمعتهم أو خصوصيتهم، قوانين ضد أعمال منافيه للآداب (كاللغة البذيئة) تهدف الى حماية اخلاق الناس. ونحن نحترم هذا المبدأ.
قوانين ضد الفتنة، أو الخيانة لمنع نشر مواد تضر بأمن الدولة، وقد بينا ان بعض الكتاب البحرينيين المغالين والمزايدين على وطنية بعض المواطنين حاولوا اثارة الفتنة الطائفية، لكن وعي المجتمع البحريني الذي يهمه مصلحة الوطن، هو الذي اخمدها في جحرها. وحتى حين يكفل الدستور حرية الصحافة، فان على الصحافة ان تنظم نفسها، وعلى نقابة أو جمعية الصحافيين مناقشة موضوع حرية الصحافة مع السلطة الاعلامية واجراء حوار صريح عن قانون الصحافة الجديد وتقديم مسودة بشأن نقاط القصور المسببة لضعف القانون وعدم تماشيه مع عصر الحريات، بدلا من افتراض مبدأ الجريمة والعقاب عند محاسبة الصحافة.
طبعا سيتجنب الناشرون والمذيعون نشر مواد خارجة على الاداب واللباقة، وأي أمر آخر قد يخدش حياء عدد كبير من القراء أو المشاهدين أو المستمعين، تطبيقا لنظرية المسئولية الاجتماعية في الاعلام. لا ينكر أحد حق الحكومة في ان تفرض اشد القيود على الصحافة خلال أوقات الطوارئ الوطنية وانعدام الأمن، وخصوصا أوقات الحروب، كالتي فرضتها حكومات الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية (1939 إلى 1945) مثلا، فقد حظرت تلك الدول نشر مواد من شأنها ان تخل بالمجهود الحربي أو تضر بالامن القومي.
وكانت أقسام الرقابة تتحقق من عدم ظهور مثل هذه المواد في الصحف أو الكتب أو الاذاعة، لكن الوضع تغير الآن بتطور وسائل الاعلام المسموعة والمرئية، خير دليل على ذلك تغطية غزو القوات الاميركية والبريطانية للعراق.
وتختلف قيود الصحافة اختلافا كبيرا من بلد لآخر. ففي بريطانيا مثلا، تقيد الصحافة نفسها عادة فيما تنشره عن بعض جوانب الحياة الخاصة لاعضاء العائلة المالكة، وفي البحرين فان الذات الملكية محفوظة لا تمس من قبل الصحافة، كما لا يوجد في البحرين صحافة الملاحقة المعروفة بـ (الباباروزي) أي فئة المصورين المستقلين التي تسببت في مقتل الأميرة ديانا. وتدخلت في نشر فضائح العائلة الملكية، فأخلت بهذا القانون. وفي ايطاليا، تفعل الصحافة ذلك للبابا ايضا. وتحاول الحكومات الديمقراطية أحيانا حظر تداول الكتب التي تعتقد انها تخترق حواجز قوانين الأمن القومي. واحيانا تعترض الجماعات الدينية على كتاب أو فيلم يعتقد انه مسيء لها، كما هو حاصل حاليا في مصر، وتحاول سحبه عن طريق الناشر أو الموزع.
وتفرض حكومات كثير من الدول قيودا شديدة على الصحافة. وكان لعدد من الدول الشيوعية، وآسيا، وأميركا اللاتينية، وإفريقيا، والشرق الأوسط، مجالس لمراقبة جميع المطبوعات المنشورة. ويعمل هؤلاء المراقبون على التأكد من أن الصحف والمطبوعات الاخرى تتبع توجيهات الحكومة، وتتفق مع السياسة الرسمية للدولة.
وفي الانظمة الدكتاتورية، تتحكم الحكومة عادة في الصحافة وكل وسائل الاعلام، لهذا اخترع وزير الدعاية الألماني في عصر هتلر الآلة الاعلامية الحكومة التي تعتز بها جميع الانظمة الدكتاتورية بهدف تجميل صورة تلك الانظمة، عن طريق ملكية الصحف والاذاعة والتلفزيون والمحطات الفضائية والاقمار الاصطناعية وشبكة الانترنت وادارتها بنفسها. كما تعمل على التأكد من ان الصحافة تتبع سياسات الدولة والحزب الذي يمثلها. من هنا لابد من اصلاح الخلل الحاصل الآن في الجهاز الاعلامي البحريني، وان تقييد حرية الرأي سيجبر الكثير على استخدام وسائل اعلامية بديلة غير مصرح بها.
وقد مللنا من ظهور الوجوه المجملة يوميا على شاشة تلفزيون البحرين الذي يغط في سبات عميق، ولم يستطع التقدم قيد انملة لكسب ثقة المشاهد البحريني. صمت وسائل الاعلام البحرينية وتجاوز أزمة الحريات العامة، ضاعف من أزمة الحريات في المملكة. كفالة حق العبير للفرد ومؤسسات المجتمع المدني يتطلب اجراء الغاء وزارة الاعلام كأداة للدعاية الاعلامية مؤسسة للتجميل والمراسم، فقد اتخذت حكومة قطر قرارا حكيما بالغاء وزارة الاعلام، وبما ان الاميركيين يؤمنون بالنظام الديمقراطي كما يدعون فقد الغوا وزارة الاعلام في العراق. هذه الوزارة كانت مسلطة على رقاب المواطنين، وتبعث على الضجر من كثرة تمجيد القائد. هيئة الأداة البريطانية.
تدعمها الدولة بقوة لكنها مؤسسة مستقلة، تدار بواسطة مستقلين، وتعتبر منبرا لجميع الاطياف السياسية في بريطانيا لابداء الرأي، استقلالية الاجهزة الاعلامية تمكن المؤسسات الديمقراطية في المملكة من العمل بكفاءة لحماية الحقوق المدنية، واستنشاق فضاء حرية التعبير لتحقيق مشاركة شعبية حقيقية في صنع القرار
العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ